الجزائر توقظ مكامن سياحتها المهملة أملا في جني الدولارات

شرعت الجزائر في رحلة التفتيش عن منافذ جديدة لتعزيز الإيرادات من خلال فتح سوقها السياحي أمام الأجانب، بعد أن ظل القطاع منسيا لسنوات نتيجة السياسات الارتجالية للحكومات السابقة، والاتكاء على ما يدره بيع النفط والغاز دون تكبد عناء تنويع الموارد.
الجزائر – دشنت الحكومة الجزائرية خطة لإحياء قطاع السياحة، والتي تعد انقلابا على النموذج القديم في إدارة هذا المجال الحيوي، رغم أن بعض الخبراء يرون أن من المبكر الوقوف على مدى نجاح الخطوة.
وبعد إغلاق أبوابها لفترة طويلة أمام الزوار الأجانب، تسعى الجزائر اليوم لاجتذابهم، إذ اتخذت سلسلة من الإجراءات بهدف تشجيع السياحة الصحراوية جنوب البلاد.
وشبه البعض من المحللين هذا الأمر بأنه يعتبر سيرا على خطى السعودية، التي فتحت أبوابها أمام السياح الأجانب لأول مرة في العام 2019، ضمن خطط تجسيد رؤية 2030.
والبلد العضو في منظمة أوبك بعيد كثيرا عن نجاحات جارتيه المغرب وتونس، وأيضا مصر، في هذا المجال والتي تتبع إستراتيجيات طويلة المدى منذ زمن لجعل السياحة متنوعة المنتوج بما يحقق لها إيرادات أكبر ومستدامة.
لكن الخطوة الجزائرية عموما تمثل تغييرا بالنسبة لدولة لم تسع أبدا لكي تصبح مقصدا سياحيا كبيرا مثل جيرانها، مكتفية بما تجنيه من دولارات بيع براميل النفط والغاز.
وأعلنت وزارة الداخلية قبل أيام أن البلاد تخطط لتسهيل الإجراءات بالنسبة للمسافرين الدوليين. وقالت في بيان إنه تم “إقرار ترتيبات جديدة في منح تأشيرات للسياح الأجانب الراغبين في زيارة جنوب البلاد، بالتنسيق مع مختلف الوزارات والهيئات المعنية”.
وبموجب الخطوة، سيتمكن السياح عن طريق وكالات السياحة والأسفار المحلية المعتمدة من الاستفادة من تأشيرة التسوية مباشرة عند وصولهم إلى المنافذ الحدودية عبر المطارات والمعابر البرية، لاسيما بالولايات (المحافظات) الجنوبية.
وتبدو الخطوة بديلا عن عملية بيروقراطية طويلة وغير مجدية قبل الوصول إلى البلد، مما يسمح للسياح باستكشاف المناظر الطبيعية المقفرة والآثار القديمة في أكبر دولة من ناحية المساحة في قارة أفريقيا.
ونقلت وكالة بلومبيرغ عن رئيس جمعية وكلاء السفر محمد أمين برجم قوله “نحن مسرورون من هذا القرار الذي من المؤكد أنه سيكون له تأثير إيجابي على قطاع السياحة وعلى البلاد”.
وتشير التقديرات إلى أن القطاع يسهم بحوالي 1.5 في المئة فقط من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 10 في المئة في كل من تونس والمغرب.
ومن المتوقع أن يستفيد الزوار المعنيون من وثيقة تسلم لهم عن طريق وكالاتهم السياحية، تسمح لهم بركوب الطائرات التابعة لمختلف شركات الطيران بالمطارات القادمين منها.
كما يستفيد هؤلاء، مباشرة عند وصولهم، من تأشيرات التسوية بالمدة التي تتوافق مع فترة الرحلة السياحية المنظمة لهم.
وبات القرار ساري المفعول، رغم أن موسم السياحة الذي يهيمن عليه بشكل كبير حتى الآن المحليون والمغتربون يغطى الأشهر الأكثر برودة والتي تبدأ في أكتوبر.

ومع ذلك يعتقد خبراء أن ثمة مشكلة، وهي أن الزائرين لن يتم الترحيب بهم إلا في جنوب البلاد الذي يغطي منطقة الصحراء، ما يعني أنه سيكون من الصعب السفر إلى ساحل المتوسط وممارسة التزلج الشتوي في جبال الأطلس أو في العاصمة القديمة الجزائر.
ويتعين على السياح الحجز من خلال وكالة سفر معتمدة تعمل بالجزائر وسيرافقهم أمنيون، وذكرت السلطات أن الوكالات السياحية المعتمدة تقوم “بإدراج كل المعطيات المتعلقة ببرنامج الزيارة السياحية والمشاركين فيها من السياح الأجانب”.
وفضلا على ذلك، ستعمل السلطات المحلية للولايات المعنية على توفير المرافقة اللازمة لكل الفاعلين المعنيين، قصد ضمان سير الجولات السياحية المبرمجة في أحسن الظروف.
وبينما كان الجزائريون يقومون ببناء فنادق جديدة ويكثفون الحملات لجذب السياح على نطاق واسع في حقبة تسعينات القرن الماضي، انزلق البلد إلى “عشرية سوداء” في التسعينات، مما أخر تنمية القطاع.
1.5
في المئة مساهمة القطاع في الجزائر قياسا بنحو 10 في المئة لكل من تونس والمغرب
وبدلا من ذلك اهتمت الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين بالتركيز فقط على النفط لتمويل الميزانيات السنوية، ليتعرض بلدهم في منتصف العقد الماضي إلى انتكاسة جراء تراجع أسعار الخام، ما أفضى في نهاية المطاف إلى تغيير النظام في 2019.
وتعد الجزائر متراجعة في ما يتعلق بالبنية التحتية الفندقية، إذ بلغ عدد الأسرة 127 ألفا في نهاية عام 2020 مقابل قرابة 231 ألف سرير في جارتها تونس، وهي دولة أصغر منها بكثير.
ويعبر أكثر من مليون جزائري الحدود كل صيف لقضاء إجازاتهم في تونس، حيث تكون العروض أكثر تنوعا والأسعار معقولة.
ولمواكبة الحركة السياحية، تدعو الحكومة الجزائرية المستثمرين الأجانب إلى تمويل وبناء مجمعات سياحية، وتم التوقيع مؤخرا على اتفاقية إطارية بين شركة ريتاج القطرية للفنادق والضيافة وشركة أتش.تي.تي الجزائرية المملوكة للدولة لحشد التمويل.
وستقدم شركة ريتاج أيضا الخدمات الإدارية لفنادق شركة أتش.تي.تي البالغ عددها 73 في جميع أنحاء البلاد. وذكرت بلومبيرغ أنه مازال هناك البعض الذين يشككون في أن التحول سوف يكون سهلا.
ويقول لمين حمادي، مدير السياحة في ولاية جانت، المنطقة التي تتمتع بأكبر عدد من السياح، “نأمل في ردود سريعة لطلبات شركات السياحة، إذ ينفر السياح من التأخيرات الطويلة”.