حملة ترويج مصرية للمشتقات المالية لإغراء المستثمرين

بدأت البنوك المصرية الترويج لعمليات المشتقات المالية بغية تقديم خدمة متكاملة تتيح للزبائن والمستثمرين التحوط ضد مخاطر تذبذب أسعار الصرف، بالاتفاق على سعر العملة مسبقا للتعامل به مستقبلا، وذلك لحمايتهم من التقلبات التي يمكن أن تؤثر سلبا على قيمة أموالهم.
القاهرة - دفعت السلطات النقدية في مصر أخيرا بورقة جديدة لمواجهة أزمة شح العملات الأجنبية وتقويض الدور السلبي الذي تلعبه السوق الموازية التي تشتري وتبيع بأسعار أعلى من البنوك والصرافة الرسمية.
وسيتم ذلك عبر تفعيل العقود الآجلة على الدولار كآلية تمنح العملة الخضراء انسيابية أكثر وتعزز وفرتها كأداة تحوط وسط تقلبات كبيرة حدثت للعملة في مصر مؤخرا.
وأعلن البنك المركزي عن شروع البنوك في الترويج لعمليات المشتقات المالية بعد ارتفاع قيمة الدولار بوتيرة سريعة، حيث قفز من حدود 15 جنيها إلى مستويات تفوق 29 جنيها حاليا، ما يهدد دخول الاستثمارات ويقوض استمرارها بسبب تخوف الأجانب من تذبذب العملة.
وتستمد المشتقات قيمتها من أداء أصل حقيقي يتمثل في شركة أو عقار أو ذهب أو معادن أو حبوب أو مدخرات مالية أو عملات أو سندات وأسهم أو من أحد مؤشرات السوق.
وهذه المشتقات عبارة عن طرح أصل ما بقيمة تعادل سعر الصرف الجاري على أن يتاح التداول عليها وبيعها بسعر صرف آجل وبشروط ومعايير محددة.
ويهدف المركزي من وراء هذه الآلية إلى تعزيز السيولة في السوق المحلية، وإتاحة الأدوات للتحوط ضد مخاطر التقلبات التي يمكن أن يشهدها الجنيه، كما أن الخطة ترمي إلى توفير وسيلة للحماية من التغير في العملة للشركات المحلية.
وتقوم البنوك بتوفير عقود محلية للجنيه غير قابلة للتسليم تسمى “أن.دي.أف” وتسمح للشركات والمستثمرين بالمراهنة والتحوط ضد تقلبات الجنيه بهدف بناء سوق محلية أكثر شفافية وذات مصداقية للتوقعات بشأن تحركات العملة.
وتعتبر المشتقات المالية أداة التحوط الملائمة للمستثمرين، حيث يمكن للشركات والأفراد تحديد سعر صرف مستقبلي يتم الاستثمار على أساسه.
ويترتب على تطبيقها تسعير العملة بقيمتها الحقيقية، ويعد ذلك من المؤشرات التي تقيس قيمة العملة، ويتم تحديد سعرها في تلك الأداة وفق دراسات اقتصادية وتوقعات مستقبلية مدروسة ومحددة من قبل المستثمرين.
وقال الخبير المصرفي عزالدين حسانين إن “المشتقات تعد أداة جديدة وتوجه إلى السوق السوداء للدولار ضربة قاضية، لأنها تعزز دخول الأجانب مصر للاستثمار في أدوات الدين أو البورصة (الاستثمار غير المباشر) أو تأسيس مشروعات جديدة (الاستثمار المباشر)”.
وأضاف حسانين في تصريح لـ”العرب” أن “الآلية الجديدة تضمن وجود سعر رسمي مستقبلي للدولار في مصر ومتعارف عليه في الأسواق”.
ولم تنته مرحلة الخطر فيما يخص سعر الجنيه، وربما يظل الجنيه تحت الضغط خلال 2023 جراء البضائع الكثيرة العالقة في الموانئ والبالغة قيمتها 5.4 مليار دولار.
ويعادل هذا المبلغ نحو 15 في المئة من الاحتياطيات الأجنبية لدى المركزي، بجانب احتياجات التمويل الخارجية البالغة 19 مليار دولار ونسبتها 55 في المئة من الاحتياطيات الأجنبية.
وزاد الاحتياطي النقدي الأجنبي بنحو 470 مليون دولار خلال ديسمبر الماضي ليصل إلى 34 مليار دولار، مقابل 33.53 مليار دولار في نهاية نوفمبر، بحسب بيانات رسمية صادرة عن المركزي.
ووفقا لما جاء في تقرير وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية “يبقى أن نرى إذا كان البنك المركزي سيسمح لسعر الصرف وأسعار الفائدة بالتعديل بشكل كاف لجذب تدفقات محافظ جديدة خلال هذا العام”، في إشارة إلى استمرار الضغوط على العملة.
وتعاني القاهرة شحا شديدا في العملة الأجنبية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية ورفع الفائدة الأميركية على مدار 2022، ما أدى إلى خروج أكثر من 22 مليار دولار من الأموال الساخنة الأجنبية المستثمرة بأدوات الدين قبل عودتها مجددا على نحو طفيف في الأيام القليلة الماضية.
وكتب رئيس الاتحاد العربي للاستثمار المباشر سابقا هاني توفيق على صفحته في موقع التواصل فيسبوك “الآن يمكنك كأجنبي القيام باستثمار مع مصر (تجارة آجلة)، ولا تحمل هم انخفاض قيمة الجنيه وقت تحويل أرباحك بالدولار أو التخارج”.
وتسمح المشتقات المالية للبنوك والشركات ببدء التصرف مثل مؤسسات الأسواق المتقدمة، كما تمنحها الفرصة لإدارة جزء كبير من مخاطر العملات الأجنبية بشكل أفضل، وهي آلية تطمئن إليها المؤسسات الدولية والمستثمرون.
ولجأ المركزي إلى هذه الأداة بعد مطالبات صندوق النقد الدولي بضرورة وجود سعر صرف مرن، وبالتالي السماح بإطلاق مشتقات جديدة للجنيه هدفه تعزيز السيولة في السوق، وإتاحة الأدوات للتحوّط ضد مخاطر تقلب الجنيه، بعد أن هبط إلى مستويات تاريخية.
وأكدت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي أن اعتماد المركزي على استخدام المشتقات المالية من أهم الآليات التي تضمن للمستثمر الأجنبي ضخ أمواله والاستثمار في السوق المصرية دون خوف من تقلب أو انهيار في سعر الجنيه.
وأوضحت لـ”العرب” أن “المستثمر الأجنبي كان خلال الفترة الماضية يعمل في مصر ويحقق ربحا بنسبة 25 في المئة مثلا، لكن قيمة العملة هبطت نحو 30 في المئة، وبعد الجد والتعب يجد المستثمر نفسه يخسر نحو 5 في المئة فرق عملة”.
وذكرت الدماطي أنه باستخدام المشتقات المالية يستطيع المستثمر تأمين نفسه من تقلبات قيمة الجنيه وعدم حدوث خسارة عند التخارج من السوق المصرية.
ويأتي الهبوط الكبير في قيمة الجنيه بالسوق السوداء كدليل على خطة المركزي باتباع سعر مرن للعملة.
ومن المتوقع أن تستمر الضربات الموجعة للمضاربين بعد أن جرى تداول الدولار عند أكثر من 30 جنيها في السوق الموازية التي عادت للظهور واستعادت نشاطها في الفترة الماضية بعد النقص المتزايد في العملات الأجنبية.
ويقترب الجنيه من المستويات الجاذبة للاستثمارات الساخنة، لكن العائد على الدين المحلي يحتاج إلى الزيادة من أجل العودة إلى المنافسة في أسواق الدين العالمية، ولذلك فإن تدفق الدولار إلى السوق المحلية قد يتطلب رفع أسعار الفائدة مجددًا.
ويؤكد المركزي حدوث انفراجة قوية في سوق الصرف الأجنبي، حيث ضخ مستثمرون أجانب 925 مليون دولار خلال ثلاثة أيام فقط عندما سمح البنك بالمزيد من التراجع في سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وهي مؤشر حيوية ومرونة يمكن أن يفيد عملية الإصلاح.