ضريبة عدم اليقين الاقتصادي في 2023 تدفعها أسواق العمل

تحمل التوقعات حول أسواق العمل خلال 2023 الكثير من التشاؤم بالنظر إلى التركة الثقيلة التي لا يزال يخلفها الوباء والحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، وسط تحذيرات من أن تتفاقم المشكلة بحدة إن لم يتحرك صانعو السياسات على عجل لمعالجتها.
جنيف (سويسرا) – حذرت منظمة العمل الدولية من أنّ التباطؤ الحالي في الاقتصاد العالمي سيُجبر المزيد من العمّال على قبول وظائف منخفضة الأجور ومحفوفة بالمخاطر تفتقر إلى الحماية الاجتماعية، ما يفاقم انعدام المساواة الذي زادت جراء الأزمة الصحية.
وستضرب ندرة الوظائف الجديدة البلدان خلال عام 2023 بسبب استمرارا ارتدادات الحرب في أوكرانيا على الأعمال في ظل الفائدة المرتفعة والتضخم، في وقت لا يزال فيه الكثيرون يتعافون من الصدمة الاقتصادية للوباء العالمي.
ووسط نقص في اليد العاملة منذ أشهر، يزداد الطلب بشدة في جميع أنحاء العالم على العمال والموظفين، من سبّاكين في ألمانيا وسعاة بريد في الولايات المتحدة ومهندسين في أستراليا وممرضات في كندا وعمال بناء في فرنسا.
وتوقعت المنظمة في تقرير حديث نشرته على منصتها الإلكترونية الاثنين ارتفاعا طفيفا في أرقام البطالة العالمية هذا العام بحوالي ثلاثة ملايين شخص بينما سيؤثر التضخم على الأجور الحقيقية.
وفي ضوء ذلك، سيصل العدد إلى 208 ملايين شخص، وهو ما يمثل تحوّلا عن الانخفاض الملحوظ الذي سجل حلال الفترة الفاصلة بين عامي 2020 و2022.
وتشير التقديرات إلى أن مستوى متوسط البطالة العالمي يبلغ حوالي 5.8 في المئة، لكن الأرقام تختلف بين الاقتصادات الكبيرة كالولايات المتحدة والصين، وبين الاقتصادات الناشئة مثل تركيا والبرازيل، والاقتصادات النامية مثل معظم البلدان العربية والأفريقية.
ووفقا لتقرير المنظمة، الذي تخصّصه سنويا للتوظيف، فإنه بالإضافة إلى ذلك، وفي الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار بشكل أسرع من الدخل الإسمي للعمالة بسبب مستويات التضخّم القياسية، فإنّ المزيد من الأشخاص معرّضون لخطر الوقوع في دوامة الفقر.
ويأتي هذا الاتجاه ليُضاف إلى الانخفاضات الكبيرة في الدخل التي لوحظت خلال الأزمة الصحية، ما حتم إعادة تشكيل أسواق العمل حتى تتأقلم مع الواقع الاقتصادي العالمي الجديد.
وسلطت المنظمة في تقريرها الضوء على تأثيرات التوترات الجيوسياسية الجديدة والحرب في أوكرانيا والانتعاش غير المتكافئ بعد الوباء واستمرار المشاكل التي تواجهها سلاسل التوريد العالمية.
وذكرت أن عوامل أدت مجتمعة إلى “ظروف حدوث حلقة من التضخّم المصحوب بالركود، تجمع في الوقت ذاته بين التضخّم المرتفع والنمو الضعيف للمرة الأولى منذ سبعينات القرن الماضي”.
وقال المدير العام للمنظمة جيلبرت هونغبو في مقدمة التقرير إنّ “توقعات تباطؤ النمو الاقتصادي والتوظيف في العام 2023 تعني أنّ معظم الدول لن تتعافى تماما إلى مستويات ما قبل الجائحة”.
ومن المتوقع أن يتباطأ نمو الوظائف بشكل ملحوظ هذه السنة لتسجل واحدا في المئة قياسا بنحو 2.3 في المئة خلال العام الماضي، في تراجع بمقدار 0.5 نقطة مئوية عن التوقّعات السابقة.
وثمة قناعة راسخة لدى مجتمع الخبراء بأن فقدان العمل يساهم في انخفاض مداخيل الأسر ويؤدي إلى تدهور المدخرات، فضلا عن تضرر القدرة الشرائية، وبالتالي خطر عدم الاستقرار الاجتماعي والمالي.
وأكد مدير قسم الأبحاث في المنظمة ومنسّق التقرير ريتشارد سامانس في بيان “بسبب تباطؤ نمو العمالة العالمية، لا نتوقع أن نكون قادرين على تعويض الخسائر التي تمّ تكبُّدها خلال أزمة كوفيد قبل العام 2025”.
ومع ذلك، تقول المنظمة إنّه من المتوقّع أن ترتفع البطالة بشكل معتدل هذا العام، لأنّ جزءا كبيرا من الصدمة يتمّ امتصاصه من خلال الانخفاض السريع في الأجور الحقيقية في إطار تسارُع التضخّم، بدلاً من خفض الوظائف.
ويحدّد التقرير أيضا مقياسا عالميا جديدا لاحتياجات التوظيف غير الملبّاة، وهو “فجوة الوظائف العالمية”.
فإضافة إلى الأشخاص العاطلين وعددهم 205 ملايين شخص في 2022، يشمل هذا المقياس الأشخاص الذين يريدون العمل ولكنهم لا يبحثون عن الفرص بنشاط وعددهم 268 مليون شخص، إمّا لأنهم محبطون أو لأن لديهم مسؤوليات أخرى ذات طبيعة عائلية.
وخلال العام الماضي، وصلت هذه الفجوة في الوظائف العالمية إلى 473 مليون شخص، أي أكثر ممّا كانت عليه في العام 2019. وتعدّ كبيرة خصوصا بالنسبة إلى النساء وفي البلدان النامية.
ويشير خبراء المنظمة إلى أنّ “التباطؤ الحالي يعني أنّ العديد من العمّال سيُضطرّون إلى قبول وظائف أقل جودة، وغالبا ما تكون الرواتب متدنية، وفي بعض الأحيان مع ساعات عمل غير كافية”.
ويواجه الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما خصوصا، صعوبات جسيمة في العثور على عمل لائق والحفاظ عليه، إذ أنّ معدّل البطالة بين هؤلاء أكثر بثلاثة أضعاف منه لدى من هم أكبر سنّاً.
3
ملايين شخص سينضمون إلى جحافل العاطلين هذا العام ليبلغ العدد 208 ملايين شخص
ورغم التباطؤ العام، تبقى بعض البلدان والقطاعات معرّضة لخطر النقص في العمالة الماهرة. ولذلك، تدعو منظمة العمل الدولية إلى زيادة كبيرة في الاستثمارات في التعليم والتدريب لأنّ “ثلثي الشباب العاملين في العالم يفتقرون إلى المهارات الأساسية”.
ووفق التقرير، فإنّ تعافي سوق العمل بعد أزمة كوفيد كان مدفوعا بشكل أساسي بالعمالة غير الرسمية.
ففي العام 2022، كان نحو ملياري شخص يعملون في وظائف غير رسمية، كما كان 214 مليون عامل يعيشون في فقر مدقع وبدخل أقل من دولارين يوميا، أي حوالى 6.4 في المئة من القوة العاملة النشيطة.
وأداء النساء والشباب أسوأ بكثير في أسواق العمل. وعلى الصعيد العالمي، بلغ معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة 47.4 في المئة في العام الماضي، مقارنة بنحو 72.3 في المئة للرجال.
وتعني هذه الفجوة البالغة 24.9 نقطة مئوية أن هناك امرأتين مقابل كل رجل غير نشط اقتصاديا.
