الانتخابات أولوية واشنطن في ليبيا

رسالة واضحة وجهها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى مصر وحلفائها في ليبيا مفادها أن الأولوية الآن لإجراء الانتخابات، ما يعكس استعجالا أميركيا لتحقيق الاستقرار في البلاد التي تعصف بها الصراعات المسلحة والانقسامات السياسية مند أكثر من عقد.
القاهرة - جاءت زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى مصر لتعكس حرصا أميركيا على إجراء الانتخابات في ليبيا، ولتسلط المزيد من الضغوط على القاهرة وحلفائها في ليبيا الذين يدفعون في اتجاه تأسيس مرحلة انتقالية جديدة، ما يضمن استمرارهم في مناصبهم.
وخلال لقائه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال وزير الخارجية الأميركي إن إجراء الانتخابات في ليبيا هذا العام هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق من أجل حل دائم في البلاد.
وتعد هذه المرة الأولى التي يرسم فيها مسؤول أميركي الإطار الزمني الذي يجب أن تتم فيه الانتخابات، في رسالة واضحة لمجلسي النواب والدولة اللذين يقترحان تشكيل حكومة جديدة وإحالة مسودة الدستور على الاستفتاء، وهو ما قد يستغرق بحسب خبراء سنوات أخرى.
ويقول مراقبون إن الولايات المتحدة تريد حكومة قوية تأتي عبر انتخابات كي تتولى لاحقا التنسيق العسكري معها لإخراج مرتزقة فاغنر من ليبيا.
وبحسب هؤلاء المراقبين، تسعى واشنطن إلى استغلال فرصة انشغال روسيا ومجموعة فاغنر بالقتال في أوكرانيا لإخراج المرتزقة الروس من منشآت نفطية شرق ليبيا وجنوبها، الذين كانوا قد تمركزوا فيها عقب انسحابهم من جنوب طرابلس في 2020.
وجاءت تصريحات بلينكن مكملة لمواقف أميركية سابقة بدءا من السفير الأميركي في طرابلس ريتشارد نورلاند والمبعوثة الأممية السابقة الأميركية ستيفاني وليامز، وصولا إلى مدير جهاز الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز.
وأجرى بيرنز منتصف الشهر الحالي زيارة إلى ليبيا، حيث التقى رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، في حين أشارت تقارير إعلامية إلى أنه التقى أيضا بالقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر.
وشدد بيرنز على ضرورة أن تؤدي الانتخابات في ليبيا إلى إحداث الاستقرار. ووصف حكومة الدبيبة بأنها “شريك للولايات المتحدة يمكن الاعتماد عليه”، في حين أكد الدبيبة حرصه على رفع إنتاج ليبيا من النفط إلى ثلاثة ملايين برميل خلال السنوات القادمة.
وأشارت تقارير صحافية إلى أن بيرنز بحث مع حفتر ملف فاغنر واستمرار تدفق النفط. وتقع الحقول والموانئ النفطية تحت سيطرة الجيش منذ 2016.
وعقب زيارته إلى طرابلس عاد بيرنز إلى المنطقة بزيارة إلى مصر، حيث التقى خلالها بالرئيس المصري وأكد ضرورة إجراء الانتخابات في ليبيا في أقرب فرصة.
وتأتي زيارة بلينكن بينما يحشد المبعوث الأممي عبدالله باتيلي الجهود الدولية والإقليمية لخطته التي لم تتضح معالمها بعد. ومن غير المعروف ما إذا كان باتيلي يدعم التوجه الأميركي الذي يحظى بدعم من عدة دول خاصة إيطاليا والمغرب، أم أنه يميل لتبني رؤية مصر وفرنسا التي تقوم على تأسيس مرحلة انتقالية جديدة تبدأ بتشكيل حكومة موحدة.
وكان وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني دعا خلال زيارة للقاهرة إلى حل الأزمة الليبية بما يؤدي إلى تنظيم انتخابات ووضع دستور جديد. وقال في هذا الإطار “حل المشكلة الليبية هو أيضا جزء من حل مشكلة الهجرة غير النظامية”.
وتعاني ليبيا منذ مارس الماضي من انقسام سياسي بعد أن قام البرلمان بتنصيب حكومة برئاسة فتحي باشاغا، بينما رفض الدبيبة تسليم السلطة بعد انتهاء ولايته، وأكد أنه لن ينسحب إلا لصالح حكومة منتخبة.
وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الاثنين إن مسألة الشرعية في ليبيا لا يمكن حلها إلا بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
جاء ذلك في مؤتمر صحافي مشترك بالرباط، جمع بوريطة مع عبدالله باتيلي الذي وصل المغرب في زيارة غير محددة المدة.
وقال بوريطة إن “مسألة الشرعية في ليبيا لا يمكن أن تحل إلا عن طريق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتي بموجبها سيختار الشعب الليبي سلطة التدبير السياسي في البلاد”.
من غير المعروف ما إذا كان باتيلي يدعم التوجه الأميركي الذي يحظى بدعم من عدة دول خاصة إيطاليا والمغرب
وأبدى الوزير المغربي أسفه من وجود “بعض العراقيل التي تواجه التحضير لهذه الانتخابات”، معربا عن أمله “بالتوافق على إجراء انتخابات في أقرب الآجال بفضل حكمة الليبيين والمجهودات الأممية والدولية”.
ودعا بوريطة إلى إدارة توافقية للمرحلة الانتقالية في ليبيا “من خلال مؤسسات تحضر للانتخابات سواء كانت تشريعية أو تنفيذية”.
وقال باتيلي إن زيارته للرباط تأتي في إطار المساهمة في استقرار ليبيا، مشيرا إلى أن “هناك أدوارا كبيرة للدول المجاورة لليبيا للمساهمة في إيجاد حل”.
وخلال المؤتمر الصحافي، لفت المبعوث الأممي إلى أن “الليبيين يطمحون لإيجاد مؤسسات مستقرة وذات مصداقية من أجل فتح الباب للاستقرار”.
وتعاني ليبيا منذ سنوات نزاعا مسلحا تسعى الأمم المتحدة لحله عبر رعاية مفاوضات ما زالت متعثرة بين مجلسي النواب والدولة (نيابي استشاري)، للتوافق حول قاعدة دستورية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
واحتضنت الرباط خمس جولات من الحوار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، توجت في يناير 2021 بالتوصل إلى اتفاق على آلية تولي المناصب السيادية، غير أن عدم الاتفاق على قوانين الانتخابات ظل حجر عثرة أمام جهود حل الأزمة.