استعانة قوى نقابية بدعم أطراف أجنبية يثير جدلا في تونس

تشهد الساحة التونسية حالة من الفوضى في ظل التداخل بين العمل النقابي والفعل السياسي، وغياب الضوابط المحددة للتدخل الأجنبي وحدوده، كما هو الحال بالنسبة إلى مشاركة الأمينة العام للكونفيدرالية الأوروبية للنقابات في احتجاجات نظمها اتحاد الشغل.
تونس - أثارت مشاركة الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات في تحرك احتجاجي نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل في صفاقس وسط شرق البلاد، وقبلها في لقاءات عقدتها نقابة الصحافيين التونسيين مع عدد من السفراء الأجانب في مقرها بالعاصمة تونس، جدلا واسعا حول أحقية النقابات التونسية في الاستعانة بأطراف أجنبية في سياق المعارك التي تخوضها مع السلطة السياسية.
وانقسمت مواقف التونسيين حيال المسألة بين جزء كبير يرى أن مثل هذه المشاركات واللقاءات مع أطراف أجنبية غير مقبولة، حيث إنها تشرع الباب أمام المزيد من التدخلات الخارجية، ووجب على الدولة التحرك ووضع حد لها، إذ ذهب البعض حتى إلى تخوين النقابات، وبين جزء آخر يرى أن الأمر عادي ويتنزل في إطار مساندة الدفاع عن الحق النقابي والحريات.
وأصدر الرئيس التونسي السبت قرارا بطرد الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات إيستر لينش بعدما شاركت في تظاهرة نظمها اتحاد الشغل، وألقت خلالها كلمة انتقدت فيها السلطات، ما يؤشر على اشتداد التوتر بين الرئيس والنقابة العمالية.
وقالت رئاسة الجمهورية في بيان “بأمر من رئيس الجمهورية قيس سعيّد، دعت السلطات التونسية المختصة المدعوة إيستر لينش التي شاركت اليوم بمدينة صفاقس في مسيرة نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل، وأدلت بتصريحات فيها تدخل سافر في الشأن الداخلي التونسي، إلى مغادرة تونس، وذلك في أجل لا يتجاوز 24 ساعة من تاريخ إعلامها بأنها شخص غير مرغوب فيه“.
وحضرت الأمينة العامة في تظاهرة شارك فيها الآلاف من أنصار اتحاد الشغل تم تنظيمها في صفاقس، استجابة لدعوة أطلقها المكتب التنفيدي للمنظمة الشغيلة تنديدا ما يعتبره استهدافا له.
وقالت لينش في خطاب أمام المتظاهرين “نقول للحكومات، ارفعوا أيديكم عن نقاباتنا العمالية، حرروا قادتنا“. وأضافت “أتيت هنا لإيصال صوت تضامن 45 مليون نقابي ونقابية من أوروبا“.
وتابعت “من الخطأ الفادح أن تتم مهاجمة النقابات“.
واعتبرت الرئاسة التونسية في البيان أن “العلاقات الخارجية للاتحاد العام التونسي للشغل أمر يعنيه وحده، ولكن لا مجال للسماح لأي جهة كانت من الخارج بالاعتداء على سيادة الدولة وسيادة شعبها، فالسلطة والسيادة بيد الشعب“.
ويرى متابعون أن استقبال اتحاد الشغل لممثلي نقابات أجنبية، أمر طبيعي، لكن ماهو غير اعتيادي أن يشارك هؤلاء في تحركات احتجاجية، لاسيما وإن كانت هذه التحركات ذات بعد سياسي وتتخفى خلف يافطة نقابية.
ويشير المتابعون أيضا إلى استقبال نقابة الصحافيين في تونس لسفراء أجانب وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات، خصوصا في ظل المرحلة الحالية، حيث تتزايد الضغوط الأجنبية على تونس.
وكان وفد من المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين استقبل الجمعة سفراء دول فرنسا وألمانيا والسويد وتشيكيا وممثلا عن بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس.
وأعلنت النقابة في بيان لها أن اللقاء تمحور حول وضع حرية الصحافة في تونس وعمل وسائل الإعلام والتحديات التي تواجهها، حيث عرض نقيب الصحافيين محمد ياسين الجلاصي لمحة عن واقع المهنة اليوم في ظل الوضع السياسي والاقتصادي المتقلب.
وشدد البيان على ضرورة دعم شركاء تونس الأوروبيين لحرية الصحافة والتعبير والحقوق والحريات في إطار التعاون، واحترام استقلالية منظمات المجتمع المدني والسيادة الوطنية ودولة القانون في تونس.
وقد أثار استقبال نقابة الصحافيين للسفراء الأوروبيين لغطا واسعا، وسط تساؤلات حول طبيعة مثل هذه اللقاءات وهل تخدم فعلا واقع الصحافة في تونس، بقدر ما ستزيد من فوضى التدخلات في الساحة التونسية.
ووصف الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي الأحد حضور الأمينة العامة للكونفدرالية النقابية الأوروبية، بأنه رسالة دعم ومساندة وتضامن وليس كما رُوج له بأنه استقواء بالأجنبي.
وقال الطبوبي “نحن لا نستقوى بأحد، نحن نستقوى بمبادئنا وتاريخنا وبمناضلينا، ولكن التضامن النقابي الدولي هو دروس قدمها النقابيون في العالم ودفعوا فيها الغالي والنفيس، ودخلوا من أجله إلى السجون”.
كما اعتبر أن التضامن النقابي الدولي شرف لكل نقابي في العالم، حيث “كان الاتحاد دائما قبلة للنقابات الدولية”، موضحا أن الاتحاد “سيبقى صامدا مهما مارسوا من تشويهات وشيطنة وفبركة ملفات مثلما وقع في الستينات والسبعينات والثمانينات”.
وشدد الطبوبي على أن الاتحاد مستعد لمواجهة الهجمة “التي يريد البعض انتهاجها لتمرير مشاريع بيع مكاسب البلاد”، وفق تعبيره.
وأكد الأمين العام لاتحاد الشعل أن الاتحاد لن “يقف محايدا دون الدفاع عن الحريات النقابية والفردية والعامة”، مبينا أن “التاريخ أثبت دائما أن الاتحاد أكبر قوة خير وقوة حجة”، بحسب ما نقله موقع “الشعب نيوز” الناطق باسم الاتحاد.
مثل هذه المشاركات واللقاءات لأطراف نقابية مع قوى وشخصيات أجنبية، تشرع الباب أمام المزيد من التدخلات الخارجية
وقال إن المرحلة الحالية “تشهد هجمات ضد المنظمة وتشويهات ومحاولة إظهار الاتحاد كمنظمة متكلسة ترفض الإصلاح، وهو غير صحيح لأن المنظمة واعية بالتحديات وبالخيارات الوطنية”.
وتشهد العلاقة بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي توترا متصاعدا، يعزوه مراقبون إلى تراجع الدور السياسي للمنظمة الشغيلة، بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021.
ويقول المراقبون إن من الأسباب التي تدفع المنظمة النقابية أيضا إلى التحرك والانتفاض ضد سعيّد هو خشيتها من فقدان ثقلها الذي تستمده أساسا من سيطرتها على المؤسسات الحكومية، خاصة إذا ما مضت تونس في اتفاقها مع صندوق النقد الدولي والذي يقضي بإطلاق خطة إصلاحات لهذه المؤسسات التي تعاني من صعوبات مالية.
ويرى المراقبون أن الاتحاد يراهن على قدرته على تحريك الشارع تحت يافطات مطلبية، في سياق لعبة لي الذراع التي يمارسها اليوم مع السلطة، التي لا تبدو في وارد الرضوخ له.
وكانت السلطات التونسية قد فتحت باب الاستجوابات بحق عدد من النقابيين، كما أوقفت في وقت سابق أنيس الكعبي، الكاتب العام “للنقابة الخصوصية للطرقات السيارة”، إثر تنفيذ نقابته إضرابا على الطرق السريعة.
وجاء اعتقال النقابي إثر خطاب للرئيس سعيّد اعتبر فيه أن للإضراب “مآرب سياسية”.
وردا على خطاب سعيّد آنذاك، قال الأمين العام لاتحاد الشغل في تصريحات “بدأ الآن يقول للاتحاد حان دورك، ونحن نقول له ‘مرحبا‘” في موقف لا يخلو من تحد.