نجاح زراعة القمح في الصحراء يدعم الأمن الغذائي للإمارات

الشارقة (الإمارات) - نجحت الإمارات مرة أخرى في إثبات جدوى خططها المتعلقة بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء حينما عززت رهانها على زراعة القمح في الصحراء، في تحد للطبيعة القاسية والظروف المناخية الصعبة وقلة مصادر المياه.
ومن خلال توفير وسائل دعم متخصصة ومتنوعة تتناسب مع عملية إنتاج هذا النوع من المحاصيل تبرز ثماني دوائر خضراء في صحراء الشارقة حيث يُزرع القمح لتحسين الأمن الغذائي في بلد قاحل يستورد نحو 90 في المئة من طعامه.
وأقامت حكومة الإمارة العام الماضي هذه المزرعة على مساحة 400 هكتار (نحو ألف فدان) بمنطقة مليحة مستخدمة تحلية مياه البحر في الري.
وأدت الاضطرابات الناجمة عن الحرب والوباء إلى زيادة القلق بشأن افتقار الإمارات إلى الأراضي الصالحة لإنتاج المحاصيل، لكن هذه التجربة تؤكد أن المسؤولين يحدوهم إصرار للتغلب على التحديات.
وقال خليفة الطنيجي رئيس دائرة الزراعة والثروة الحيوانية في الشارقة لتلفزيون رويترز إن الذي “عزز وأعطى دافعا لزراعة القمح مشكلة سلاسل الإمداد التي نتجت في السنوات الماضية بسبب الجائحة والحرب الروسية - الأوكرانية”.
وأوضح “عموما المجتمع ككل في الإمارات أصبح أكثر وعيا وأكثر اهتماما بتوفير الغذاء الآمن والنظيف وكان من ضمنه منتجات القمح، وصار اهتماما مبدئيا للمزارعين”.
وتظهر الأرقام الحكومية أن الإمارات استوردت 1.7 مليون طن من القمح خلال العام الماضي، وقد بلغت حصة إمارة الشارقة 330 ألف طن.
ومن المتوقع أن تبلغ مساهمة مزرعة مليحة حوالي 1600 طن سنويا بما يمثل خطوة نحو الطموحات الأكبر للبلد لزيادة الزراعة خلال السنوات المقبلة.
وقال المهندس مدحت الحناوي المشرف على المزرعة إن “المزرعة تعتبر المخ للمنطقة كلها، كل شغلنا يحصل في المنطقة هنا حيث يتم التحكم بالإنتاج من خلال الأقمار الاصطناعية”.
وأضاف “هذه السنة بدأنا الزراعة بشكل متأخر بعض الشيء ولكننا استطعنا الوصول إلى المرحلة الراهنة”.
ويؤكد المسؤولون أن تكاليف الطاقة لإنتاج 18 ألف متر مكعب من مياه البحر المُحلاة اللازمة يوميا للري ستقل نسبيا مع زيادة حجم المشروع.
وأضاف الطنيجي “يمكن أن تكون مشكلتنا الرئيسية في الدولة مشكلة المياه طبعا، وهذه المشكلة تم التغلب عليها”. وتابع “نحن نحصل على مياه تحلية البحر، حتى كلفة هذه المياه، وكلفة المنتج النهائي تكون تكلفة مقربة لسعر السوق”.
وتعتزم الإمارات، التي ستستضيف مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 28) في وقت لاحق هذا العام، إنتاج الغذاء، الذي يمكن من خلاله إعادة تدوير المياه وتقليل النفايات.
وتهدف الخطة المرصودة لمزرعة مليحة، الخالية من المبيدات والمواد الكيميائية والبذور المعدلة وراثيا، إلى توسيعها إلى 1400 هكتار (نحو 3460 فدانا) بحلول عام 2025 وفي نهاية المطاف إلى 1900 هكتار (4695 فدانا).
وتستخدم المزرعة الذكاء الاصطناعي والتصوير الحراري لجمع بيانات عن الطقس والتربة بهدف تنظيم معدلات الري ومراقبة النمو.
وقال إبراهيم رمضان مدير الزراعة “هذه منصة زراعية خاصة وتفيدني في المزرعة بتحديد كمية الري التي تمت وللأيام المقبلة”.
ويتضمن المشروع حقولا تجريبية لنحو 35 نوعا مختلفا من القمح من جميع أنحاء العالم موزعة على هكتارين لاستكشاف مدى توافقها مع التربة والطقس الإماراتي.
وقال الطنيجي إن “الأسعار ستكون في نفس أسعار القمح الموجودة حاليا في السوق، أقصد الأصناف الفاخرة والأصناف الجيدة الموجودة حسب الدراسات الأولية التي قمنا بها”.
ورجح أن يكون الإنتاج أكبر في السنوات القادمة وستكون التكاليف التشغيلية أقل، مما يتيح التحكم بشكل أفضل في الأسعار.
وأثناء زيارتها للمزرعة قالت ليزا روبرتس نائب رئيس جامعة إكستر البريطانية “أعتقد أن ما يحدث هنا في الشارقة، دليل على أنهم يفكرون حقا في أمنهم الغذائي وزراعة القمح كهذا من الصفر، وهذا أمر لا يصدق”.
وأكدت أن العديد من دول العالم بعد حرب أوكرانيا على وجه الخصوص، واجهت نقصا في الغذاء بطريقة أو بأخرى، لاسيما القمح، وارتفعت الأسعار، لذا فإن الشارقة لديها مثل هذه الرؤية للتفكير في أمنها الغذائي، وهي “مهمة حقا”.
وتسعى الحكومة الإماراتية إلى استخدام مصادر مائية مالحة لزراعة محاصيل غير تقليدية لرفع مستوى الأمن الغذائي وضمان الدخل لدى المزارعين الذين يواجهون تحديات إنتاج المحاصيل في البيئات الحارة والجافة.
وجسدت أفكارها خلال السنوات الأخيرة في تطوير نظم زراعية تتسم بقدرتها على التكيّف مع المناخ، وتنوعها الحيوي وذات تكاليف مقبولة وسهولة استخدامها.
من المتوقع أن تبلغ مساهمة مزرعة مليحة حوالي 1600 طن سنويا بما يمثل خطوة نحو الطموحات الأكبر للبلد لزيادة الزراعة خلال السنوات المقبلة
ففي أبريل 2020 تمكنت الإمارات من حصاد أول محصول للأرز الكوري في منطقة الذايد في الشارقة بعد التغلب على عقبة زراعته في تربة رملية قلوية.
وقالت دائرة تشجيع المناطق الريفية الكورية الجنوبية حينها إنه “تم زرع الأرز على مساحة تصل إلى أكثر من 2.2 كيلومتر مربع داخل مركز الإصلاح الزراعي التابع لوزارة المناخ والبيئة الإماراتية”.
وتواجه زراعة الأرز في المناطق الصحراوية عادة مجموعة من التحديات مثل الاختلاف في درجات الحرارة بين الليل والنهار وارتفاع مستوى الملح في المياه تحت سطح الأرض.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات أخرى تتمثل في انخفاض معدّلات الرطوبة ونقص المياه العذبة والعواصف الرملية ونقص الموارد الزراعية وغيرها من المشاكل.
وتلك التجربة لم تكن الأولى، فقد تمكن خبراء صينيون منتصف عام 2018 من زراعة وحصاد الأرز في صحراء دبي، بعد إنتاج سلالة تسمح للمحصول الحيوي بالنمو في الماء المالح.
وأنشأ خبراء حينها مزرعة تجريبية على مساحة 100 هكتار، لكي يجرى استخدامها بصفة منتظمة قبل التوسع في الإنتاج بعد انتهاء التجارب بعد ذلك، ما فتح الآفاق في أن يسهم هذا المشروع في رفع قدرة المناطق الصحراوية على إنتاج الحبوب.
وشرع الفريق الصيني بقياده يوان لونجبين، المعروف بـ”أبوالأرز الهجين”، في زراعة المحصول باستخدام الماء المالح المخفف في الصين ثم نقله إلى الشرق الأوسط، حيث يعد الماء العذب أثمن من أن يستخدم في محاصيل تزرع بالغمر.
وبلغ إنتاج المحصول في ذلك الوقت 7.5 طن للهكتار الواحد، وذلك مقارنة بالمعدل العالمي البالغ نحو 3 آلاف طن للهكتار، مما شجع على التوسع في المشروع.
ويهدف المشروع الصيني إلى أن تغطي مزارع الأرز حوالي عشرة في المئة من إجمالي مساحة الإمارات البالغة 83.6 ألف كيلومتر مربع.
وكان باحثون في المركز الدولي للزراعة الملحية في دبي (إكبا) قد تمكنوا في مايو 2018 من زراعة خضروات تتأقلم مع ملوحة التربة والمياه ضمن ظروف الإمارات باستخدام المياه الملحة الناتجة عن وحدات تحلية المياه المعالجة بمياه عادمة.
واعتبرت الخطوة حينها الأولى من نوعها التي تزرع فيها النباتات الملحية ضمن المناخ الحار في الحقول المفتوحة، وكذلك داخل البيوت الشبكية البسيطة دون استخدام المياه العذبة لإدخال هذه المحاصيل ضمن سلة الغذاء المحلية.