الصوت ثلاثي الأبعاد تقنية سينمائية تؤثر في مستقبل الموسيقى

تجربة رائعة في نظر الخبراء لم تقنع عشاق الموسيقى.
الثلاثاء 2023/02/21
التقنية تتيح سماع النوتات كأنها تعزف مباشرة

اخترعت تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد لتستخدم في السينما لكنها صارت اليوم تقنية موسيقية بامتياز، حيث صار بعض المنتجين الموسيقيين يعتمدونها لأنها توفر للمستمعين تجربة موسيقية عميقة تتيح لهم التفرقة بسهولة بين الآلات الموسيقية وخوض تجربة ذاتية أشبه بحضورهم حفلات غنائية حية.

برلين - منذ أن اخترع الأخوان لويس وأوغست لوميير السينما عام 1895، سعت السينما إلى تجسيد الواقع والارتباط به وتجريب أهم التقنيات المستحدثة في السينما. بدأت السينما صامتة ثم عرفت الصوت عام 1927، ثم بعدها بأقل من عشر سنوات تم التلوين، ومن ثم أصبحت السينما المجسمة، أي السينما ذات الأبعاد الثلاثة. وبعد ذلك صارت السينما تستخدم تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد أو الصوت المكاني.

حتى المنصات الرقمية يطرح بعضها، مثل نتفليكس، على المشاهد فرصة الاستمتاع بتقنية الصوت المكاني للاستمتاع بتجربة صوتية سينمائية غامرة. وتقول منصة نتفليكس على موقعها إن “تقنية الصوت المكاني تساهم في تحسين الصوت الاستريو دون الحاجة إلى مكبرات الصوت المحيطي أو معدّات نظام السينما المنزلية، وهي متوافقة مع جميع الأجهزة”.

حتى المنصات الرقمية يطرح بعضها، مثل نتفليكس، تقنية الصوت المكاني للاستمتاع بتجربة سينمائية غامرة

ولم تقتصر هذه التقنية الصوتية على عالم الفن السابع، بل انتشرت مؤخرا في القطاع الموسيقي حيث يقول عدد من الخبراء إنها سترسم مستقبلا مختلفا للإنتاج الموسيقي في العالم.

اليوم صار المرء يحظى بتجربة موسيقية غامرة عند حضور الحفلات الموسيقية المباشرة، وبالكاد يصعب استبدال هذا الانطباع السماعي، لكن تقنيات البث الغامر للموسيقى أو الصوت ثلاثي الأبعاد أو الصوت المكاني تعد بتوفير نفس متعة الحفلات الموسيقية الحية.

وكثيرا ما يتم تشبيه تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد بأنها الأخ الأكبر لتقنية الصوت المحيطي المجسم، وبينما تحمل أسماء أنظمة الصوت المحيطي المجسم عدد السماعات بها مثل 5.1 و7.1، فإن تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد لا ترتبط بعدد معين من السماعات.

ولكن الأمر يتعلق هنا بالأجسام الصوتية التي يتم وضعها أو تحريكها في الغرفة، ودائما تتم مواءمتها مع السماعات المتوافرة. وفي حين أنه تم تطوير تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد في الأصل لصناعة الأفلام، صارت تستخدم بكثرة مع الموسيقى.

صيغتان لبث الموسيقى

مارتن ريجر: هذه التقنية توفر المزيد من العمق والإدراك للآلات
مارتن ريجر: هذه التقنية توفر المزيد من العمق والإدراك للآلات

وأوضح مارتن ريجر (منتج موسيقى بالصوت ثلاثي الأبعاد في مدينة ميونخ الألمانية) قائلا “توفر هذه التقنية المزيد من الانطباع المجاني والمزيد من العمق، كما يمكن للمستمع إدراك الآلات الموسيقية بشكل أكثر تحديدا، وعادة ما ينتاب المستخدم شعور بأن الموسيقيين يجلسون حوله في الغرفة”. ويمكن أن تعمل هذه التقنية بواسطة سماعة ساوند بار أو سماعة لاسلكية واحدة في المنزل طالما أنها متوافقة مع تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد.

ويسري ذلك أيضا على سماعات الرأس، ولكن يجب مراعاة توافق جهاز التشغيل أيضا مع تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد، وقد لا تتمكن الهواتف الذكية والكمبيوترات اللوحية القديمة من التعامل مع صيغ الصوت ثلاثي الأبعاد.

تنتشر حاليا صيغتان لبث الموسيقى بتقنية الصوت ثلاثي الأبعاد، وهما سوني 360 Reality Audio  ودولبي Atmos Music، وقال مارتن ريجر “تعتمد الصيغة الأولى على برنامج ترميز تم تطويره بواسطة معهد فراونهوفر”.

وعلى الجانب الآخر تأتي تقنية دولبي من صناعة الأفلام والسينما المنزلية. وأضاف مارتن ريجر “استغرق الأمر بعض الوقت حتى انتقلت هذه التقنية إلى سوق الموسيقى”. وتتعاون شركتا سوني ودولبي حاليا مع العديد من العلامات التجارية لتقديم ألبومات جديدة، كما أنه يمكن بث الموسيقى القديمة بتقنية الصوت ثلاثي الأبعاد.

ولم يقتنع بعض عشاق الموسيقى بتقنية الصوت ثلاثي الأبعاد، وأوضح فولفجانج سول (صاحب أستوديو هاي فاي بمدينة أوبرهاوزن) أن “هذه التقنية مجرد محاولة أخرى لبيع شيء جديد للأشخاص المهووسين بالتكنولوجيا دون وجود منظور واضح”. وتعتبر تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد فكرة رائعة، ولكنها لا تفيد بالضرورة في الحصول على صوت مثالي.

ويدافع سول عن تقنية إنتاج الصوت بقناتين قائلا “تمتاز تقنية ستريو بإظهار العالم ثلاثي الأبعاد بطريقة طبيعية”.

وذكر مارتن ريجر أن “هناك الكثير من الأغنيات التي تصدح بتقنية ستريو أفضل بكثير من تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد، ولا تتناسب بعض أنواع الموسيقى مع تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد مثل الجاز والموسيقى الكلاسيكية، ولكن هناك الكثير من الاستثناءات في موسيقى البوب والموسيقى الإلكترونية، التي تؤكد القاعدة”.

تقنية هايرس

الصوت ثلاثي الأبعاد وكذلك الصورة تجربة مثيرة
الصوت ثلاثي الأبعاد وكذلك الصورة تجربة مثيرة 

هناك اتجاه آخر في عالم بث الموسيقى يتعلق بالجودة، وهو ما يعرف بالصوت فائق النقاء Hi-Res الذي يصف البيانات الموسيقية بأنها فائقة الدقة، والتي من المفترض أنها تتجاوز جودة أسطوانات ‘سي دي’، وعلى الجانب الآخر يشير ذلك إلى أن هذه البيانات مضغوطة دون فقدان.

وإذا رغب المستخدم في الاستفادة من خدمات بث الموسيقى بتقنية الصوت ثلاثي الأبعاد أو تقنية الصوت فائق النقاء فإنه يتعين عليه دفع كلفة اشتراك أعلى من الكلفة المعتادة للخدمة العادية، وقد تصل إلى 20 دولارا أميركيا شهريا، وفي مقابل ذلك يحصل المستخدم على تسجيلات تصل إلى جودة الأستوديو.

وأضاف ريجر أن جودة الصوت الخالية من الفقدان ليست مخصصة بالضرورة للمستخدم العادي، حيث تقترب جودة MP3 العالية من جودة الصوت الخالية من الفقدان؛ إذ لم يتمكن أغلب الأشخاص من إدراك الفروق بينهما في أحد الاختبارات العشوائية.

وبعد هذا التطور الحاصل على مستوى الصوت، وحتى الموسيقى والسينما، صار من غير الممكن الفصل بين الموسيقى والسينما، والتقنيات الموظفة في الموسيقى هي بالضرورة قابلة للتطبيق في السينما باعتبار أن الفيلم من بين عناصره الأساسية الموسيقى التصويرية والمؤثرات الموسيقية المصاحبة للمَشاهد.

وفي سلسلة التطور التكنولوجي المستمر لصناعة السينما تأكدت الموسيقى كواحد من الفنون الستة التي تشكّل الفن السينمائي، ليصبح مركبًا ضروريًا للمشهد. وهي خطوة أولى لتصبح الشاشة ناطقة صوتيًا وناطقة أيضا بالمعنى من خلال وظيفة الصورة وما احتوته، ومن خلال الرؤية الفنية للصورة السينمائية.

وتعزز هذه التقنيات الحديثة التأثيرات الموسيقية على المستعمل للموسيقى أو المشاهد للفيلم؛ حيث تصبح الموسيقى التصويرية قادرة أكثر على تحقيق وظائفها الأساسية، ومنها تدعيم وتقوية المحتوى العاطفي للصورة والتعبير عن العواطف التي لا يُستطاع نقلها من خلال الصورة المرئية، واستثارة خيال المتفرج وحسه الحرکي والاستجابات العاطفية لديه، وتحفيز أفكاره وعقله الباطن. وبالتالي تكون قادرة بفضل التقنيات الحديثة على تعزيز البنية الدرامية أو الروائية للفيلم.

Thumbnail
14