اتحاد الشغل حبيس خطابه التصعيدي

تتمسك القيادة الحالية للاتحاد العام التونسي للشغل بخطابها التصعيدي ضد السلطة السياسية، لكن دون أفق لهذا المسار، في غياب حماسة القوى السياسية، وإظهار الرئيس قيس سعيّد أنه لن يقبل بمنطق المساومة.
تونس - تقول أوساط سياسية إن الخطاب التصعيدي والمتشنج للاتحاد العام التونسي للشغل، يعكس عمق الأزمة التي تعانيها المنظمة النقابية. وتشير الأوساط إلى أن القيادة الحالية لاتحاد الشغل في موقف صعب، فهي من جهة لا تستطيع التراجع خطوة إلى الوراء عن النهج الذي سلكته في غياب تجاوب من السلطة السياسية معها، ومن جهة ثانية تبدو عاجزة عن تنفيذ تهديداتها على الأرض لعدم وجود إجماع من الأحزاب السياسية حولها.
ولفتت الأوساط إلى أن قيادة الاتحاد لا تملك سوى الحفاظ على خطابها التصعيدي، وهي لن تخاطر بالسير فيه عمليا لأن ذلك قد يقود إلى نهايتها سياسيا وشعبيا. وحذرت هذه الأوساط من أن المسار الذي تسلكه القيادة الحالية بدأ ينعكس سلبا على صورة المنظمة الشغيلة، حتى بالنسبة إلى منظوريها.
وصعّد الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي مجددا من خطابه المناهض للرئيس قيس سعيّد، متهما الأخير بدفع البلاد إلى الاقتتال، في تصريحات وصفت بالخطيرة، وهدفها تأجيج الأوضاع. وقال الطبوبي الجمعة إن "الرئيس قيس سعيّد اختار الطريق الخطأ عبر خطاب ترهيب الشعب وتخويفه، ودعوته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى الاقتتال".
جاء ذلك في كلمة له خلال اجتماع الهيئة الإدارية الطارئة التي عقدها اتحاد الشغل، والتي كان هدفها بحث المستجدات في علاقة بتحذيرات الرئيس سعيّد الأخيرة من استغلال الغطاء النقابي لغايات سياسية، والتي أعقبها إيقاف مسؤول نقابي كان حرض على قطع الطرق في البلاد.
◙ الاتحاد لا يملك سوى الحفاظ على خطابه التصعيدي، ولن يخاطر بالسير فيه عمليا خشية انكشاف حجمه الحقيقي
وكان سعيّد ألقى كلمة بثكنة العوينة بحضور قياديين من الأمن قال خلالها إنه يخوض معركة تحرير وطني للحفاظ على الدولة، كما انتقد الإضرابات النقابية التي تتخفى وراءها "مآرب سياسية". ويستغل اتحاد الشغل قدرته على شل الحركة الاقتصادية في البلاد من خلال التحركات الاحتجاجية والإضرابات في لعبة المساومة مع الدولة، لاستعادة نفوذه السياسي الذي تآكل بعد مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021.
ويضغط الاتحاد على وتر الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس، لدفع الرئيس سعيّد إلى التنازل، والإقرار بـالشعار الذي لطالما تغنت به المنظمة الشغيلة “الاتحاد أكبر قوة في البلاد”. ويرى مراقبون أن إشارات سعيّد الواضحة من ثكنة العوينة إلى أنه لن يقبل منطق المساومة، ودعوته إلى التصدي لـ"أعداء البلاد" و"المتآمرين"، والتي تلاها إيقاف المسؤول النقابي، كل ذلك خلق حالة من الارتباك لدى قيادة الاتحاد، وهي التي كانت تتحضر لسيناريوهات التصعيد في القطاعات التي تسيطر عليها.
ويشير المراقبون إلى أن اتحاد الشغل يتهم السلطة السياسية بالانشغال عن الأزمة الاقتصادية، في الوقت الذي تعمل فيه المنظمة على تعميق هذه الأزمة لتوظيفها في معركتها السياسية مع السلطة. وقال الطبوبي إن “سعيد اختار الطريق الخاطئ بخطاب ترهيب للشعب وتخويفه، في وقت تمر فيه البلاد بأوضاع صعبة على جميع المستويات، سواء في الترقيم السيادي (تصنيفات اقتصادية) والوضع المناخي أو غلاء الأسعار والتوترات الاجتماعية والاحتقان”.
وأضاف “كان من المفترض بسعيّد بعد فشل المسار الذي دعا إليه وبعد مقاطعة الانتخابات بصورة حضارية من الشعب، أن يخاطبه من أجل الوحدة والعمل وإيجاد حلول للقضايا الشائكة“. وتابع “رئيس الجمهورية يخاطب شعبه بالتهديد والوعيد من ثكنات الجيش أو من مقر وزارة الداخلية، ويريد أن يقول بأن القوات العسكرية والأمنية معه ومساندة لخياراته، في حين أن دورها حماية الوطن من الاختراقات وأي تدخل أجنبي”.
واعتبر أن الرئيس التونسي “يدعو بطريقة غير مباشرة الشعب إلى الاقتتال والتحارب، وهو أمر خطير”، ورأى الطبوبي أن “سعيّد يريد بذلك صرف الأنظار عن النتائج الهزيلة والمشاركة الضعيفة في الانتخابات التشريعية والفشل الذريع في كل الخيارات الاقتصادية”. ويقول متابعون إن تصريحات الطبوبي هدفها زيادة تأجيج الأوضاع، لكن من غير المرجح أن تلقى تجاوبا حتى من قبل الطيف السياسي المعارض الذي يدرك أن تصعيد الاتحاد يندرج في سياق صراع تموقع.
وأبدى جزء كبير من القوى السياسية عدم رغبة في الانسياق خلف تصعيد الاتحاد، بما في ذلك حركة النهضة الإسلامية التي خيرت الاحتفاظ بمسافة في انتظار مآلات الصراع الجاري بين الطرفين.
◙ تصريحات الطبوبي هدفها زيادة تأجيج الأوضاع لكن من غير المرجح أن تلقى تجاوبا حتى من الطيف السياسي
كما يعاني الاتحاد من تآكل القاعدة الشعبية بشكل لافت في السنوات الأخيرة، حيث إن جزءا كبيرا من الشارع التونسي يحمّل المنظمة العمالية جانبا كبيرا من المسؤولية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في تونس، من خلال التحالف الضمني الذي كان بينها والمنظومة التي حكمت خلال السنوات العشر التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
ويرى المتابعون أن إزاء هذا الوضع، يحرص الاتحاد على إبقاء التصعيد مع السلطة ضمن دائرة الخطاب، إذ بات يخشى فعليا من أن أي تحرك كبير على الأرض قد يكشف حجمه الحقيقي. والثلاثاء، أجرى سعيّد زيارة إلى ثكنة الحرس الوطني في منطقة العوينة بالعاصمة تونس، دعا فيها قيادات الحرس الوطني إلى “التصدي لمن تآمر على الدولة”، مشددا على أنه “لا يمكن أن يُترك أعداء الدولة وأعداء الوطن خارج المساءلة“.
وتوجه إلى قيادات الحرس الوطني قائلا إن “الشعب يريد المحاسبة ومطلبه الأساسي المحاسبة، ودوركم تاريخي في الاستجابة لمطالب الشعب“. والأحد، أجرت تونس الدور الثاني للانتخابات التشريعية المبكرة، بنسبة مشاركة قدرتها هيئة الانتخابات بـ11.4 في المئة، وهي آخر محطة في المرحلة الانتقالية التي خطها سعيّد، وشملت أيضا حل البرلمان السابق وإقرار دستور جديد في الخامس والعشرين من يوليو 2022، أقر نظاما رئاسيا بدل النظام الهجين السابق.