تبّون يستبق غضبا شعبيا بتخفيف سياسة التقشف الحكومي

فشل الرهان على الإنتاج المحلي يعيد خيار الاستيراد.
الأربعاء 2023/02/22
كاهل مثقل بالقرارات المتخبطة والارتجالية

أعاد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون النظر في بعض سياساته الحكومية التي ثبت حتى الآن عدم جدواها، فضلا عن أن بعضها تحول إلى مثار تململ في الشارع الجزائري بسبب تبعاتها السلبية.

الجزائر - أمر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الحكومة بتخفيف بعض الإجراءات المشددة التي جرى اتخاذها لتسوية عدد من الملفات التنظيمية، كما فتح المجال أمام إمكانية مراجعة سياسة التقشف.

وأوعز تبون للحكومة بألا تكون سياسة تقليص الواردات على حساب حاجيات المواطنين، وهو أمر يوحي بأن السلطة بدأت تستشعر خطورة حالة التململ الشعبي جراء بعض التدابير الاقتصادية والاجتماعية الرادعة، وهي تحاول أن تتلافى أي انزلاق قد يخلط أوراقها عشية الحديث عن ولاية رئاسية ثانية للرئيس تبون.

وأفاد بيان لمجلس الوزراء الأخير بأن “الرئيس عبدالمجيد تبون أمر بأن تكون عمليات هدم البنايات المأهولة غير الشرعية وفق مخطط مدروس بدقة يحضره الولاة، ثم يرفعونه إلى وزير الداخلية للبت فيه نهائيا، بعد استنفاد كل سبل التسويات الإدارية والقانونية، وألا تكون عمليات هدم السكنات المأهولة خلال فصل الشتاء”.

وطلب الرئيس الجزائري من حكومته “استحداث جهاز يقظة دقيق خلال الأسبوع الجاري، بالتنسيق بين وزارات الداخلية والزراعة والتجارة، يتولى المراقبة والمتابعة اليومية لتموين السوق بمختلف المواد الأساسية التي أصبحت تستغلها عصابات لزعزعة الاستقرار الاجتماعي”.

السلطة الجزائرية بدأت تستشعر خطورة حالة التململ الشعبي جراء بعض التدابير الاقتصادية والاجتماعية الرادعة

وشدد على “ألا يكون تقليص فاتورة الاستيراد على حساب المساس بحاجيات المواطن، وإنما بمراعاة توفر الإنتاج الوطني كمّا ونوعا، وتكثيف أنظمة الإنذار والرقابة، بدءا من الأحياء والقرى بإشراك السلطات المحلية، بهدف مراقبة أسعار المواد الأساسية وتموين الأسواق بكل أنواعها”.

وتأتي هذه الخطوات في ظل حالة غضب متصاعد لدى فئات مختلفة من المجتمع وجدت نفسها في مواجهة إجراءات حكومية ردعية على غرار حملة هدم بنايات شيدها خواص بدعوى عدم امتلاكهم للتراخيص اللازمة وانتهاكهم للأملاك الحكومية.

كما تعاني الأسواق المحلية من شح في بعض المواد الأساسية مما ساهم في ارتفاع أسعارها، ومست مختلف القطاعات بما فيها البناء والمواد الأولية والاستهلاكية، والدواء

وغيرها، الأمر الذي ساهم في شلل الكثير من المؤسسات الصغرى والحرفيين إلى جانب تسجيل معاناة كبيرة لدى المرضى ووضعية المشافي الحكومية.

ومنذ قدوم الرئيس تبون إلى السلطة نهاية العام 2019، وضعت الحكومات التي شكّلها تقليص فاتورة الواردات هدفا رئيسيا لعملها، وتمكنت في ظرف ثلاث سنوات من خفضها من حدود 60 مليار دولار إلى نحو 30 مليارا بغية تحقيق توازن في الميزان التجاري.

واتخذت السلطة في البلاد من الحد من تهريب العملة الأجنبية تحت غطاء الاستيراد ووقف الاستيراد العشوائي ذريعة لتقليص الفاتورة السنوية، لكن ذلك لم يراع حاجيات أساسية لتحريك النشاط الاقتصادي والتجاري الداخلي، فضلا عن أنه خلق ندرة وغلاء في الأسعار.

وذكر وزير التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق في هذا الشأن بأن مراجعة القطاع سمحت بشطب نحو 24 ألف منتج مستورد من ضمن 40 ألفا كانت تحصيها الجهات الحكومية، وأن التركيز جار الآن من أجل قلب المعادلة إلى التصدير، وهو ما مكن الحكومة من تسجيل صادرات خارج المحروقات لأول مرة في تاريخ البلاد قدرت بسبعة مليارات دولار.

لكن ناشطين في القطاع عبروا عن امتعاضهم من سياسة الحكومة، كونها ساهمت في إفلاس الآلاف منهم، وحرمان السوق من العديد من المواد، لاسيما وأن البلاد تعتمد في الغالب على المنتجات الأجنبية، وأن الإنتاج المحلي لا يزال بعيدا من حيث النوعية والكمية التي تفي بغرض المستهلك الجزائري.

ومع تركيز الحكومة على توفير ودعم المواد الأساسية كالخبز والزيت والحليب، وإطلاق أجهزة وتشريعات رقابية صارمة في مجال مكافحة الاحتكار والمضاربة غير المشروعة، تتواصل ندرة وغلاء مختلف المواد الأخرى منها الأدوية والمواد الأولية، ومواد البناء، مما أدى إلى إفلاس الآلاف من الورش الحرفية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ولم توفق حكومات الرئيس تبون المتعاقبة في خلق توازن بين تقليص الواردات وبين بعث إنتاج محلي، مما خلق حالة من الارتباك تسير نحو غضب اجتماعي يتراكم شيئا فشيئا، وهو ما دفع تبون إلى التدخل وإعادة توجيه الحكومة في بعض السياسات.

وخصص مجلس الوزراء المذكور جزءا من أشغاله لموسم شهر رمضان لما يتميز به من إقبال واسع على الاستهلاك، بحض الحكومة على توفير الحاجيات المطلوبة وتكثيف الرقابة في الأسواق، غير أن تجربة السنوات القليلة الماضية مع فشل السلطات المختصة في ضبط الأسعار تبقي نفس سيناريو الغلاء السائر إلى المزيد من الارتفاع، وتكريس توسع دائرة الفقر داخل المجتمع.

كما تناول المجلس مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية الذي أمر الرئيس تبون بإرجائه إلى وقت لاحق بغرض الإثراء، وعقد جلسات خاصة بقطاع السينما بإشراك الفاعلين والمهنيين الجزائريين في القطاع داخل الوطن وخارجه، والحرص على تضمينه آليات التكفل بالجوانب الاجتماعية لكل المبدعين الجزائريين على اختلاف فنونهم عرفانا بما قدموه ويقدمونه من صور جميلة عن الجزائر، إلى جانب ضبط آليات واضحة لتمويل المشاريع السينمائية بما يتوافق وقوانين الجمهورية.

4