مصر تنشد الأمان الاجتماعي والسياسي لمواجهة الأزمة الاقتصادية

دعوة لحوار مجتمعي تستجيب لتوصية صندوق النقد وتتقاطع مع الحوار الوطني.
الثلاثاء 2023/01/24
احتقان مجتمعي بسبب ندرة السلع وغلاء الأسعار تسعى الحكومة لتبريده

من المنتظر أن ترفع الحكومة المصرية في مخصصات الأجور والدعم والحماية الاجتماعية خلال موازنة العام القادم حفاظا على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد، من أجل التفرغ لمواجهة الأزمة الاقتصادية دون ضغوط.

القاهرة - أخذ النظام المصري يولي أهمية كبيرة لتوفير الأمان الاجتماعي لمواجهة الأزمة الاقتصادية خوفا من حدوث مشكلات تستغل الفئات المتضررة من الزيادة الكبيرة في أسعار السلع والخدمات، بما يحمل معه تداعيات سياسية قاتمة.

وأعلن وزير المالية المصري محمد معيط الاثنين أن حكومة بلاده ستطلق حوارا مجتمعيا بناء على توجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسي، سيبدأ خلال أسابيع قليلة، حول موازنة السنة المالية الجديدة التي تبدأ مطلع يوليو المقبل، في إشارة إلى تخصيص المزيد من الأموال لسد احتياجات برامج الحماية الاجتماعية.

خالد الشافعي: من المتوقع زيادة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية
خالد الشافعي: من المتوقع زيادة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية

وقال مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية والضرائب في مصر خالد الشافعي لـ”العرب” إن إطلاق حوار مجتمعي وإدراجه في الموازنة العامة للدولة يؤكد أن الحكومة تدرك أنها ستكون “استثنائية في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، لارتفاع معدلات التضخم الناشئة عن التحرير الكامل لسعر صرف العملة بالبلاد”.

وتنسجم التوجيهات الرئاسية مع ما جاء في توصية لتقرير أصدره صندوق النقد الدولي حول مصر مؤخرا بشأن أهمية القيام بتوفير شبكة أمان اجتماعية للمتضررين من الأزمة الاقتصادية، بهدف إحداث توازن في السياسات العامة تقلل من التأثيرات السلبية على شريحة كبيرة من الفقراء في مصر.

والتفت النظام المصري مبكرا لمسألة الحماية الاجتماعية وقام بإطلاق مشروع “تكافل وكرامة” وملحقاته التي تستهدف جميعها البسطاء ومعاونتهم على مواجهة المصاعب الناجمة عن تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية، لكنها لا تزال غير قادرة على سد الاحتياجات المتزايدة للفقراء.

وتعاني مصر من ضغوط مالية واقتصادية متنامية بسبب تحرير سعر صرف الجنيه التدريجي، والذي يسجل حاليا 29.5 جنيه مقابل الدولار، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بسبب كثافة السلع التي يتم استيرادها من الخارج، بينها مواد غذائية أساسية.

وجاءت الدعوة لحوار مجتمعي في وقت بدأ الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة يقترب من إنطلاق فعالياته عمليا ويحوي ثلاثة محاور، سياسية واقتصادية ومجتمعية.

ويبدو المسار المجتمعي الذي أعلن عنه وزير المالية بعيدا عن المسار المدرج في الحوار الوطني، لأن الأول سيكون قاصرا على توفير البرامج الحمائية لتطويق التحديات الاجتماعية للأزمة الاقتصادية.

وبينما يتطرق الثاني إلى كثير من القضايا المدرجة على المحور المجتمعي الذي دمجت فيه ملفات ذات طابع سياسي، بينها حقوق الإنسان والإفراج عن المعتقلين، ينصب المسار الجديد على أجندة تتعلق بتخفيف الأعباء الاقتصادية عن البسطاء.

ويسهم الحوار المجتمعي في تعظيم رؤية الحكومة لحقوق الإنسان وحصرها في صيغة تتعلق بالمجال الاجتماعي الواسع وتخفيف الأعباء عن الناس وعدم حصرها في أمور لها طابع حرج مثل الحريات التي يناقشها المحور المجتمعي في الحوار الوطني.

مصر تعاني من ضغوط مالية واقتصادية متنامية بسبب تحرير سعر صرف الجنيه التدريجي ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بسبب كثافة السلع
مصر تعاني من ضغوط مالية واقتصادية متنامية بسبب تحرير سعر صرف الجنيه التدريجي ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بسبب كثافة السلع

ومن المتوقع عقد ست جلسات حوارية يتضمنها الحوار المجتمعي مع ممثلي اتحاد الغرف التجارية، واتحاد الصناعات، والمجالس التصديرية، واتحاد المستثمرين، وجمعيتي رجال الأعمال وشباب الأعمال، في محاولة لتوفير جانب من المساعدات المادية من قبل القطاع الخاص وتطالبه الحكومة بتحمل دور في المنظومة المجتمعية.

وسيتم عقد جلسات مع مجالس الأعمال المشتركة، ومجلس النواب، والمرأة، وذوي الهمم (ممثلو المعاقين)، وشباب الجامعات، ورموز الصحافة والإعلام، وخبراء الاقتصاد، وأساتذة الجامعات ومراكز البحوث، لتوفير زخم كبير في أوساط الرأي العام قد يضعف حظوظ المحور المجتمعي في الحوار الوطني والتشويش على القضايا المطروحة عليه، وجُلها لها صبغة حسّاسة لدى القاهرة.

وأوضح الشافعي لـ”العرب” أن مخصصات الأجور والدعم والحماية الاجتماعية من المتوقع زيادتها، ومشاركة الخبراء مهمة للغاية لأن غالبيتهم يتحدثون بلا قيود، وينظرون للمصلحة العامة للشعب بتجرد.

ويدفع تقديم مقترحات علمية للحكومة إلى إعادة نظرها في مخصصات أساسية للدعم والصحة والتعليم، حيث تحرص دائما على زيادة الإيرادات فقط كهدف في تصوراتها.

وأضاف الشافعي أن مشاركة مجتمع الأعمال تؤكد مساعي الحكومة لتخصيص نسبة أقل من الاستثمارات التابعة لها مع رفع النسبة المحددة للقطاع الخاص، ورسم صورة إيجابية في الواقع بأن هناك مشاركة أكبر للمجتمع المدني والقطاع الخاص عند وضع السياسات المالية والاستثمارية في مصر.

السلطات المصرية تسعى إلى تفادي الخلل الذي يمكن أن يحدث في الموازنة الجديدة، ويتوافق مع مطالب صندوق النقد الرامية إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص

وتسعى السلطات إلى تفادي الخلل الذي يمكن أن يحدث في الموازنة الجديدة، ويتوافق مع مطالب صندوق النقد الرامية إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد.

ويعبر ذلك عن حرص من الحكومة على أن تكون الموازنة العامة تعكس الواقع الذي تشهده البلاد، مع مشاركة أهل الفكر والخبرة من دون إقصاء لأحد، وربما يمنع هذا السلبيات المتوقع ظهورها في الموازنة قبل عرضها على مجلس النواب.

وفرضت الظروف الاستثنائية التي يشهدها الاقتصاد العالمي ضغوطا بالغة الصعوبة على موازنات الدول بما فيها مصر، أبرزها الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع، نتيجة اضطراب حصل في سلاسل الإمداد والتوريد وارتفاع كلفة التمويل.

وتستهدف الحكومة المصرية من الحوار المجتمعي، التوزيع العادل للاعتمادات الموازنية بشكل يراعي الاستجابة لمتطلبات النمو والتنمية لكل المناطق وشرائح المجتمع، مع التركيز على الأولويات التنموية، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية.

وأكد وزير المالية أنهم “ملتزمون بتلبية احتياجات المواطنين وتقليل الآثار التضخمية، وتحقيق المستهدفات الاقتصادية، من خلال تعظيم جهود الانضباط المالي، وتنافسية الاقتصاد المصري، وتحسين بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات لتحفيز الاستثمار”.

ويسعى إطلاق الحوار المجتمعي إلى طمأنة فئة بدأت تشعر بقلق متزايد من الزيادة المستمرة في الأسعار، وتنعكس على قدرتهم الشرائية، بما يهدد السلم الاجتماعي، والاستقرار السياسي، وبالتالي الأمن القومي، ويفرض البحث عن حلول لتحاشي حدوث أزمات هيكلية تعصف بمكاسب تعتقد القاهرة أنها حققتها الفترة الماضية.

2