البنك الدولي يقدم وصفة للمغرب للتخفيف من أعباء التضخم

يركز البنك الدولي على مسألة تباطؤ المغرب في معالجة التضخم رغم التحديات القائمة لأن من شأن ذلك إفساد الجهود الرامية إلى إصلاح الاقتصاد وبالتالي قد يؤدي إلى زيادة أعداد الفقراء الذين باتوا في أمسّ الحاجة إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى.
الرباط – أكد البنك الدولي أن الإستراتيجية التي تتبعها الحكومة المغربية للتخفيف من أعباء التضخم الجامح تواجه بعض الإشكاليات، رغم أنها ساعدت في الحد من زيادة معدلات الفقر في البلاد.
وقال جيسكو هنتشل المدير الإقليمي لمنطقة المغرب العربي ومالطا بالبنك إن “خطة الحد من تأثير التضخم على القوة الشرائية للأسر تقوم أساسا على الحفاظ على استقرار الأسعار”.
وأشار في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق الخميس على وجه الخصوص إلى أسعار الغاز والكهرباء والقمح والسكر، والتي تشكل ما يقرب من 22 في المئة من سلة استهلاك الأسر المغربية.
ولئن كان تحرك البنك المركزي برفع أسعار الفائدة لكبح التضخم سمة بارزة خلال الأشهر الأخيرة، لكنه يبدو إجراء منقوصا إن لم تتبعه تدابير أقوى تسهم في معالجة هذا الوضع بشكل تدريجي.
ولجأت الحكومة المغربية خلال العام الماضي إلى زيادة نفقات صندوق المقاصة الذي يدعم أسعار السكر والدقيق وغاز الطهي إلى 42 مليار درهم (4.1 مليار دولار) بزيادة قدرها 92.8 في المئة على أساس سنوي، إضافة إلى دعم فواتير الماء والكهرباء.
ورغم الكلفة المالية الباهظة، ساعد الدعم الحكومي في تخفيف نسبة تأثير ارتفاع الأسعار على معدل انتشار الفقر، لكن هنتشِل أشار إلى أن ثمة قصورا يتمثل أساسا في استفادة ذوي الدخل المرتفع من المنتجات المدعمة أكثر من الأسر الفقيرة.
وأشارت دراسة أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط في أكتوبر الماضي إلى أن عدد الفقراء في المغرب تزايد بأكثر من 3 ملايين شخص خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب تداعيات جائحة كورونا وتصاعد نسب التضخم.
وبحسب المندوبية، وهي هيئة حكومية رسمية، فقد تضاعف معدل الفقر في ذروة الوباء سبع مرات بحيث ازداد من 1.7 في المئة قبل هذه الأزمة إلى 11.7 في المئة خلال الحجر الصحي.
وتتجه الحكومة للتخلي عن دعم أسعار المواد عبر صندوق المقاصة عام 2024، وتسعى لتوجيه دعم نقدي مباشر للأسر المستحقة. ويقول البنك المركزي المغربي إن هذه الخطوة قد تعيد التضخم إلى مسار الارتفاع بعد الانخفاض المتوقع العام الجاري.
ومن المتوقع أن يُحقق الاقتصاد المغربي نموا يتراوح بين 3 و3.5 في المئة خلال هذا العام. وقال هنتشل إن ذلك يأتي “في سياق حافل بالتحديات والصعوبات على الصعيد الدولي، خصوصا سيناريو التباطؤ الحاد أو الركود في الاقتصادات الأوروبية”.
ويتأثر أداء الاقتصاد المغربي بالوضع في دول الاتحاد الأوروبي نظرا إلى استحواذ التكتل على 60 في المئة من صادرات البلاد من السلع والخدمات، إضافة إلى توقعات بتحقيق إنتاج زراعي متوسط بسبب عدم انتظام هطول الأمطار.
وتتوقع الحكومة ضمن موازنة 2023 بلوغ نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو أربعة في المئة، مراهنةً على أداء متوسط للقطاع الزراعي الذي يسهم بنحو 14 في المئة في الاقتصاد. في حين يتوقع صندوق النقد الدولي عدم تجاوز النمو ثلاثة في المئة هذا العام.
22
في المئة من سلة استهلاك الأسر المغربية مخصصة إلى إلى أسعار الغاز والكهرباء والقمح والسكر
وقال هنتشِل إن “نمو إجمالي الناتج المحلي غير الزراعي سيتراجع بشكل طفيف هذا العام في ظل تباطؤ الاقتصاد الأوروبي، وارتفاع أسعار الفائدة، بالإضافة إلى تأثير التضخم على الاستهلاك والاستثمار الخاص”.
وكان معدل التضخم قد وصل إلى 6.6 في المئة خلال العام الماضي بأكمله، وهو أعلى مستوى مسجل في البلاد منذ ثلاثة عقود بسبب ارتفاع كلفة الغذاء والوقود، وهو ما دفع المركزي إلى رفع الفائدة الرئيسية في سبتمبر وديسمبر إلى 2.5 في المئة.
ويتوقع البنك الدولي أن يواجه المغرب التباطؤ الاقتصادي بسياسة نقدية أقل تساهلا مما كانت عليه في الماضي.
وأوضح هنتشِل أن ذلك أمر ضروري لتثبيت التوقعات التضخمية مع توقعات انخفاض الأسعار العالمية للمواد الخام والغذاء، وبالتالي مساعدة الجهود التي تبذلها الحكومة لمكافحة التضخم.
وتراهن الرباط على رفع حصة استثمار القطاع الخاص من الثلث حاليا إلى الثلثين بحلول عام 2035، وهو هدف طموح وقابل للتحقيق وضروري.
ويرى هنتشِل أن أهمية وجود قطاع خاص قوي يحرك النمو تظهر في وقت الأزمات حين يشكل وضع الاقتصاد الكلي والمالية العامة ضغوطا كبيرة على الحكومة.
وخصصت الحكومة في موازنة هذا العام حصة غير مسبوقة للاستثمار في القطاع العام بنحو 300 مليار درهم (29.4 مليار دولار).
وحتى يتحسن مناخ الأعمال بشكل أكبر اعتمد البرلمان مؤخرا قانون ميثاق جديد للاستثمار يتيح حوافز مالية وضريبية للاستثمارات المنجزة من طرف القطاع الخاص.
التخلي عن الدعم عبر صندوق المقاصة عام 2024 قد يعيد التضخم إلى مسار الارتفاع وفق البنك المركزي
وفي نظر هنتشِل، سيؤدي الميثاق بشكل خاص إلى فتح بعض الأنشطة الاقتصادية أمام القطاع الخاص وزيادة المنافسة في الأنشطة التجارية.
وعلاوة على ذلك، سيلعب صندوق محمد السادس للاستثمار دوراً مهماً وسيشجع الاستثمار الخاص في القطاعات الإنتاجية والبنى التحتية.
وسبق أن أكد وزير الاستثمار محسن جزولي أن بلاده تستهدف جمع 14 مليار دولار عبر صندوق محمد السادس، حيث يعقد الرهان على دول الخليج العربي وأوروبا لجذب الأموال.
وتلقى المغرب من البنك الدولي تمويلات بنحو 4.7 مليار دولار في الفترة بين يوليو 2019 إلى نهاية يونيو من العام الماضي، ويرتبط الطرفان بشراكة إستراتيجية تمتد من 2019 إلى 2024 تشمل تمويل المشاريع وتقديم المساعدة الفنية.
ومنذ بدء تفشي الوباء، عملت المؤسسة المالية مع الرباط لتقديم أفضل استجابة ممكنة للأولويات الاجتماعية والاقتصادية التي أفرزتها الجائحة والتخفيف من تأثير هذه الأزمة، لاسيما على الشرائح السكانية الأكثر احتياجاً.
ووفق إفادات هنتشِل، شملت تمويلات البنك مجالات كثيرة مثل تنمية الطفولة المبكرة، ونظام التأمين الصحي ونظام الإعانات الأسرية.
كما أنه يمول جزءا من إستراتيجية الجيل الأخضر للتنمية الزراعية، وبرنامج الاقتصاد الأزرق للتنمية المستدامة للمناطق الساحلية، والإدماج المالي للأسر والشركات الصغيرة، وتحديث الإدارة العامة وتحويلها إلى نمط العمل الرقمي.