إسرائيل تتمركز في تشاد: اختراق أم عصر بمعطيات جديدة

القاهرة – تحولت تشاد بشكل مفاجئ إلى قبلة لحراك إقليمي ودولي بسبب موقعها على حدود دول شمال أفريقيا ودول الساحل، وبعد السعودية التي توصلت إلى اتفاق دفاعي مع نجامينا، يظهر الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي الخميس في إسرائيل لافتتاح سفارة بلاده، ما يثير التساؤل عما إذا كان هذا اختراقا إسرائيليا أم هو عنوان لعصر بمعطيات جديدة؟
يأتي هذا في الوقت الذي تراقب فيه مصر الاختراقين السعودي والإسرائيلي في مجالها الحيوي دون أي مواقف معلنة.
وترك الانسحاب الفرنسي فراغا كبيرا في غرب ووسط أفريقيا، ما دفع الكثير من الدول -بدءا بروسيا والولايات المتحدة وصولا إلى إسرائيل والسعودية- إلى ملء هذا الفراغ والبحث عن نفوذ في منطقة إستراتيجية. لكن الوجود الإسرائيلي يلفت الانتباه، خاصة أنه كان مسبوقا بدور مخابراتي مؤثر للموساد، وهو ما أشار إليه ديبي حين امتدح دور هذا الجهاز الاستخباري في التمهيد للتطبيع بين البلدين.
وقال ديبي لدى لقائه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ “أود أن أثني على الموساد وجهاز المخابرات التشادية لمساهمتهما الحاسمة، كمهندسين بنوا بأيديهم العلاقات بيننا”.
المتغيرات العالمية والإقليمية جعلت التعاطي مع إسرائيل فقرة من فقرات السياسة الخارجية والإقليمية للدول
ويرجح أن يكون الموساد قد لعب دورا مؤثرا في فرض الاستقرار في تشاد لفائدة الحاكم الجديد الذي قوبل تسلمه للحكم برفض من قيادات عسكرية، ثم لاحقا بدا أن علاقته بفرنسا الحليف التقليدي قد ساءت.
ويقول مراقبون إن ظهور ديبي في إسرائيل وتدشين السفارة، ثم الإشادة بدور الموساد الذي يجري التكتم الشديد على أدواره عادة، كل هذا يظهر أن المتغيرات العالمية والإقليمية جعلت التعاطي مع إسرائيل فقرة من فقرات السياسة الخارجية والإقليمية للدول وليست أسرارا كما كانت من قبل.
ولا يقتصر الحضور الإسرائيلي العلني على الدول الأفريقية، حيث باتت تل أبيب تقيم علاقات علنية مع دول عربية من الشرق والغرب. ويؤدي المسؤولون الإسرائيليون زيارات إلى هذه الدول وتتم تغطية أخبار لقاءاتهم ونشر صورها بشكل اعتيادي كأي زيارة يقوم بها مسؤول من دولة تقليدية.
وحرصت إسرائيل على تأكيد أن انفتاحها على تشاد ليس علاقة تقليدية، وإنما هو جزء من تأمين أمنها القومي، ولذلك أشار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت خلال لقائه ديبي “إلى أهمية تقليص نفوذ إيران وحزب الله في منطقة الساحل باعتبارها مفتاحا لضمان الاستقرار والحيلولة دون تصدير الإرهاب”.
ويأتي هذا التحذير الإسرائيلي في ظل تقارير تفيد باستفادة إيران وحزب الله من المناخ الرخو في منطقة الساحل لتهريب أسلحة لفائدة جبهة بوليساريو. وهو ما سبق أن حذر منه المغرب، وقال إن إيران وحزب الله يقومان بتدريب وتسليح جبهة بوليساريو من بوابة منطقة الساحل بدعم جزائري.
وبالتوازي مع التطبيع مع تشاد، حل وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين الخميس بالخرطوم لبحث تطبيع العلاقات بين البلدين.

وقالت مصادر إن الزيارة جاءت في إطار تبادل الزيارات بين السودان وإسرائيل وشهدت مباحثات حول التوصل إلى اتفاق للتطبيع وتوقيعه وكذلك مباحثات تتعلق بقضايا عسكرية وأمنية.
ويشير المراقبون إلى أن الطريق الإسرائيلي نحو أفريقيا بات مهيأ، خاصة إثر تراجع التأثير العربي في القارة، وانكفاء أغلب الدول العربية على نفسها لمعالجة قضاياها الداخلية، مثلما هو الأمر مع مصر.
وإذا كان الوجود الإسرائيلي في أفريقيا سابقا لا يثير اهتمام القاهرة، فإن السؤالين اللذين يُطرحان حاليا هما: كيف ستتصرف القيادة المصرية؟ وهل يمكنها أن تواصل الصمت عن اختراقين سعودي وإسرائيلي في فترة متقاربة؟
وقال رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق في الجيش المصري اللواء نصر سالم إن القاهرة تدرك جيداً التحديات الإقليمية المحيطة بها، وعلى رأسها تمدد علاقة إسرائيل في عدد من دول القارة الأفريقية، ومن بينها تشاد، وإن سلبيات هذا التمدد موضوعة أمام صانع القرار، وهناك علم بما يدور من تطورات في العلاقات، واستعدادات للتعامل معها.
الإنسحاب الفرنسي ترك فراغا كبيرا في غرب ووسط أفريقيا، ما دفع الكثير من الدول إلى البحث عن نفوذ في منطقة إستراتيجية
وأضاف لـ”العرب” أن “القاهرة تضع نصب عينيها ألا تكون الروابط المتنامية خصمًا من تقاربها مع الدول الأفريقية، والأمر ذاته تطبقه مصر على العلاقات المتقاربة بين تل أبيب ودول الخليج، وهم (الإسرائيليون والخليجيون) حلفاء أساسيون للدولة المصرية”.
وأوضح أن تصريحات الرئيس التشادي بشأن دور جهاز الموساد الإسرائيلي في تطبيع العلاقات بين البلدين منطقية، لأن الأجهزة الأمنية دائما تكون غير مرئية في بداية الأمر قبل أن تصبح علنية إذا تكللت جهودها بالنجاح.
وأوضحت أستاذة العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة هبة البشبيشي أن زيارة رئيس تشاد إلى إسرائيل وافتتاح سفارة بلاده في تل أبيب انعكاس لتراجع المد العربي عموما في تشاد، ويبرهنان على أن إسرائيل تمكنت من استقطاب العديد من الدول الأفريقية بشكل تدريجي، ونجحت في إلحاق هزيمة جديدة بالدول العربية في مجال نطاقها الإستراتيجي.
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن “وجود حالة من الفراغ الإستراتيجي نتيجة تراجع أدوار الدول العربية الفاعلة في القارة، على رأسها مصر، سمح بظهور إسرائيل كقوة صاعدة في المنطقة. وتراجع الإمدادات المالية واللوجستية التي كانت تقدمها الدول العربية منح إسرائيل فرصة القيام بهذه الأدوار عوضا عن هذه الدول”.
وأسهمت إسرائيل في حماية وتأمين عدد من القادة الأفارقة في مناصبهم، من بينهم الرئيس التشادي الحالي، ولذلك أثنى في تصريحات علنية على جهاز الموساد.
وأوضحت البشبيشي لـ”العرب” أن “تحركات إسرائيل في أفريقيا قد تسمح لها بترسيخ قدميها في الاتحاد الأفريقي، وأن تشارك على الأقل كعضو مراقب، ما يوفر لها تدخلا كبيرا في القضايا المصيرية للقارة”.