الاستدامة تُحدث ثورة صامتة في ابتكار إطارات المركبات

يتجه صانعو إطارات السيارات إلى وضع بصمتهم على المركبات النظيفة مع التقدم التكنولوجي السريع وتنافس الشركات العملاقة والناشئة على التحول إلى إنتاج وسائل نقل تكون فيها كل أجزائها منسجمة مع البيئة، وهو ما يمكن اعتباره ثورة تتقدم إلى المستقبل بثبات.
لندن - تسود قناعة بين الخبراء بأن المركبات الحديثة والمستقبلية وخاصة الكهربائية أصبحت أكثر من أي وقت مضى في طريق التغلب على نظيراتها ذات محركات الاحتراق الداخلي.
ويقول الكثير من المختصين إن السعي الحثيث وراء تنظيف وسائل النقل يتجاوز ما هو موجود تحت غطاء المحرك، ليصل إلى ابتكار إطارات مستدامة لجعلها هي السائدة في غضون 27 عاما من الآن.
وتتمتع الإطارات بتصميم نمطي منذ زمن طويل، فهي لطالما كانت دائرية الشكل وسوداء اللون ومصنوعة من المطاط. لكن بالنظر إليها عن قرب يتم اكتشاف أن التصميم والتفاعُل بين مختلف المواد، التي تدخل في صنعها، يشكلان عملية معقَّدة جدا.
والإطارات عنصر مهم للغاية في أي مركبة، ولكن عند النظر مليّا في أساليب صناعتها بالطرق التقليدية سنلاحظ أنها تحتوي على مواد مصنوعة من عمليات مضرة بالبيئة إلى حد ما.
وبالنظر إلى أن ثمة ما لا يقل عن إطارين لكل مركبة تسير على الطرقات في العالم اليوم، فإن جعل تلك الأشياء المطاطية المستديرة أكثر استدامة يمكن أن يقطع شوطا طويلا في تنظيف هذه الصناعة.
وتبدو الانطلاقة مثيرة للإعجاب، ولكن قد يعتقد البعض أن هذا مجرد مفهوم للسماء الزرقاء ولن يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. ومع ذلك، تأخذ مجموعة من الشركات هذا الأمر على محمل الجد.
ومنذ مدة يعمل الأخصّائيون في مجال المواد ومهندسو الإطارات لدى شركات، مثل كونتيننتال الألمانية وغوديير الأميركية وميشلان الفرنسية بمعاضدة من صانعي السيارات مثل هيونداي، على إطلاق ما يُمكن اعتباره ثورة صامتة في هذا المجال.
ويوضح كلاوس بتسشيك، مدير الاستدامة لدى كونتيننتال للإطارات، المهمّة التي تسعى الشركة لتحقيقها قائلا لوكالة الأنباء الألمانية إنها “تسير على الدرب الصحيح لأن تصبح المُصنع الأكثر تقدما بمجال الاستدامة في قطاع الإطارات”.
وتستهدف الشركة استخدام مواد مستدامة بالكامل في منتَجاتها بحلول 2050 كموعد أقصى. ويؤكد بتسشيك أن القدرة الابتكارية لكونتيننتال تُمكنها من تحقيق المزيد فيما يتعلّق بالاستدامة وضمن العديد من النواحي الجديدة.
وشرح أن هذا الأمر يشمل كل شيء، ابتداء من المصدر الأساسي للمواد التي يتم استخدامها وصولا إلى إعادة استعمال وتدوير الإطارات.
وتعتقد كونتيننتال أن المطاط الطبيعي مادة مستدامة، لكن فقط إن تم الحصول عليه بأساليب مسؤولة، وهي تعمل على استخلاص المطّاط الطبيعي للأغراض الصناعية من نبتة الهندباء التي يتم زرعها بطريقة خاصّة.
وعليه، تعتمد توجها متكاملا يهدف إلى تعزيز الاستدامة ضمن سلاسل إمداد المطّاط الطبيعي، والتي تكون عادة معقَّدة وغير مترابطة.
ويتضمّن هذا الشيء استعمال التقنيات الحديثة المتطوّرة جدا، والانخراط عن قرب في الأنشطة المحلّية ذات الصلة، والتعاون الوثيق مع الشركاء من أصحاب القدرات البارزة بهدف تحسين مستويات الشفافية وقابلية التعقُّب ضمن كامل سلسلة القيمة.
وإلى جانب المطّاط تُعد المواد المالئة أساسية في صناعة الإطارات، فمادة السيليكا مثلا تساعد على تعزيز مجموعة من الخصائص مثل التماسك ومقاومة الدوران وكذلك إطالة عمر الإطار.
وتقول الشركة الألمانية إنها ستستخدم في المستقبل قشر الأرز كمادة بارزة لإنتاج السيليكا بطريقة مستدامة.
وكما هو معروف، يشكّل القشر جزءًا من عملية إنتاج الأرز ولا يصلح للاستعمال كطعام بشري أو حيواني، وبالتالي فإنه يُعتبَر بمثابة نفايات إنتاجية.
ولكن السيليكا المستخلَصة من رماد قشر الأرز تتميز بكونها أكثر كفاءة من ناحية الطاقة عند استخدامها في عمليات التصنيع بالمقارَنة مع تلك التي يتم الحصول عليها من مواد تقليدية مثل رمال الكوارتز.
وعلاوة على استعمال المواد المتجددة تستخدم الشركة بانتظام المواد الخام المُعاد تدويرها في إنتاج إطاراتها. والهدف من هذا ضمان الحصول على الكربون الأسود والمادة المالئة الحيوية الأخرى، التي ستدخل في مركَّبات المطّاط بكميات كبيرة في المستقبل.
وتعتمد كونتيننتال أيضا المعالجة الميكانيكية للإطارات، التي تصل إلى نهاية عمرها، وضمن ذلك يتم الفصل بين المطّاط والفولاذ وأربطة الأنسجة بالتحديد باعتماد آلية معقَّدة ومتطوّرة جدا في آن واحد.
وتعمل الشركة مع عدد من الشركاء للحصول على لفائف البوليستر عالي الجودة من العبوات البلاستيكية المُعاد تدويرها لأجل تغليف إطاراتها.
وبالاعتماد على تقنيتها كونيتي.ري.تيكس، قامت الشركة بتطوير بديل أكثر كفاءة من ناحية الطاقة ورفقا بالبيئة، مما يسمح لها باستخدام ما بين 9 و15 عبوة بلاستيكية لكل إطار، وذلك وفقا لحجمه.
وفي الواقع تبذل كونتيننتال جهدا كبيرا ومستمرا لتطوير التقنيات المبتكَرة والمنتَجات والخدمات المستدامة ضمن مجمل سلسلة القيمة الموجودة لديها.
ويبدأ هذا الأمر من الحصول على المواد المستدامة من مصادرها الأساسية ليصل إلى إعادة تدوير الإطارات في نهاية عمرها، لكنها تواجه منافسة مع مطورين آخرين يعملون داخل ورشات التصميم ضمن شركات تعمل في القطاع.
وخلال الآونة الأخيرة شرعت غوديير في تحويل إطاراتها، حيث يلتقي المطاط بالطريق، إلى إحدى الأدوات المنسجمة مع البيئة من خلال ابتكار نماذج مستدامة.
ويبدو أن مساهمة الشركة الأميركية قد تكون قريبة من الواقع بشكل واعد. فقد كشفت الشركة في الشهر الماضي عن إطار 90 في المئة من مكوناته عبارة عن مواد تأتي من مصادر مستدامة.
وتقول الشركة “إن هناك 17 مكونا مستداما، تشمل أشياء مثل البوليستر المعاد تدويره والمكونات النباتية مثل زيت فول الصويا، ونفايات قشر الأرز، وراتنج شجرة الصنوبر الحيوي المتجدد”.
كما أنها تستخدم الفولاذ الذي يحتوي على “محتوى معاد تدويره عال وبوليمرات موازنة الكتلة من المواد الأولية الحيوية والحيوية الدائرية.
وخضع النموذج للاختبار التنظيمي واجتازه بعد أن اجتاز الاختبارات الداخلية للشركة، وهذا لا يعني أنه سيكون على الطريق غدا، كما تعترف غوديير بأنها لا تزال بحاجة إلى العمل مع مورديها لمعرفة طريقة رفع مستوى الإنتاج الضخم.
وتمتلك غوديير أيضا إطارا آخر مصنوعا من مواد مستدامة بنسبة 70 في المئة، وقد أطلقت بالفعل موقعا إلكترونيا للزبائن المهتمين بشرائه.
وتقول الشركة إنها تريد تطوير إطار مستدام بالكامل بحلول نهاية العقد الحالي. وبالنظر إلى ذلك، قد يبدأ ظهور إطار بنسبة 70 في المئة أو 90 في المئة من المواد المستدامة على الطريق في وقت أقرب مما يعتقده البعض.
وقال كريس هيلسيل نائب الرئيس الأول للعمليات العالمية ورئيس التكنولوجيا في الشركة “نواصل إحراز تقدم نحو هدفنا المتمثل في تقديم أول إطار من المواد المستدامة بنسبة 100 في المئة في الصناعة بحلول 2030”.
ولم تكن ميشلان بعيدة عن هذا المسار، فمنذ عامين تجتهد لكي تبتكر نماذج صديقة للبيئة. وقد أعلنت في أكتوبر الماضي عن زوج من الإطارات المعتمدة لمركبات الطرق بما في ذلك السيارات والحافلات، والتي تتميز بمستويات عالية من المواد المستدامة بيئيا.
ويستخدم إطار سيارة ركاب جديد 45 في المئة مواد مستدامة، وتم تصنيع إطار حافلة باستخدام 58 في المئة من نفس المواد. ويتميز كلا المنتجين بالأسود الكربوني المسترجع الذي توفره شركة أونفيرو.
ومن المتوقع أن تقدم مستويات أداء مماثلة للإطارات المستخدمة حاليا والمصنعة تقليديا، حيث ستستخدم ميشلان التكنولوجيا لإنتاج منتجات مستدامة مماثلة في غضون عامين أو ثلاثة أعوام.
وفي خضم السابق طورت ميشلان إطارات سباق للدراجات النارية الكهربائية وللسيارات، حيث استخدمت أيضا أسود الكربون المسترجع، بالإضافة إلى مواد أخرى مستدامة ومستعادة.