الأردن يفشل في محاصرة ظاهرة التسول

عمّان - تعتبر ظاهرة التسول من الظواهر السلبية والمقلقة التي أصبحت منتشرة في كافة أنحاء المملكة الأردنية، والتي قد تعزى أسبابها عادة إما للفقر أو البطالة في بادئ الأمر إلا أنها وفي بعض الأحيان تصبح مع مرور الوقت مهنة يتخذها المتسول بشكل دائم لكسب المال.
ورغم تغليظ العقوبات وتسيير دوريات أمنية مشتركة للحد من الظاهرة في المدن الأردنية وخاصة العاصمة عمان والمناطق السياحية، تبدو الظاهرة آخذة في الارتفاع، ما يعكس فشل الجهود الأردنية في تطويقها.
وقالت وزيرة التنمية الاجتماعية في الأردن وفاء بني مصطفى إن التسول في الأردن أصبح مهنة، حيث أن أحد أرباب الأسر الذين تم ضبطهم يتسولون، قام باستغلال طفله بتركيب “كيس عصير”، بهدف الحصول على المال واستعطاف المواطنين.
وأكدت بني مصطفى في تصريحات لوسائل إعلام محلية الاثنين أن الفقر ليس سببا للتسول، لافتة إلى أن الدراسات الاجتماعية لدى الوزارة أظهرت عدم حاجة الأسر المضبوطة إلى المال، وأن لديها أملاكا وعقارات.
ولفتت إلى أن الوزارة قامت بتكثيف عمل اللجان وفرق التفتيش الخاصة، في المناطق والأقاليم التي تشهد انتشارا للتسول، عبر حملات منظمة.
وترجع الحكومة الأردنية استفحال الظاهرة إلى العصابات المنظمة التي تستغل الأطفال، وتنفي أن تكون دوافع تفاقمها ارتفاع نسبة الفقر في المملكة، إلا أن تبريرات الحكومة وإن كانت صائبة في عدد من الحالات فإنها لا تنسحب على جميع المقبوض عليهم.
ويؤكد ناشطون أن التسول، وبصفة خاصة بين الأطفال، تحوّل من حالات فردية إلى ظاهرة تقف وراءها جهات تستغل الأطفال وتدفعهم إلى ممارسة التسول.
ووصفوا ظاهرة التسول بأنها مشكلة من السهل حلها، ولكن الأجهزة المعنية لا تتعامل معها بجدية، في حين يمكن حلها من خلال فتح دور رعاية جديدة لإيواء هؤلاء المتسولين.
ورغم دخول عقوبات مشددة لظاهرة التسوّل في الأردن حيز التنفيذ مؤخرا، يشكك محللون في جدواها وتقليصها من الظاهرة المتفاقمة، مطالبين بإستراتيجية وطنية شاملة تجمع بين الاقتصادي والاجتماعي والأمني.
ورفعت تعديلات قانونية عقوبة التسول لتصل إلى سنة سجنا في حدها الأعلى بدلا من 3 أشهر، كما رفعت عقوبة التسخير لتصل إلى سنتين، وتغلظ على المكررين بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر إلى سنة، ولا يجوز استعمال الأسباب المخففة التقديرية.
وتصف المادة 389 من قانون العقوبات لسنة 2022 المتسول من استعطى أو طلب الصدقة من الناس متذرعا في ذلك بعرض جروح أو عاهة فيه أو اصطنعها أو بأي وسيلة أخرى سواء أكان متجولا أو جالسا في محل عام، أو وجد يقود قاصرا دون السادسة عشرة من عمره للتسول وجمع الصدقات أو يشجعه على ذلك، بالإضافة إلى عرض سلع تافهة أو ألعاب استعراضية أو غير ذلك من الأعمال التي لا تصلح بذاتها موردا جديا للعيش بقصد التسول، أو استعمال أي وسيلة أخرى من وسائل الغش لاستدرار عطف الجمهور، أو جمع الصدقات أو التبرعات الخيرية مهما كان نوعها استنادا إلى ادعاء كاذب.
أكثر من 15.7 في المئة من السكان في المملكة يعيشون تحت خط الفقر
ويؤكد أستاذ علم النفس الاجتماعي طارق عناني أهمية تكاتف المجتمع بأكمله لمناهضة ظاهرة التسول، بداية من توسيع المشاركة العملية في حل قضية أطفال الشوارع، مثلما هي الحال في بعض الجمعيات الأهلية التي تحمل على عاتقها مساعدتهم ورعايتهم، والاهتمام بالتعليم، خاصة لمن نشأ في ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية.
ويشدد عناني على ضرورة القضاء على البطالة في المجتمع، والتشدد في إلزامية التعليم حتى لا يستغل الأطفال في امتهان التسول وإبعادهم عن حقل التعليم، مع إيجاد فرص عمل لطلبة المدارس في العطلة الصيفية.
وتشكل البطالة التحدي الضاغط والمزمن على الاقتصاد الأردني، وقد ازداد هذا التحدي بشكل غير مسبوق نتيجة لتفشي فايروس كورونا.
وتظهر الأرقام الرسمية أن المعدل الإجمالي للبطالة ارتفع من 19.1 في المئة في الربع الثالث من عام 2019 إلى 23.9 في المئة خلال الربع الثالث من عام 2020 ليعاود الانخفاض بشكل طفيف إلى 23.2 في المئة في الربع الثالث من العام الماضي.
وتؤدي هذه المعدلات المرتفعة من البطالة إلى ارتفاع الكلف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على الأردنيين، مما يحتّم على الجميع ضرورة إيجاد حلول عملية وفعّالة للحدّ من هذا الارتفاع من قبل الحكومة والقطاع الخاص على حدّ السواء.
ويقول المجلس الأعلى للسكان (حكومي) إن أكثر من 15.7 في المئة من السكان في المملكة يعيشون تحت خط الفقر، مشيرا إلى أن ثلث السكان في البلاد يعتبرون فقراء.
وتفاقمت معدلات الفقر والبطالة بسبب ضعف قدرة السوق على إيجاد الوظائف الجديدة، وفقدان الوظائف وإغلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة الريادية وإفلاسها.