انتخابات الصحافيين في مصر.. الحكومة تختار النقيب

تسود حالة من الغموض في مصر حول انتخابات الصحافيين على منصب النقيب والتجديد لنصف أعضاء النقابة بسبب عدم اتخاذ خطوات جادة من قبل المرشحين المتوقعين للإعلان عن مواقفهم من الترشح للانتخابات، كما ظهر جدل آخر حول مكان إجراء الانتخابات مع استمرار عملية الصيانة البطيئة التي تتم للمبنى التاريخي في وسط القاهرة منذ حوالي أربع سنوات.
القاهرة - يعقد مجلس نقابة الصحافيين المصريين اجتماعاً، السبت الرابع من فبراير لمناقشة عدة قضايا بينها حسم مكان إجراء انتخابات الصحافيين على منصب النقيب صحافيين على منصب النقيب والتجديد لنصف أعضاء النقابة المزمع إجراؤها مطلع مارس المقبل، وأسباب استمرار أعمال صيانة بطيئة لمقر النقابة وسط معلومات يرددها صحافيون بأنه تأخير لأسباب سياسية خشية توظيف “سلم النقابة” الشهير، الذي شهد فعاليات سياسية ومظاهرات عديدة من قبل.
وتعبر حالة الصمت الراهنة عن أوضاع مهنية ونقابية عقيمة، فلم يعد لنقابة الصحافيين التي تُلقب بـ”قلعة الحريات” حضورا مؤثرا في الأزمات التي تعرض لها البعض من أعضائها أو العمل على حل المشكلات التي مر بها العمل النقابي، ما أفضى إلى قناعة بأنه مات داخلها وقد يطال الانتخابات المقبلة.
وليس من المعتاد أن يستمر الغموض هكذا قبل فتح باب الترشح في الانتخابات التي تشهد منافسات قوية، ودائمًا ما تكون أسماء المرشحين المتنافسين على مقعد النقيب معروفة، وهم بحاجة إلى مزيد من الوقت لإتمام التربيطات التي تشكل عاملا حاسما في العملية الانتخابية، والتعرف على اسم المرشح المدعوم من جهات حكومية ليقدم وعوده بزيادة “بدل التدريب والتكنولوجيا”، وهو مبلغ مالي يمنح لأعضاء النقابة، ويمثل أهمية قصوى مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
ويرى مراقبون أن الأداء النقابي المتراجع لصالح هيئات إعلامية أخرى تصدرت المشهد السنوات الماضية أرخى بظلاله على الانتخابات المنتظرة، وأن اختيار مجلس النقابة الحالي تجنب الاشتباك مع قضايا المهنة التي تعددت وإرجاء الكثير من اجتماعاته والاكتفاء بتقديم خدمات اجتماعية رمزية للأعضاء.
كل ذلك أحدث انفصالا بين الجمعية العمومية والنقابة، وهو وضع مستمر لكنه لم تختبر نتائجه في عملية الانتخابات التي حافظت على قدر كبير من السخونة السياسية.
وقال نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش إن الصمت له جذوره وأسبابه العديدة لأن الشباب الذين أظهروا اهتماماً بشؤون النقابة فقدوا قدرا كبيرا من حماسهم السابق، والآن يتساءلون ما إذا كانت الانتخابات قد تم إرجاؤها من عدمه، والاندهاش من حالة الغموض أصاب الجميع بمن فيهم مجلس النقابة الذي اختار الصمت أيضا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الطرف الثاني في العملية الانتخابية الذي يتمثل في الجمعية العمومية غير معني بالانتخابات بعد أن كان الصحافيون يوظفون الحدث كوسيلة لطرح قضاياهم والاستفادة منها لتحسين أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، كما أن الطرف الثالث ممثلاً في جمهور المرشحين لم يتحدثوا بعد عن نواياهم لخوض الانتخابات، ولم يقدم أحد برنامجًا أو أفكارا يمكن النقاش حولها.
وتشير هذه العوامل إلى أن نقابة الصحافيين في مصر يمكن أن تحتضر، ما يجعلها بحاجة لعملية إنقاذ سريعة، فما يحدث على مستوى الانتخابات لا ينفصل عن أوضاع الصحافة بوجه عام التي يغيب فيها المنتسبون إليها في ظل عدم وجود رغبة للإصلاح.
لفت قلاش إلى أن إحساس الصحافيين بكيانهم النقابي كأداة للتغيير والتعبير عن الرأي تراجع بشكل كبير، وهنا كمن يرون أن تحسين أوضاعهم الراهنة أكبر من مجرد عملية انتخابية يتغير فيها أشخاص دون تعديل في الأداء، وأن الصمت الحالي لا يعبر فقط عن فقدان الثقة في الوصول إلى الأفضل، بل هو أحد أبرز إشارات الاحتجاج الضمني على الأوضاع المتدنية التي تمر بها المهنة والنقابة.
وأوضح صحافيون أن نقابتهم كانت نافذة مهمة في الحوار العام، وإغلاقها أو تجميدها ليس في صالح مهنة الصحافة أو الجهات الحكومية، وما يحدث حاليا هو ذروة القلق الذي بحاجة إلى تداركه قبل استفحاله، مع أهمية أن لا يظل مقعد النقيب وأعضاء المجلس أداة لطموح شخصي وليس مهنيا للمرشحين، وأن المشكلات التي تواجهها المهنة والتحديث المفروض عليها مع التقدم التكنولوجي يدفع إلى أهمية استعادة دورها.
ويعول البعض على الجمعية العمومية باعتبارها صاحبة المصلحة الأولى في الحفاظ على مستقبل المهنة مثلما الوضع في مراحل تاريخية سابقة، بينها ما حدث في تسعينات القرن الماضي حينما انتفض عدد كبير من الأعضاء في وجه القانون رقم 93 لسنة 1995 الذي تضمن تغليظا للعقوبات في جرائم النشر وألغى ضمانة عدم الحبس الاحتياطي للصحافيين في هذه الجرائم.
وقال رئيس لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة (حقوقي) بشير العدل إن فوز بعض الأسماء ممن ليس لهم خبرات وبصمات في العمل النقابي أثر سلبًا على أدوار نقابة الصحافيين وجعل أعضاء الجمعية العمومية يشعرون بأن أساليب الحشد الأخيرة قبل الاقتراع دائما ما تكون هي العامل الأبرز في حجز مقاعد العضوية والنقيب، بالتالي ليس هناك حاجة إلى مزيد من النقاشات حول العملية الانتخابية قبل انطلاقها.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن الدعم الحكومي الدائم لأحد الأسماء المرشحة على مقعد النقيب وتوجيه الأصوات التي تطال صحفًا حكومية وخاصة أثر على عملية المنافسة، وقد أدرك البعض أن عملية الانتخابات لا طائل منها وأغلبهم لا يعرفون موعد انعقادها، وأن عدم الاستجابة المحتملة للمشاركة في الدعوة الأولى لانعقاد الجمعية العمومية في الجمعة الأولى من شهر مارس والاضطرار إلى دعوة ثانية وثالثة في بعض الأحيان سوف يكون دليلاً على حالة العزوف.
وتُجرى انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحافيين المصرية كل عامين، ويحل هذا العام موعد الانتخابات على مقعد النقيب وعلى نصف أعضاء مجلس النقابة الذي يضم 12 عضواً، على أن يعقد المجلس قبل الموعد المحدد للانتخابات للإعلان عن فتح باب الترشح وقبول أوراق المرشحين الجدد قبل موعد إجراء الانتخابات بـ15 يوماً على الأقل.
وسوف تجرى انتخابات على مقعد النقيب الذي يشغله حالياً ضياء رشوان، وستة من أعضاء المجلس ممن تنتهي مدتهم، وهم: خالد ميري، محمد شبانة، هشام يونس، محمود كامل، حماد الرمحي ومحمد يحيي يوسف.
وذكر العدل لـ”العرب” أن هناك ظاهرة واضحة في الانتخابات القادمة تتمثل في ابتعاد عدد من الأسماء صاحبة التاريخ المهني العريق عن المشاركة فيها، وربما يتزايد عدد المرشحين الذين يتخذون العملية الانتخابية أداة للشهرة أو على سبيل التجربة والفانتازيا، وهو ما يرجع إلى أن أبواب النقابة مغلقة غالبا في وجه النقاشات المهنية والفكرية والسياسية، فمشكلة تأمينات الصحافيين بالصحف المتوقفة والمتعثرة لم يتم حلها، مع أنها على رأس برامج العديد من أعضاء مجلس النقابة والنقيب.