تقاعد ملكة السماء: بوينغ تطوي حقبة طائرتها العملاقة جامبو 747

سياتل (الولايات المتحدة) - أسدلت شركة بوينغ الأميركية الستار على طائرتها العملاقة جامبو 747 مع تسليمها آخر نسخة من الطراز الثلاثاء لتطوي بذلك حقبة “ملكة السماء” لسنوات طويلة ودخولها التقاعد.
وشارك حشد كبير من عمال بوينغ الحاليين والسابقين في الوداع النهائي للطائرة الأخيرة رقم 1574، والتي بنتها الشركة في منطقة بوجيت ساوند في واشنطن، والتي تسلمتها أطلس أير، وهي شركة شحن جوي مقرها نيويورك.
وطلبت شركة أطلس للطيران أربع طائرات شحن من طراز 747 – 8 في أوائل العام الماضي، وها هي اليوم تحصل على بقية الطلبية لتسجل اسمها في السجل التاريخي لهذا النوع من الطائرات.
وصُممت الطائرة التي لا تزال باقية بعد 53 عاما من دخولها الخدمة للوفاء بالطلب على السفر الجماعي وكانت أول طراز في العالم بممرين وبدن عريض وطابقين لتصبح رمزا للفخامة فوق السحاب.
لكن ما غيّر السفر الجوي العالمي كان صفوفها التي بدت وكأنها لا تنتهي، وأيضا التكنولوجيا أحدثت فرقا كبيرا.
وقال بن سميث الرئيس التنفيذي لشركة إير فرانس – كيه.إل.أم لرويترز “كانت تلك هي الطائرة التي أتاحت الطيران للطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة وقبل 747 لم يكن بمقدور الأسرة العادية السفر جوا من الولايات المتحدة إلى أوروبا بتكلفة يمكن تحمّلها”.
ولم يكن هناك إقبال على جامبو 747 التي كانت العمود الفقري لسوق السفر والشحن خلال الأعوام الأخيرة، مما عكس تحولا أساسيا في الصناعة نحو طائرات أصغر ذات محركين.
ومنذ رحلتها الأولى في عام 1969 عملت طائرة 747 العملاقة كطائرة شحن، وطائرة تجارية قادرة على حمل ما يقرب من 500 راكب، ونقل للمكوكات الفضائية التابعة لناسا، وقد أحدثت ثورة في السفر وربط المدن في العالم التي لم يكن لها من قبل طرق مباشرة.
ولكن على مدار الخمسة عشر عاما الماضية، قدمت بوينغ ومنافستها الأوروبية أيرباص طائرات ذات جسم عريض أكثر ربحية وكفاءة في استهلاك الوقود، مع محركين فقط للصيانة بدلا من طائرات 747 ومحركاتها الأربعة.
ونقلت وكالة أستوشيتد برس عن ريتشارد أبوالعافية محلل الطيران منذ فترة طويلة قوله “إذا كنت تحب هذا العمل، فقد كنت تخشى هذه اللحظة”.
وأضاف المدير الإداري لشركة آيرو ديناميك الاستشارية الأميركية “لا أحد يريد طائرة بأربعة محركات بعد الآن، لكن هذا لا يمحو المساهمة الهائلة التي قدمتها الطائرة في تطوير الصناعة أو إرثها الرائع”.
وشرعت بوينغ في بناء 747 بعد خسارة عقد نقل عسكري ضخم، وكانت الفكرة هي الاستفادة من المحركات الجديدة التي تم تطويرها للنقل وهي محركات توربوفان عالية الالتفافية.
وهذه المحركات تحرق وقودا أقل عن طريق تمرير الهواء حول قلب المحرك، مما يتيح مدى طيران بعيدا واستخدامها لطائرة مدنية تم تخيلها حديثا.
واستغرق الأمر أقل من 16 شهرا لإنتاج أول طائرة 747، وهو جهد شاق أكسب عمال الشركة البالغ عددهم 50 ألفا لقب “الخارقون”. وقد تطلب إنتاج طائرة الجامبو بناء مصنع ضخم في إيفريت، شمال سياتل أكبر مبنى في العالم من حيث الحجم.
وكان جسم الطائرة بطول 68.5 متر وذيلها يبلغ ارتفاع مبنى من ستة طوابق. وتضمن تصميمها سطحا ثانيا يمتد من قمرة القيادة إلى الخلف فوق الثلث الأول من الطائرة، مما يمنحها سناما مميزا ويلهم لقب الحوت.
وحوّلت بعض شركات الطيران الطابق الثاني إلى صالة كوكتيل من الدرجة الأولى، بينما كان الطابق السفلي يضم أحيانا صالات أو حتى بارا.
وقال غيوم دي سيون أستاذ التاريخ في كلية أولبرايت في بنسلفانيا “لقد أصبح جوهر السفر الجوي الجماعي هكذا ولا يمكنك أن تملأه بأشخاص يدفعون الثمن بالكامل”.
وأوضح المتخصص في الطيران والتنقل أنه لذلك تحتاج الشركات إلى خفض الأسعار لجذب الناس إلى الطائرة، إذ ساهم في ما حدث في أواخر السبعينات بإلغاء قيود السفر الجوي.
ودخلت أول طائرة من طراز 747 الخدمة في 1970 على طريق شركة بان آم بين نيويورك ولندن، وكان توقيتها سيئا للغاية. كما ظهرت قبل وقت قصير من أزمة النفط عام 1973.

وجاء ذلك وسط الركود الذي شهد انخفاضا في توظيف بوينغ من 100.8 ألف موظف في 1967 إلى مستوى بلغ 38.6 ألف موظف في أبريل 1971.
وقال أبوالعافية “لقد تم تمييز إفلاس بوينغ بشكل سيء من خلال لوحة إعلانية بالقرب من مطار سياتل تاكوما الدولي”.
ولكنه أشار إلى النموذج المحدث من سلسلة 747 – 400 الذي وصل في أواخر الثمانينات وكان توقيته أفضل بكثير، تزامنا مع الازدهار الاقتصادي الآسيوي في أوائل التسعينات.
وأضاف أبوالعافية “في السابق، كان عليك التوقف للحصول على الوقود في ألاسكا أو هاواي وكان ذلك يكلّف الكثير، ولكن السفر لمسافات طويلة مباشرة وبأسعار معقولة كان حدثا مميزا”.
وكانت دلتا هي آخر شركة طيران أميركية تستخدم 747 لرحلات الركاب، التي انتهت في 2017، رغم أن بعض شركات الطيران الدولية الأخرى تواصل تسييرها، بما في ذلك شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا.
ومن المنتظر أن تحتل 777 إكس مكان 747 على قمة سوق الطائرات، ولن تكون جاهزة قبل عام 2025 على الأقل بعد تأخيرات.
وعلق أبوالعافية قائلا “في ظل التكنولوجيا المثيرة للإعجاب والسعة الكبيرة والتوفير الشديد في التكاليف فإن 777 إكس تجعل من المحزن أن تبدو 747 وكأنها قد عفا عليها الزمن”.