فيلم "فرحة" استعادة سطحية لأوجاع النكبة الفلسطينية

دارين سلام تتطرق إلى آثار النكبة على الشخصيات ومساراتها الحياتية.
الثلاثاء 2023/01/31
جزء صغير مما عايشه الفلسطينيون

أثار فيلم “فرحة” للمخرجة الأردنية دارين سلام ضجة واسعة مازالت مستمرة، حيث تتهمه إسرائيل بسرد حكايات مغلوطة عن جنودها بينما تقول صاحبته إنه استعادة لأوجاع النكبة الفلسطينية، وباطلاعنا عليه تبين أنه جاء استعادة سطحية اكتفت بالقليل من المعطيات التي لا تصف حجم المأساة الحقيقية.

تتجسم الدراما التاريخية أمامنا وهي تستمد تأثيرها من كونها سردا أقرب إلى الحياة ووقائعها وتحوّلاتها، وخاصة تلك القصص المأخوذة عن وقائع حقيقية أو تلك التي تجد في حقب التاريخ المختلفة مصدرا لها.

ينطبق ذلك إلى حد ما على هذا الفيلم للمخرجة الأردنية دارين سلام وهي تخوض في تداعيات وآثار النكبة وانعكاساتها على الشخصيات وعلى مساراتها الحياتية.

بالطبع ستبتعد المخرجة، وهي نفسها كاتبة السيناريو، عن مقاربة الوقائع الأكثر فظاعة وتراجيدية وتلامسها بشكل محدود من وجهة نظر فتاة محاصرة ومختبئة هي الفتاة الشابة فرحة (الممثلة كرم طاهر) وأغلب المساحة الفيلمية ستكون من وجهة نظرها.

استهلال فيلم "فرحة" انشغل بتقديم حياة يومية روتينية عادية، بما في ذلك الحوارات بين والد فرحة وعمها
استهلال فيلم "فرحة" انشغل بتقديم حياة يومية روتينية عادية، بما في ذلك الحوارات بين والد فرحة وعمها

والحاصل أن تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من مدنهم وقراهم فضلا عن عمليات اجتثاث إجرامية وشبه إبادة لشعب بأسره أو تشريده هي في حد ذاتها دراما هائلة ومجرد ملامستها سيقود إلى المزيد والمزيد من الأحداث.

لكن المخرجة اكتفت بمعطيين أساسيين هما التمهيد لعمليات التوغل والتشريد والقتل للفلسطينيين من قبل العصابات الصهيونية وهم يمرون بعرباتهم العسكرية وأيضا من وجهة نظر تلك الفتاة، والمعطى الآخر هو المواجهة المباشرة مع القوى الغازية، وهو ما يقوم به والد فرحة (الممثل أشرف برهوم) الذي يقرر حمل السلاح والمقاومة إلى جانب أبناء الشعب الفلسطيني تاركا فرحة داخل البيت القديم فيما يشبه القبو الذي عليها أن تتكيف معه متحملة آثار الجوع والعطش والخوف وأشكال المعاناة وعلى أمل أن تنتهي تلك المأساة ويعود والدها إليها ويخلصها من أزمنتها.

أما فيما يتعلق بالعزلة المكانية وقد تكررت في الكثير من الأفلام التي تظهر معاناة الشخصية وصراعها من أجل البقاء، فيمكننا أن نتذكر فيلم “أشجار السلام” الذي سبق أن عرضنا له في هذه الصفحة، وهو يروي قصة أربع نساء يعشن في قبو مغلق هربا من المذابح بين عرقيتي الهوتو والتوتسي إبان المذابح التاريخية الشهيرة التي أفضت إلى مقتل عشرات الآلاف من الجانبين.

بل يمكننا الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك باتجاه عشرات الأفلام التي جسدت أيضا فكرة الصراع من أجل البقاء والعزلة في أقبية مغلقة بهدف النجاة، كما شاهدنا ذلك في أفلام مثل “التقسيم” 2011 و”ما بعد الظلام” 2013 و”المخفي” 2015 و”القبو” 2001 و”الجوع” 2009 و”ملاحظة حمراء” 2021 و”فتاة في القبو” 2021 و”التلفون الأسود” 2022 و”أنا أم” 2019 و”ترنتش11” 2017 و”يوم الموت” 2018 و”مخبأ الموتى” 2016 و”الوجه المخفي” 2011، وغيرها من الأفلام.

والملاحظ في استهلال فيلم “فرحة” أنه انشغل بتقديم حياة يومية روتينية عادية، بما في ذلك الحوارات بين والد فرحة وعمها، وأنها وصلت إلى سن الزواج مع أنها لا تزال مراهقة وكون العم يرغب في تزويج الفتاة لابنه، وخلال هذا المسار توقعنا أننا سنمضي هكذا في هذه اليوميات الروتينية فضلا عن لقاءات فرحة بصديقاتها وذهابها إلى كتّاب القرية من أجل تعلم اللغة العربية وقراءة القرآن.

تاريخ لا ينسى
تاريخ لا ينسى 

هذا التمهيد عن قرية آمنة هادئة سيقابله الجحيم القادم الذي سيجد الجميع أنفسهم في مواجهته، وواقعيا الحدث المرتبط بالنكبة هو أكبر وأشدّ فظاعة بكثير مما تمت ملامسته وعرضه بشكل جزئي ومقتضب. ومع ذلك استشاطت إسرائيل غضبا على منصة نتفليكس بسبب إقدامها على عرض هذا الفيلم وعدته تشويها لصورة جنود الاحتلال بينما الحقيقة هي أن إبادة عائلة أبومحمد بالكامل ليست إلا واحدة مما لا يعد ولا يحصى من عمليات القتل الجماعي والإبادة التي شهدتها فلسطين إبان النكبة.

أما إذا انتقلنا إلى يوميات الشخصية الرئيسية وهي في ذلك القبو فليس هنالك الكثير مما يمكن توصيفه، فالفتاة ليس عندها الشيء الكثير لتفعله سوى محاولتها رصد ما يجري في الخارج والتطلع إلى الوقت الذي يمكن أن يظهر فيه والدها ليخرجها من ذلك القبو المظلم، ومشاهداتها لن تتعدى ما يقوم به جنود الاحتلال من تنكيل وقتل لمن يقع بين أيديهم ومنهم عائلة أبومحمد الذي كان على وشك أن ينقذها لولا مجيء جنود الاحتلال وإبادتهم تلك العائلة.

ربما كان مشهد الطفل الرضيع وقيام جندي الاحتلال برفع قدمه لغرض سحق رأسه من أكثر المشاهد إيلاما، وقبل ذلك عملية الولادة في حد ذاتها، وكل ذلك من وجهة نظر فرحة وهي تطل من الثقوب والمنافذ لترى ما يجري من حولها.

على الجانب الآخر هنالك تحول يرتبط بالفتاة بعد أن تخرج المسدس الذي تركه لها والدها وكأنه أداتها الأخيرة للحياة، لكن لن يقع ما يمكن أن نتوقعه فهي لن تطلق النار سوى على الباب محدثة ثقوبا لا أكثر ولتخرج في ما بعد وهي في وضع مزر هائمة على وجهها علها تعثر على والدها الذي اختفى مع احتدام الصراع وتحوله إلى مأساة إنسانية لم يظهر منها الفيلم إلا القليل من تلك التراجيديا التي لا مثيل لها.

14