ضغوط شعبية سودانية لتخفيف قسوة الضرائب والرسوم

الخرطوم- يواجه تنفيذ الحكومة السودانية لخططها المتعلقة بتعبئة المزيد من الموارد للخزينة العامة الفارغة معارضة شديدة، بعدما تزايدت الضغوط الشعبية في الآونة الأخيرة لتخفيف قسوة الضرائب والرسوم.
ورغم ما يبثه المسؤولون من جدوى ما تقوم به السلطات لتجاوز الأزمة المالية، إلا أن الإضرابات العمالية، التي شلت قطاعات حيوية مؤخرا احتجاجا على تردي الرواتب وتفاقم الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، تعكس بوضوح صعوبة اقتناع الناس بإستراتيجيتها.
واضطر الآلاف من العمال والطلاب بالعاصمة الخرطوم إلى الذهاب والعودة من أماكن العمل والدراسة مشيا بعد دخول أصحاب حافلات النقل العام منذ الأحد الماضي في إضراب مفتوح احتجاجا على ارتفاع رسوم الترخيص والمخالفات المرورية والضرائب. ويعتمد ما يزيد عن 75 في المئة من سكان العاصمة على الحافلات كوسيلة نقل رئيسية.
وقال رمزي صالح وهو طالب في كلية علوم البصريات بأم درمان “تفاجأنا اليوم بإضراب أصحاب الحافلات مما اضطرنا للذهاب مشيا إلى الكلية”. وأوضح في تصريح لوكالة شينخوا أن هذه معاناة إضافية في ظل التردي الاقتصادي والمعاناة التي تعانيها قطاعات مختلفة من الشعب السوداني.
في المقابل، دافع عبدالرحيم فضل وهو مالك لإحدى حافلات النقل العام بالخرطوم عن قرار الإضراب. وقال إن “هناك زيادات كبيرة في رسوم الترخيص وارتفاع قيمة المخالفات المرورية والضرائب علي قطاع النقل”.
وتابع “هذه التكاليف الإضافية تؤثر علي قطاع النقل ولا نستطيع الآن توفيرها في ظل ثبات قيمة الترحيل وإلزامنا بقيمة أقل للطلاب”. وانضمت إلى قطاع النقل إضرابات مستمرة من قطاعات مختلفة من بينها التعليم وطلاب الجامعات وقطاع الضرائب والأرصاد الجوية.
وحذر المحلل الاقتصادي السوداني كمال عوض من تأثيرات الإضرابات على القطاعات ولاسيما الإنتاجية. وقال “خلال 2022 ضاع أكثر من مئة يوم بسبب الإضرابات المتكررة التي كانت لها تأثيرات سلبية في قطاعات خدمية وإنتاجية مهمة”.
وأضاف “كما تأثر القطاع التعليمي والتحصيل الدراسي واضطرت وزارة التربية والتعليم إلى تغيير التقويم الدراسي عدة مرات”.
وتشهد عدة جامعات إضرابات من حين لآخر بسبب ارتفاع رسوم الدراسة بالجامعات الحكومية والخاصة. وقد أصدرت عشرون نقابة تعليمية بيانا مشتركا ينتقد رفع الرسوم الدراسية بالجامعات بنسبة تقارب 800 في المئة.
وقالت “في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة تشكل زيادة رسوم الجامعات عبئا إضافيا على الأسر التي لا تستطيع تحمل الزيادة مقارنة بالعام الدراسي الماضي”.
وما يزال إضراب المعلمين مستمرا منذ نحو أسبوع وهو ما اضطر الحكومة إلى تعطيل الدراسة حتى نهاية يناير الجاري، فيما تسود حالة ضبابية في الوضع الاقتصادي، في ظل تعثر جهود المصادقة على ميزانية 2023.
ويعاني السودان من أزمة اقتصادية بسبب انخفاض قيمة الجنيه وازدياد معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، فيما تحاول السلطات معالجة عجز الإيرادات بفرض رسوم وضرائب.
وذكر الجهاز المركزي للإحصاء الاثنين أن التضخم انخفض بمقدار ضئيل في ديسمبر الماضي إلى 87.3 في المئة من 88.8 في المئة مسجلة في الشهر السابق.
السودان يعاني من أزمة اقتصادية بسبب انخفاض قيمة الجنيه وازدياد معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية
وقال البنك الدولي في تقرير “الآفاق الاقتصادية العالمية” الذي أصدره مؤخرا إنه “يمكن أن تؤدي الديون وعدم اليقين بشأن السياسات والعنف والصراع في السودان إلى إبقاء وتيرة التعافي والنمو منخفضة وبطيئة”.
وتوقع أن يحقق الاقتصاد السوداني نموا في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام ليبلغ نحو 2 في المئة بعد ثلاث سنوات من الانكماش على أن يبلغ العام المقبل نحو 2.5 في المئة. ولكنه أشار إلى أن أي تباطؤ في النمو قد يمثل تحديا هائلا للتنمية في بلد محاصر بقلة الفرص الاستثمارية وخمول في الأعمال وبطالة مرتفعة.
وقال “يمكن أن تزيد العوائد بنسبة 1.2 في المئة فقط في المتوسط خلال 2023 و2024، لكنه معدل أبطأ بكثير مقارنة بما هو مطلوب للحفاظ على التقدم في الحد من الفقر وعكس خسائر الدخل التي تكبدتها البلاد بسبب الوباء وغيره”.
وكانت الحكومة الانتقالية السابقة برئاسة عبدالله حمدوك التي تشكلت في 2019 قد بدأت في تنفيذ خطة إصلاح اقتصادية بمراقبة البنك الدولي لإسقاط ديون البلد والتي تقدر بنحو 60 مليار دولار.
لكن الخطة تعطلت بعد الإجراءات التي اتخذها الجيش في أكتوبر 2021 بحل الحكومة وفرض حالة الطوارئ. وترتب عن ذلك تعليق الولايات المتحدة ومؤسسة مالية دولية مانحة مساعدات بمئات الملايين من الدولارات كانت مقررة للسودان.
وعانى الاقتصاد السوداني طيلة عقود من اختلال في توازن القطاع الخارجي وضعف في القطاع المصرفي بجانب المشكلات الهيكلية المتمثلة في ضعف الإنتاج والإنتاجية وتهالك وعدم كفاية البنى الأساسية.
كما أن التدهور في البنية التحتية لقطاع الخدمات الاجتماعية وضعف الحوكمة المالية وضعف البيئة المحفزة للقطاع الخاص والتدهور في الخدمات الاجتماعية أحد أسباب الأزمة المالية الخانقة في البلاد.