الأنبار على أعتاب تحولات كبرى مع ضخ دماء جديدة في الصحوة

إحياء الصحوة لمحاصرة نفوذ الحلبوسي أم للمزيد من تمكين القوى الموالية لإيران.
الخميس 2023/02/16
هل ينجح سطام أبوريشة في قلب المعادلة في الأنبار

يحمل تعيين قيادة جديدة في مجلس الصحوة في الأنبار دلالات سياسية عميقة تنذر بتحولات ستقبل عليها الساحة السنية، لاسيما في علاقة بمحاصرة نفوذ زعيم تحالف تقدم محمد الحلبوسي، الذي بات مثار تململ وقلق ليس فقط من الأوساط السنية المنافسة، بل وأيضا من القوى الموالية لإيران.

بغداد - تشهد الساحة السنية في العراق، لاسيما في محافظة الأنبار، سيولة سياسية لافتة هذه الأيام، تضع المحافظة الواقعة غرب العاصمة بغداد على أعتاب تحولات كبرى في علاقة بموازين القوى.

وبرز تطور مهم ينذر بتغير في المعادلة القائمة في كبرى المحافظات السنية في العراق، ويتمثل في توجه نحو إحياء مجالس الصحوة بإعادة تشكيل قيادة جديدة لها بزعامة الشيخ الشاب سطام أبوريشة، خلفا لعمه أحمد أبوريشة، المعروف عنه قربه من زعيم تحالف تقدم رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.

ولفت هذا التطور أنظار المتابعين وسط تساؤلات عما إذا كان الهدف من الخطوة محاصرة نفوذ الحلبوسي الذي تمدد في السنوات الأخيرة في كامل مفاصل المحافظات السنية، ولاسيما الأنبار، خصوصا مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات، أم إن الأمر يتجاوز ذلك إلى رغبة بعض القوى، لاسيما الموالية لإيران، في تعزيز حضورها في الساحة السنية، خصوصا في المناطق القريبة من الحدود السورية.

زعيم الصحوة الجديد يسعى لخط مسار ثالث متمايز عن كل من تحالف الأنبار الموحد وتحالف تقدم

ومجالس الصحوة هي تجمعات عشائرية تشكلت في العام 2006 لمواجهة تنظيم القاعدة في البلاد وإيقاف الفتنة الطائفية التي عصفت بالعراق آنذاك. وقد برزت أول المجالس في الأنبار، قبل أن تمتد إلى محافظات سنية أخرى مثل ديالى ونينوى وصلاح الدين.

وقد تراجع نفوذ مجالس الصحوة في السنوات الأخيرة. وتشكل إعادة ضخ دماء جديدة في قيادتها في الأنبار مقدمة لاستعادة مكانتها، لكن مع تعديلات حول دورها، بما يتجاوز البعد العسكري إلى السياسي.

ويعرف الزعيم الجديد، وهو ابن زعيم مجلس الصحوة الراحل عبدالستار أبوريشة، بقربه من الميليشيات الموالية لإيران، وسبق وأن تعرض الشيخ الشاب إلى محاولة اغتيال في مدينة الرمادي في يناير من العام 2021. وجاء الهجوم مع أنباء حينها عن توجه لتهيئة سطام لتولي زعامة الصحوات.

ويمتلك سطام أبوريشة كاريزما تجعل منه شخصية قادرة على كسب تأييد الأنباريين، الذين لم يعودوا يخفون تململهم حيال سيطرة الحلبوسي على الوضع داخل محافظتهم، ويبحثون عن بديل.

وظهر الشيخ الشاب في حوار تلفزيوني على قناة دجلة الفضائية، بعد أيام فقط على تنصيبه من قبل رجال عشائر يمثلون مختلف مناطق الأنبار، وبدا أكثر اتزانا وهدوءا، ويجيد التحدث والحوار بأسلوب عشائري، كعادة شيوخ الأنبار الكبار في اختيار كلماتهم بدقة.

وغلب على مضامين تصريحاته التحدي في مواجهة رئيس مجلس النواب، داعيا الأخير إلى إعادة النظر بالممارسات التي تستخدم ضد أهل الأنبار، وإلى وضع حد لسياسة الهيمنة التي يُتهم بها الحلبوسي على الدوام من قبل بعض شيوخ الأنبار ووجهائها وسياسييها.

إمكانية دعم قوى الإطار التنسيقي لعزل الحلبوسي واردة، خصوصا وأنها لم تنس له أنه سبق وتحالف مع غريمها التيار الصدري لسحب البساط منها

وحرص سطام أبوريشة على وضع مسافة بينه وتحالف الأنبار الموحد، المشكل هو الآخر حديثا، وإن كان سطام لم يخف وجود نقاط التقاء بينهما.

ويضم تحالف الأنبار الموحد شخصيات سياسية سنية، بينها وزراء ورؤساء برلمان سابقون، ويشكل هذا التحالف جبهة معارضة لتحالف تقدم.

ويرى مراقبون أن زعيم الصحوة الجديد يسعى لخط مسار ثالث، متمايز عن كل من تحالف الأنبار الموحد، وعن الحلبوسي الذي يتخذ منه العدو رقم واحد على الساحة الأنبارية.

وأشار الشيخ سطام إلى أنه يلتقي مع قيادات تحالف الأنبار الموحد في الكثير من توجهاته.

وقال إنه سيبقى على نهج والده الذي اتخذ من المواجهة مع القاعدة طريقا لتحرير الأنبار من سطوتها في سنتي 2004 و2005، وأراد اتخاذ الصحوة مشروعا سياسيا، لكن اغتياله عجل بتأجيل مشروعه.

وحمل حوار سطام أبوريشة مع قناة دجلة، رسائل كثيرة ومهمة، من بينها أن شيوخ الأنبار ووجهاءها، كلهم مجمعون على ضرورة إنهاء استباحة الأنبار على يد الحلبوسي.

ولفت إلى أن “الرئيس الراحل صدام حسين بعظمته وجبروته لم يدخل في مواجهة مع أهل الأنبار أو يتعدى على حرمات شيوخهم أو مكانتهم واحترم خياراتهم”، مشددا إذا “عد الحلبوسي نفسه أنه دكتاتور ومتجبر ويريد التعدي على كرامات أهل الأنبار فهذا خط أحمر، لن يقبل به شيوخ الأنبار ولا وجهاؤها ولا نوابها ولا أهلها”.

وأكد أن “أمد حكم الحلبوسي قصير، فقد يستمر لسنة أو سنتين، لكنه لن يكون بمقدوره أن يستمر بفرض هيمنته على أهل الأنبار أو يستحوذ على مقدراتهم إلى ما لا نهاية، حيث إن هناك سخطا شعبيا عارما في الأنبار، يمتد يوما بعد آخر، وهو ما لا بد أن يضع حدا لتلك الهيمنة، وتعود الأنبار كما كانت مثالا لوحدة عشائرها وتماسكها ووحدة قرارها، وقدرتها على أن تقود المحافظة إلى حيث يحلم أهل الأنبار بأن تكون”.

مراقبون يرون أن الشيخ الشاب يوجه تركيزه على محاصرة نفوذ الحلبوسي، بدا واثقا من قدرته على فعل ذلك

ولم يكتف الشيخ الشاب بمهاجمة الحلبوسي، بل دخل في مواجهة تحد معه، وهذه المواجهة قد يتسع نطاقها، وذكر أنه أبلغ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بكل ما يتعرض له أهل الأنبار ورموزهم، لافتا إلى أن السوداني أبلغه بأنه سيتابع الموضوع شخصيا، وهم بانتظار وعد الأخير بتغيير تلك السياسات، وبالأخص تغيير القيادات الأمنية في الأنبار التي يتهم الحلبوسي باتخاذها لترهيب خصومه ومنتقديه.

ويرى مراقبون أن الشيخ الشاب يوجه تركيزه على محاصرة نفوذ الحلبوسي، وأنه بدا واثقا من قدرته على تحدي زعيم تقدم، وهذا الأمر يطرح تسؤلات عما إذا كان حصل على تعهدات من القوى الموالية لإيران بدعمه في هذا الاتجاه.

وكان ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، قد أكد مؤخرا استعداد الإطار التنسيقي لدعم أي خطط لعزل الحلبوسي من منصبه في رئاسة البرلمان، شريطة توفر إجماع سني حول ذلك.

ويقول المراقبون إن إمكانية دعم قوى الإطار التنسيقي لعزل الحلبوسي واردة، خصوصا وأنها لم تنس له أنه سبق وتحالف مع غريمها التيار الصدري لسحب البساط منها، وهي تعتبر أن استمرار سيطرة الحلبوسي على الساحة السنية يعد خطرا كبيرا على مصالحها في الأمد المتوسط والقريب.

ويشير المراقبون إلى أن دعم القيادة الجديدة للصحوات لن يمكن القوى الموالية لإيران من معاقبة الحلبوسي على مناوراته السياسية معها، بل وأيضا يفتح لها المجال للمزيد من التمكين في البيئة السنية.

3