طفرة عقارية في دبي تغذي تضخم الإيجارات السكنية

غلاء الشقق والفيلات يجبر الوافدين على البحث عن منازل بعيدا عن مركز المدينة.
الجمعة 2023/02/24
الزحف العمراني في الخلفية

تسود حالة من القلق بين المحللين بسبب الارتفاع الصاروخي في تكاليف الإيجار في دبي، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تنامي ضغوط كلفة المعيشة للسكان وخاصة للقوى العاملة الأجنبية التي جعلت الإمارة أكثر حيوية من حيث الأعمال والأنشطة الاقتصادية.

دبي– تشهد دبي طفرة عقارية غير مسبوقة منذ انتهاء جائحة كوفيد، يغذيها تدفّق للمستثمرين خصوصا الروس، الأمر الذي يؤثر سلبا على عدد من المقيمين، حيث يتسبب هذا الوضع بارتفاع كبير في الإيجارات السكنية.

وسجّلت الإمارة، المعروفة بناطحات السحاب ومساكنها الفخمة فائقة الأمان والجزر الاصطناعية، نتائج قياسية في العام الماضي على صعيد الصفقات العقارية بلغت قيمتها الإجمالية 143 مليار دولار، بزيادة قدرها أكثر من 76 في المئة مقارنة بالعام السابق.

وفي بعض الأحياء الفخمة في المدينة، حيث تباع العقارات بأكثر من عشرة ملايين دولار، تجاوز عدد المبيعات العام الماضي كل المبيعات خلال الفترة ما بين 2010 و2020، بحسب شركة نايت فرانك البريطانية المتخصصة في الاستشارات العقارية.

فيصل دوران: الأحياء الفخمة سجلت أقوى نمو لسوق المنتجات الفاخرة
فيصل دوران: الأحياء الفخمة سجلت أقوى نمو لسوق المنتجات الفاخرة

ويقول رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط في نايت فرانك فيصل دوراني إن “الأسعار في هذه الأحياء قفزت بنسبة 44 في المئة مسجلة أقوى نمو لسوق المنتجات الفاخرة في العالم”.

وتجذب دبي المستثمرين بسبب بنيتها التحتية المتطورة وبيئتها المناسبة للأعمال وسياستها الضريبية، وتوفّر خدمات مختلفة يقدمها مئات الآلاف من العمّال الذين معظمهم يأتون من آسيا.

وأدّى موقف دولة الإمارات الداعي إلى إنهاء الحرب على أوكرانيا من دون انتقاد روسيا العام الماضي، أيضا، إلى جذب عدد كبير من الأثرياء الروس الهاربين من العقوبات المفروضة على بلادهم.

وبينما لا تنشر السلطات البيانات بحسب الجنسيات، تشير وكالة بيتر هومز العقارية الرائدة في دبي إلى أن الروس كانوا في مقدمة المشترين الدوليين العام الماضي، وفي المركز الثالث بين السكان.

وبحسب بيانات هومز يعدّ البريطانيون والهنود والفرنسيون والإيطاليون أيضا من بين المستثمرين الرئيسيين في الإمارة، حيث لديهم أعمال متنوعة في شتى المجالات بما فيها النشاطات ذات القيمة المضافة.

وعلاوة على ذلك يسعى رواد أعمال وموظفون ومشاهير إلى إيجاد مسكن للاستقرار في دبي، لاسيما بعد تخفيف القيود التي فرضت لاحتواء جائحة كوفيد والتشجيعات التي تقدمها حكومة الإمارة وفق إستراتيجية طموحة لتعزيز مؤشرات النمو خلال السنوات المقبلة.

وقال فرهد عزيزي، الرئيس التنفيذي لشركة عزيزي غروب العقارية وتستعد لبناء ثاني أعلى برج في دبي بعد برج خليفة الشهير، لوكالة الصحافة الفرنسية “لدينا الكثير من الزبائن من أوروبا الذين يرغبون في الانتقال إلى هنا وتأسيس شركات أو العثور على عمل”.

وتشير التقديرات إلى أن عدد سكان دولة الإمارات يبلغ نحو عشرة ملايين، ويشكل الأجانب نحو 90 في المئة منهم. وبالنسبة إلى هؤلاء، فإن الطفرة العقارية ليست أمرا جيدا حيث تضغط تكاليف الإسكان على قدراتهم المالية.

ويرى جايكوب فليتشر المتخصص في سوق الإيجارات بشركة بيتر هومز أن “الأمر رائع لأصحاب العقارات، ولكنه ليس جيدا للمستأجرين”.

20

في المئة نسبة الزيادة في إيجارات الفيلات والشقق منذ بداية 2023 قياسا بالعام السابق

ورصدت بيتر هومز قفزة في الإيجارات السكنية بدبي قدرتها بنسبة 20 في المئة منذ بداية العام الجاري.

وكان المتوسط السنوي لإيجار فيلا العام الماضي عند 276 ألف دولار، بينما بلغ نحو 67.9 ألف دولار بالنسبة إلى الشقة، وفق شركة سي.بي.آر.إي للاستشارات العقارية.

وبحسب فليتشر، سيكون على القادمين الجدد القبول بمساكن أصغر حجما وبعيدا عن مركز المدينة، ولكن المقيمين منذ فترة طويلة هم الأكثر عرضة لتداعيات ارتفاع أسعار العقارات.

واعتاد القاطنون في دبي منذ فترة طويلة ارتفاع أسعار الإيجارات ثم انخفاضها وفق تقلبات السوق صعودا وهبوطا في الماضي، لاسيما بعد الأزمة المالية عام 2009 أو خلال الجائحة.

وترك الارتفاع السريع للإيجارات في الأشهر الأخيرة، والذي جاء في سياق عالمي من التضخم وارتفاع الأسعار، أثره على العديد من العائلات في دبي.

وتقول مقيمة غربية تعيش في دبي منذ خمس سنوات مع زوجها وابنها “قام مالك البيت بإبلاغنا بوجوب المغادرة قبل عام لأنه يرغب في بيع البيت”.

وتضيف السيدة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها لوكالة الصحافة الفرنسية “لكن السوق مجنونة للغاية اليوم، السعر باهظ، وعلينا أن ندفع أكثر لبيت أصغر حجما وفي منطقة أبعد”.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يتناقل كثيرون قصص نزاعهم مع مالكي البيوت الذين يسعون للاستفادة من ارتفاع الأسعار حاليا قُبيْل حدوث تغير جديد محتمل في الوضع.

جايكوب فليتشر: سيكون على القادمين الجدد القبول بمساكن أصغر حجما
جايكوب فليتشر: سيكون على القادمين الجدد القبول بمساكن أصغر حجما

ويعتقد البعض من المحللين أن الأموال الروسية التي دخلت سوق دبي على مدار الاثنى عشر شهرا الماضية ساهمت في تأجيج الأسعار وجعلت الإيجارات بعيدة عن متناول الكثير من الناس.

ورصدت باترهومس، التي تعمل في دبي منذ 1986، وسماسرة عقارات آخرون قيادة الروس لجميع الجنسيات الأخرى في مشتريات غير المقيمين للمرة الأولى في العام الماضي.

وفي ظل هذه الطفرة التي ستعود بالنفع على الملاك وشركات التطوير على الأرجح، يؤكد دوراني أن دبي “ليست محصنة” من المخاطر العالمية الحالية، ومن بينها التباطؤ الاقتصادي العالمي وارتفاع أسعار الفائدة.

ويضيف “الإمارات مثل السعودية ستكون من بين الاقتصادات الأسرع نموا، ومستويات التضخم أقلّ ممّا هي عليه في باقي أنحاء العالم”، موضحا أن “الجوانب الإيجابية أكثر من الجوانب السلبية”.

وتمثل العقارات الآن حوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدبي. وبعد الركود بسبب قيود كوفيد شهدت دبي 849.86 ألف صفقة بيع في العام الماضي، متجاوزة الرقم القياسي السابق البالغ 831.8 ألف صفقة تم تسجيلها في عام 2009.

ويرى خبراء شركة بروبيرتي مونيتور أن التقليب “على الخارطة” ينمو مرة أخرى، حيث “يستفيد المشترون الأوليون من انتعاش السوق الحالي ويسحبون علاوة في متناول اليد”.

وحذرت الشركة وغيرها من الكيانات الأخرى، التي تعمل وترصد نشاط القطاع العقاري بالإمارة، في وقت سابق هذا العام من أن الشراء القائم على المضاربة قد يؤدي إلى فقاعة أخرى.

11