مركزية دولة أردوغان أكبر معرقل لجهود الإغاثة

أنقرة لم ترسل تعزيزات من الجيش للإنقاذ وفضلت تكليف الهيئة العامة لإدارة الكوارث بالمهمة لتعجز عن تطويق التداعيات.
الجمعة 2023/02/17
أردوغان أقر بوجود ثغرات في تنظيم عمليات الإغاثة

كهرمان مرعش (تركيا)- أظهر الزلزال الذي ضرب تركيا في السادس من فبراير الجاري أن مركزية الدولة التي دفع باتجاهها الرئيس رجب طيب أردوغان هي أكبر معرقل لعمليات الإغاثة بالرغم من التصريحات والحملات الإعلامية التي تسعى للتغطية على التقصير الكبير تجاه المتضررين.

واكتشف الأتراك بمرارة أن فرق الإغاثة والإنقاذ احتاجت إلى عدة أيام للوصول إلى مركز الكارثة، في وقت تُرِك فيه الكثير من الناجين لتدبر أمرهم وهم يحاولون انتشال أقارب لهم من تحت الأنقاض بأيديهم وسط موجة برد من دون مساعدات أو مؤن.

ولم يتم إرسال تعزيزات من الجيش التركي النافذ على الفور، إذ أن الحكومة سعيا منها للإبقاء على الوضع تحت السيطرة فضلت إيكال عمليات الإغاثة إلى الهيئة العامة لإدارة الكوارث (أفاد) التي عجزت عن تطويق تداعيات الزلزال أمام هول الدمار.

وأقر أردوغان بوجود “ثغرات” في تنظيم عمليات الإغاثة، عازيا ذلك إلى قوة الزلزال الهائلة (7.8 درجات في منطقة حضرية وخلال الليل).

كمال كيليتشدار أوغلو: لا يوجد أي تنسيق. لقد تأخروا في أكثر الساعات دقة وحرجا
كمال كيليتشدار أوغلو: لا يوجد أي تنسيق. لقد تأخروا في أكثر الساعات دقة وحرجا

وأكد أن ما من طرف آخر كان ليقوم بالمهمة أفضل من ذلك.

وانتشلت أكثر من 36 ألف جثة من تحت الأنقاض مع مرور 11 يوما على حدوث الزلزال، وهذه الحصيلة مرشحة للارتفاع.

ويوضح هتاف روجان، المستشار في إدارة الكوارث في الدنمارك الذي يتابع شؤون تركيا عن كثب، أن “المركزية تطال كل المؤسسات في تركيا بما يشمل تلك التي لا ينبغي أبدا أن تعمل بشكل مركزي مثل ‘أفاد'”.

ويرى الخبير أن المركزية المفرطة للسلطة عرقلت إيصال المساعدات إلى أكثر المناطق تضررا وأحيانا عرقلت وصول الفرق الأجنبية. وحاولت السلطات إزاحة كل الأطراف الأخرى من جهود الإنقاذ.

ويؤكد روجان أنه “من أجل إدارة فاعلة لعمليات الإغاثة يجب على العكس تفويض فرق محلية بوسائل محلية”.

وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي شهادات الكثير من المتطوعين الذين تهافتوا على مساعدة مواطنيهم واضطروا إلى الانتظار للحصول على تصاريح وتجهيزات تأخر وصولها.

واضطر مشغلو رافعات، اقترحوا تقديم المساعدة الضرورية جدا لعمليات الإنقاذ، إلى انتظار موافقة “أفاد” للتحرك.

وتحدث شهود عيان عن مشادات بين متطوعين في منظمة غير حكومية وممثلين للهيئة العامة لإدارة الكوارث في البستان بمحافظة كهرمان مرعش التي تعرضت لدمار هائل.

وقال أحد المتطوعين طالبا عدم الكشف عن اسمه “بدأنا العمل على إزاحة هذه الأنقاض بينما حاولت الهيئة ثنينا عن ذلك. عندما سمعنا صوت شخص لا يزال على قيد الحياة أبعدتنا فرق ‘أفاد’ وحلت مكاننا”.

وذكر مراد البالغ 48 عاما أنه شهد، عندما كان ينتظر الحصول على معلومات عن أقارب له تحت الأنقاض في كهرمان مرعش، على حالة مماثلة.

وقال لوكالة الصحافة الفرنسية “عندما حدد عمال مناجم من زونغولداك (على البحر الأسود) مكان شخص حي تحت الأنقاض تم دفعهم وحل مكانهم أشخاص أرادوا أن يكونوا أمام كاميرات التلفزيون”.

سليمان صويلو: وزارة الداخلية ستتخذ الإجراءات اللازمة في حق من يحاول منافسة الدولة
سليمان صويلو: وزارة الداخلية ستتخذ الإجراءات اللازمة في حق من يحاول منافسة الدولة

وأثارت جمعية “أحباب” التي أسسها المطرب التركي الشهير خلوق ليفنت وبلديات تديرها المعارضة وترغب في مد يد المساعدة، غضب الحكومة لأنها نظمت مساعدات بطريقة مستقلة.

وحذر وزير الداخلية التركي سليمان صويلو من أن وزارته “ستتخذ الإجراءات اللازمة في حق من يحاول منافسة الدولة”.

واتهم دولت بهجلي، زعيم حزب قومي متطرف وعضو في الائتلاف الحاكم، هذه الأطراف بالسعي إلى “إظهار الدولة على أنها عاجزة”.

وذكرت وسائل الإعلام التركية أن حملة إعلانية بعنوان “كارثة العصر” هدفت إلى إقناع الأتراك بأن الثغرات يبررها حجم الكارثة.

وقد سُحبت الحملة الإعلانية هذه التي أعدتها وكالة مقربة من السلطة بعد أن وُجِّهت إليها انتقادات واسعة.

وقال زعيم حزب المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو “لا يوجد أي تنسيق. لقد تأخروا في أكثر الساعات دقة وحرجا (…)، عجزهم كلف عشرات الآلاف من مواطنينا حياتهم”.

ورأى أردوغان أن هذه الانتقادات هي “افتراء ومعلومات مضللة للحط من قدر الجهود المبذولة بتفان”.

ويُتوقع أن يتواجه الرجلان في الانتخابات الرئاسية المقبلة في حال بقي موعدها في 14 مايو.

وفي عام 1999، بعد زلزال ضرب شمال غرب البلاد، ندد الصحافي التركي الشهير محمد علي بيراند بحالة الضعف التي بدت عليها إدارة عمليات الإنقاذ وكتب آنذاك “تركيا التي كانت تعتد بعظمتها ونفوذها بدت كأنها نمر من ورق”.

وأكدت السلطات بعد ذلك أنها استخلصت العبر من هذا الفشل وعززت تنظيم عمليات الإغاثة والإنقاذ.

وقال روجان “من المبكر البتّ في ما إذا كانت محاولة التحكم في الرواية الوطنية هذه ستنجح أم ستفشل”. لكنه أضاف “لا شك في أن ذلك يشكل اختبارا سياسيا لأردوغان قبل الانتخابات المقبلة”.

1