قوى معارضة تستغل صمت النيابة في تونس بشأن الإيقافات لكسب التعاطف

تثير حملة الإيقافات التي تشهدها تونس في الأيام الأخيرة جدلا واسعا بالنظر إلى حجم المشمولين بها وثقلهم. وفي غياب أي معطيات رسمية من السلطات الأمنية حولها، تتخذ أطراف متضررة من الإيقافات من هذا الغموض حجة للتشكيك في دوافعها في محاولة منها لكسب تعاطف شعبي ودولي.
تونس - تقول أوساط سياسية تونسية إن بعض القوى والأطراف تعمل على توظيف صمت النيابة العمومية بشأن الإيقافات التي جرت في تونس خلال الأيام الماضية، من أجل خلق حالة من الضغط على السلطة السياسية، والتشكيك في دوافع تلك الإيقافات.
وترى الأوساط أن النيابة العامة في تونس أو الجهات المعنية كوزارة الداخلية ووزارة العدل، عادة ما تتكتم عن الإدلاء بأي تصريحات بانتظار استكمال التحقيقات، لاسيما في قضايا من الوزن الثقيل كما هو الشأن اليوم، لكن هذا العامل يحاول البعض استغلاله بغرض كسب تعاطف الرأي العام المحلي ولاسيما الدولي، وهو ما نتج عنه الموقف الصادر الثلاثاء من مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فولكر تورك.
وتمارس حركة النهضة الإسلامية التي كانت أبرز المتضررين من الإيقافات الأخيرة التي طالت قيادات تابعة لها ومحسوبة عليها، حملة إعلامية كبيرة تشكك في أسباب الإيقافات، واصفة إياها بـ”عمليات اختطاف وتنكيل ممنهج” للمعارضين للرئيس قيس سعيد.
وذهبت جبهة الخلاص التي تتزعمها حركة النهضة الثلاثاء، حد التحذير مما أسمته “أخطار الفوضى والعنف”، داعية إلى “إطلاق سراح جميع الموقوفين حالا”.
وينخرط عدد من القيادات والشخصيات السياسية وحتى الإعلامية في هذه الحملة، وسط تجاهل من قبل السلطات التي يبدو أنها ستنتظر استكمال مسار التحقيقات الأولية قبل الإدلاء بأي معطيات حولها، وإن كانت تسريبات تتحدث عن أن بعضها مرتبط بالتآمر على أمن الدولة.
وأماط الرئيس التونسي الثلاثاء عن دوافع إيقاف البعض، مشير إلى أن عددا من الموقوفين من يقفون خلف أزمات توزيع السلع، بهدف تأليب الرأي العام.
وأوضح سعيد “أظهرت الايقافات الأخيرة أن عددا من هؤلاء المجرمين المتورطين في التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وهذا بالإثباتات، هم الذين يقفون وراء الأزمات المتصلة بتوزيع السلع وبالترفيع في الأسعار”.وأضاف أن “هناك عصابات منظمة تأتمر بأوامر هؤلاء الخونة والمرتزقة.. لابد من التصدي لهم بقوة القانون”.
وشدد “وليعلم هؤلاء المجرمون، الذين باعوا ضمائرهم، أن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مَن عمل ومازال يفكر في تأجيج الأوضاع الاجتماعية بالترفيع في الأسعار وبتخزين السلع”.
ومنذ فترة، تعاني تونس من شح في سلع بينها الحليب والقهوة والسكر، بموازاة ارتفاع كبيرا في الأسعار والتضخم.
وشنت قوات الأمن التونسية حملة إيقافات خلال اليومين الماaضيين شملت في البداية القيادي المستقيل من حركة النهضة الإسلامية عبدالحميد الجلاصي، والسياسي خيام التركي، ورجل الأعمال البارز كمال لطيف، المقرب من دوائر الحكم منذ حقبة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قبل تنحيه في انتفاضة شعبية عام 2011.
كما شملت الإيقافات الاثنين نائب رئيس حركة النهضة نورالدين البحيري، والسياسي لزهر العكرمي، والقاضيين المعزولين بشير العكرمي والطيب راشد، ومدير راديو “موزاييك أف.أم” نورالدين بوطار.
وسبق أن خضع القاضي العكرمي للتحقيق لصلته بتحقيقات قضائية تخص الإرهاب كان أشرف عليها، ومن بينها قضيتا اغتيال السياسيين البارزين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فيما يُلاحق القاضي راشد بتهم بفساد مالي.
ولم تتضح على الفور أسباب الإيقافات، ولكن تقارير تحدثت عن “شبهات بالتآمر على أمن الدولة”، و”تقويض نظام الحكم على غير الصيغ القانونية”، وهي جرائم يمكن أن تصل عقوبتها حد الإعدام.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان بأنه “جرت العادة ألا تقوم النيابة العمومية بالإعلان عن مبررات إيقاف شخص ما، ولكن اليوم هناك من يبحث عن الإثارة وهناك أطراف تسعى لتحويل الملفات إلى قضايا إعلامية لكسب التعاطف الشعبي”.
وقال الترجمان في تصريحات لـ”العرب”، “اليوم أطلت محامية البحيري وطالبت بعرض منوّبها على الطبيب ولكن ليس هذا أصل القضية، وهناك محاولات لافتعال أشياء هامشية ليست لها علاقة بالقضاء”.
وسبق وأن تم نقل البحيري إلى المستشفى خلال فرض إقامة جبرية عليه في ديسمبر 2021، في علاقة بملفات حينما كان يتولى الإشراف على وزارة العدل.
وأشار المحلل التونسي إلى أن “النيابة العمومية ليست مطالبة بالإعلام عن القضايا، في انتظار أن يتم الإعلام رسميا من وزارتي العدل والداخلية”.
وكان المحامي سمير ديلو، وهو قيادي في حركة النهضة وعضو هيئة الدفاع عن الموقوفين البحيري والجلاصي والتركي، صرح لراديو “جوهرة أف.أم” المحلي الثلاثاء أن كل ما يروج بخصوص سبب الإيقافات مجرد “تسريبات لا غير” وأنه لا بد من “تقديم توضيحات من مصادر قضائية مطلعة على الملفات دون الكشف عن سرية الأبحاث”.
وقالت دليلة مصدق محامية بوطار مدير راديو “موزاييك أف.أم”، إن فرقة أمنية داهمت منزله وقامت بتفتيشه دون إيجاد أي شيء يذكر ثم اقتادته إلى مركز القرجاني، ودون توجيه أي تهمة تذكر.
وصرحت المحامية لاحقا بأن التحقيق مع بوطار يحوم حول إدارة محطة موزاييك وخطها التحريري.
رئيس الدولة يؤكد أنه من غير المعقول أن يبقى خارج دائرة المحاسبة من له ملف ينطق بإدانته قبل نطق المحاكم، فالأدلة ثابتة وليست مجرّد قرائن
ورأى المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “هناك ثلاث قضايا وليست لها علاقة ببعضها البعض، وهي التآمر على أمن الدولة (رجل الأعمال لطيف والعكرمي والجلاصي والتركي)، وقضية راشد والعكرمي وكذلك قضية مدير إذاعة موزاييك بوطار”.
وأضاف الرابحي في تصريحات لـ”العرب”، “النيابة العمومية لا تستطيع توضيح الأمر إلا بحضور المحامين، وبالنسبة إلى قضية بوطار ننتظر بلاغا رسميا، ولكن لا أعتقد أن وكيل الجمهورية وجه التهمة من أجل الخط التحريري والقضية أكبر من ذلك”.
وتابع “العكرمي وراشد أحيلا على قطب الإرهاب ويبدو أن هناك تستّرا على ملف قضائي”، موضحا “القضايا منفصلة وجاءت متزامنة، وربما ستخرج النيابة العمومية وتشرح الأمر”.
ويقول الرئيس قيس سعيد، الذي أعلن التدابير الاستثنائية في الخامس والعشرين من يوليو 2021 بينها حل البرلمان ووضع خارطة طريق سياسية أفضت إلى مؤسسات دستورية بديلة، إنه يعمل على مكافحة الفساد وتعقب المتورطين في ذلك.
وغالبا ما يلمح الرئيس سعيد في خطاباته إلى وجود “مؤامرات تحاك ضد الدولة”، وقد سبق حملة الإيقافات لقاء بينه وبين وزيرة العدل ليلى جفال تم خلاله بعث جملة من الملفات في مقدمتها ملف المحاسبة.
وشدد الرئيس التونسي خلال ذلك اللقاء على أنه “من غير المعقول أن يبقى خارج دائرة المحاسبة من له ملف ينطق بإدانته قبل نطق المحاكم، فالأدلة ثابتة وليست مجرّد قرائن”.
• اقرأ أيضا:
خطاب الكراهية عنوان منشورات مواقع التواصل والتغطية الإعلامية في تونس
قيس سعيّد في رسالة مضمونة الوصول: ما بعد الانتخابات ليس كما قبلها