الممارسة الفنية الجمالية تمرد على الواقع ورفض للسائد

العمل الفني بات مشحونا رمزيا وأصبح شكله وتشكيله الاستيطيقي عبارة عن رمز يحمل العديد من الدلالات.
الثلاثاء 2023/01/17
الشكل تأويل الرسام للأشياء (لوحة: ماهر عمارة)

إن الثورة على السائد لا بد أن تنشأ من منطلق الممارسة التشكيلية نفسها وفهم لأصول الفن وتشبع برؤى تحرره، فكسر قيود النمطية والبحث عن بديل وإعادة النظر في كيفية التعامل مع الفعل التشكيلي الذي يتجاوز به التمثيل السطحي الواضح والبسيط للواقع يؤسس لعلاقات تواصلية ظاهرة وخفية، علاقات تقيم الدليل على أن الرسام أراد من خلالها إرساء جمالية تقوم على مفاهيم.

والممارسة الفنية الجمالية تتمرد على الواقع الأليف متخذة من الرفض لما هو سائد قوة دفع في اتجاه الخلق وتنوع أشكال الإبداع واستحداث مفاهيم جديدة متجددة.

مثل هذه الاتجاهات نجد لها صدى في ربوعنا داخل مسارات عديدة وسمو إلى المعاني بجميع مراتبها سواء كانت حسية أو عقلية وهذا تبيان لخصوصية الإطار الفكري والجمالي الذي يضبط علاقة المحسوس بالمعقول أو الدال بالمدلول، يتوسل بها الرسام في شكل جملة من الوحدات التشكيلية تؤسس لعلاقات لغوية تحتوي على جانبين مهمين هما الشكل والمعنى أو الدلالة.والشكل بما هو تصور وتأويل الرسام للأشياء والمصنوعات المطروحة والمعنى والدلالة تظل رهينة المتقبل باعتبارها تخضع لعدة تفسيرات ولكونها أيضا تتضمن بعدا غامضا إن أنها تظل رهينة التفكير.

الممارسة الفنية الجمالية تتمرد على الواقع الأليف متخذة من الرفض لما هو سائد قوة دفع في اتجاه الخلق
الممارسة الفنية الجمالية تتمرد على الواقع الأليف متخذة من الرفض لما هو سائد قوة دفع في اتجاه الخلق

والعمل الفني بات مشحونا رمزيا وأصبح شكله وتشكيله الاستيطيقي عبارة عن رمز يحمل العديد من الدلالات إن هو دال يحافظ على جزء من أجزاء المدلول عليه فيبسطها ويسهل تقديمها أو يجردها ويدخلها في نسق معرفي تشكيلي، سواء في قالب تقني أو تعريف لغوي أو معاكسة مرئية أو هو ذائقة فنية مربوطة بالإنتاج التشكيلي لتخرج المعطيات الفنية بذلك عن استنادها على بنية ومواضيع وتراكيب وصياغات تشكيلية فقط بل هي تمزج وتتأثر بمعطيات ثقافية وأيديولوجية تحكم منهج الرسام.

وقد ساد الاعتقاد عند أغلب المفكرين أن العمل الفني لا يوجد بذاته بل بالمعنى الذي يأخذه هو، معنى ليس بالضرورة مقصودا من طرف الفنان وتبدو المفارقة واضحة في عملية تبين العملية الإبداعية وأسس الجمال فيها ومنظور الضرورة التبعية من جهة أولى والكينونة والعرضية من جهة ثانية.

كما يفرض الإنسان بذلك على الواقع قوة تحكم عبر الحرفة والإرادة اللتين تتجليان في مستوى الفعل الإبداعي فهو بالنسبة إلى المبدع منبع اللذة كما هو بمثابة اللعب الخالص لملكات الذات، وتبين العملية الإبداعية.

والجميل فيها هو تفريقها عن الوجود، وهو فصل للشعور باللذة الجمالية عن قابلية الاستهلاك ليصير الموضوع الجمالي هنا غير قابل للامتلاك عند الاستمتاع به بما يؤسس لكينونة خالصة تعطي للشكل الإبداعي إقامة دائمة في الحرية وهروبا عن ضرورة معنوية.

كما أن في العمل التشكيلي تعبيرا يبحث فيه الفنان عن قيمة وجودية من خلال قصدية الفعل التشكيلي الذي أسس تباينا في شكل الممارسة الفنية في التعبير وعرض الصورة التشكيلية، فهي رأي خاص وأسلوب متفرد في الكشف عن ارتباط عضوي يربط الشكل بالتقنية. والأسلوب في العمل الفني يمثل المادة والفكر والشكل والمضمون وما تفرزه من طرح لجملة من المفاهيم والتساؤلات والمساءلات والعلاقات التشكيلية التي تجعل من عملية البحث مستوى قيما وثريا بقدر ثراء البناء التشكيلي في التجربة الفنية بما هو تعبير فني حسي في علاقة بماهية المبدع الناشط، في علاقة تفاعلية مع المحيط الذي يعيشه، أين يتأثر به، وبذلك تنشأ علاقة قوية بين عالمه الداخلي والخارجي لينبثق بينهما عالم ثالث تلتحم فيه المادة مع الذات يحركهما الفكر.

ذلك النشاط الذي لا يهدأ أبدا ليقيم إنتاجا وليد معاناة حسية ذهنية يجعل الفضاء التشكيلي للوحة ميدانا فسيحا تتلاقى فيه الأشكال متفاعلة في انسجام مع النظام التركيبي والألوان المختارة وقوفا على المشاهد البسيطة. كما أن الطابع التشكيلي يكون في شكل معين يتبناه الفنان حتى يميّز به أعماله وهو تجاوز للظاهر والشكل إلى ما هو أعمق وأدق. وهو التجديد شكلا ومضمونا، وما تعبر عنه من جدية وفكر متبصر يخرق حدود التقليدي ويؤسس لرؤى جديدة.

14