استدارة قطرية متأخرة نحو الاستثمار الأخضر

تعكس الاستدارة المتأخرة لقطر إلى المصادر النظيفة أنها تحاول اللحاق بركب من سبقوها في ضخ الاستثمارات لتنمية المشاريع الخضراء وخاصة بمنطقة الخليج العربي، لمعاضدة الجهود الدولية لإزالة الكربون، وأملا في الحصول على حصة من السوق العالمية مستقبلا.
الدوحة- تسعى الحكومة القطرية إلى تعزيز استثماراتها في الطاقة النظيفة لتحقيق مكاسب يمكن أن تجنيها من هذا المسار مع تنويع مزيج الطاقة في بلد يعد من أبرز المدمنين على إيرادات الغاز.
وكشفت الدوحة عن محاولات لتحريك تموضعها في هذه الصناعة للحاق بركب طفرة القطاع لدى جيرانها في منطقة الخليج بعدما تقاعست في ترسيخ مكانة المشاريع الخضراء لسنوات.
ورغم أن البلد يتجه إلى تعزيز مشاريع القطاع عبر العناوين البراقة التي يبثها المسؤولون بين الفينة والأخرى، إلا أن الخبراء ينتقدون تأخر الدوحة لسنوات في إرساء بنية تحتية تجعل من هذا المجال إحدى القواعد الأساسية في بناء اقتصاد أخضر أسوة بما يفعل جيرانها.
وتتجه الحكومة حاليا إلى التوسع في المشاريع النظيفة بأكثر من 2.3 مليار دولار حيث تطمح إلى مضاعفة قيمة إجمالي مشاريع إنتاج الكهرباء النظيفة إلى 1.1 مليار دولار، فضلا عن تصنيع الألواح الشمسية وإنتاج الأمونيا. وكانت السلطات قد أعلنت العام الماضي عن ضخ استثمارات بقيمة 630 مليون دولار لتطوير محطتي مسيعيد ورأس لفان.
وفي المجمل تبدو هذه الأرقام ضعيفة قياسا بالمليارات من الدولارات التي ضخها جيرانها، ولاسيما الإمارات والسعودية وسلطنة عمان في السنوات الأخيرة ضمن خطط تنويع مزيج الطاقة، وفي الوقت ذاته المضي قدما في تحقيق الحياد الكربوني.
لكن المسؤولين يرون أن هذا التوجه يعكس السياسات والخطط الحكومية لتنويع مصادر الطاقة، عبر التشجيع على الاستثمار في الطاقة المتجددة، بالنظر إلى المعطيات المناخية والإمكانات المادية والتقنية المتاحة في قطر.
وحتى تثبت أنها قادرة على المنافسة في هذا المضمار، تستعد قطر لدخول مرحلة إنتاج بعض مكونات الألواح الشمسية، حيث ستقوم شركة قطر لتقنيات الطاقة الشمسية بإنتاج البولي سيليكون، الذي يدخل في إنتاج الرقاقات التي منها تنتج الخلايا الشمسية.
ويقول محللون إنه مع ارتفاع الطلب العالمي على إنتاج الألواح الشمسية، ترغب قطر في أن تكون واحدة من الدول المصدرة للبولي سيليكون، لكن ذلك يتطلب قدرا من الاهتمام وتعزيز الاستثمار في سوق آخذة في النمو بشكل متسارع.
ورغم أن قطر ثاني أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، إلا أنها دخلت سوق المنافسة لإنتاج الطاقات المتجددة عام 2022 بالتزامن مع احتضانها كأس العالم في كرة القدم الذي يوصف بأنه “أحدث نسخة صديقة للبيئة في تاريخ المونديال”.
وحتى وإن تخلفت قطر قليلا في دخول سوق الطاقات المتجددة مقارنة بجارتيها الإمارات والسعودية، إلا أنها دشنت انطلاقاتها بافتتاح إحدى أكبر محطات إنتاج الطاقة الشمسية في منطقة الخليج.
وأطلقت في الربع الأخير من العام الماضي أكبر مشروع في العالم لإنتاج الأمونيا الزرقاء، ناهيك عن اعتزامها استثمار مئات الملايين من الدولارات في مصر وبريطانيا لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.
2.3
مليار دولار تهدف الحكومة لإنفاقها خلال الفترة المقبلة في مشاريع بالقطاع
ودشنت قطر أول محطة للطاقة الشمسية بالبلاد أواخر أكتوبر الماضي، حيث صنفت محطة “الخرسعة” للطاقة الشمسية ثالث أكبر مشروع كهروضوئي أحادي في العالم.
وقال سعد الكعبي وزير الطاقة حينها إنها “خطوة رئيسية على طريق الاعتماد المتزايد على الطاقة المتجددة عالية الكفاءة”.
وتبلغ قدرة إنتاجها 800 ميغاواط أو ما يعادل 10 في المئة من ذروة استهلاك البلاد من الطاقة الكهربائية، ما يعادل استهلاك 55 ألف منزل، وفق بيانات رسمية.
وبإمكان هذه المحطة تخفيض نحو 26 مليون طن من الانبعاثات الكربونية الضارة طوال فترة المشروع، بمعدل مليون طن سنويا.
وتضم المحطة العملاقة الواقعة على بعد 80 كيلومترا غرب العاصمة الدوحة 1.8 مليون من الألواح الشمسية موزعة على مساحة 10 كيلومتر مربع.
كما توظف تقنيات متطورة في توليد الطاقة الشمسية إذ تعتمد تقنية متابعة حركة الشمس من الشرق إلى الغرب، وتستخدم روبوتات في تنظيف الألواح ليلا باستعمال المياه المعالجة لتعزيز كفاءتها.
وكلف المشروع نحو 476 مليون دولار، بشراكة بين شركة قطر للطاقة للحلول المتجددة 60 في المئة، وشركة ماروبيني اليابانية نحو 20.4 في المئة وتوتال إنرجيز بنحو 19.6 في المئة.
ولا تنوي الدوحة التوقف عند هذا الحد إذ أعلنت أواخر أغسطس الماضي عن مساعيها لإنتاج أكثر من 5 آلاف ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول 2035، من خلال توسيع محطة الخرسعة وإنشاء محطتين ضخمتين للطاقة الشمسية.
وإذا كانت قطر تخلفت عن بعض دول الخليج العربي في إنتاج الطاقة الشمسية، فإنها تستعد لخوض معركة إنتاج الأمونيا الزرقاء بفضل إنتاجها الضخم من الغاز.
والأمونيا الزرقاء تنتج من تفاعل كيميائي للنيتروجين المتوفر بكثافة في الهواء مع الهيدروجين المتوفر في الماء عبر تحليل كهربائي باستخدام الغاز، وينتج عن ذلك الأمونيا الزرقاء.
لا تبدي قطر اهتماما كبيرا بإنتاج الهيدروجين بنوعيه الأزرق والأخضر على أراضيها، خاصة وأن الأمونيا الزرقاء لديها خصائص أفضل منه
وتستخدم هذه المادة كوقود نظيف يمكن استغلاله في تشغيل محطات توليد الكهرباء، ناهيك عن دوره المعروف كسماد.
وتُقدم الأمونيا الزرقاء كبديل للهيدروجين نظرا لأنها أسهل في التخزين والنقل، وينظر لها كمرحلة انتقالية نحو استخدام الأمونيا الخضراء الأكثر نظافة التي تستعمل الطاقات المتجددة بدل الغاز.
وقبل العام الماضي لم تكن قطر معروفة باهتمامها بإنتاج الطاقات النظيفة في ظل توفر الغاز لديها بكميات وفيرة، لكنها تسعى لتدارك الوضع بسرعة واللحاق بجيرانها الخليجيين والعرب، بل والتفوق في إنتاج الأمونيا الزرقاء التي مازالت سوقا ناشئة لكنها واعدة.
وأعلنت الحكومة في نهاية أغسطس الماضي اعتزامها بناء أكبر مصنع في العالم لإنتاج الأمونيا باستثمار قدره 1.2 مليار دولار، على أن يبدأ تشغيل المصنع في الربع الأول من عام 2026.
وسيعمل مصنع أمونيا – 7 على التقاط نحو 1.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا وعزله من عملية صنع الأمونيا.
ولا تبدي قطر اهتماما كبيرا بإنتاج الهيدروجين بنوعيه الأزرق والأخضر على أراضيها، خاصة وأن الأمونيا الزرقاء لديها خصائص أفضل منه، خاصة في عملية التخزين والتصدير.
ومع ذلك وقعت شركتا قطر للطاقة وشل في أكتوبر 2021 اتفاقية للاستثمار المشترك في مشاريع الهيدروجين الأزرق والأخضر في بريطانيا.
كما تحدثت وسائل إعلام في نوفمبر الماضي عن دراسة قطر لمشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.