مكسيم غوركي ينصح كل كاتب بأن يقرأ تاريخ الأدب أولا

كتاب "كيف تعلمت الكتابة" يبقى من أهم الآثار الأدبية التي تدرس ظاهرة الإبداع الأدبي.
الثلاثاء 2023/01/10
كاتب تمازج أدبه مع حياته

مسقط - يجيب كتاب “كيف تعلمت الكتابة؟” للكاتب الروسي الراحل مكسيم غوركي عن سؤال تلقاه حول الكتابة في العموم، وتجربته فيها، وأثناء حديثه عن مشروعه الكتابي في كثير من المدن الروسية ظل القراء والمهتمون يواجهونه بسؤال: كيف بدأت الكتابة وكيف تعلمتها؟ فما كان من هذا السؤال إلا أن أصبح كتابا كاملا.

وشرع المؤلف في كتابه بتأمل السؤال وتقييم الرغبة في معرفة أسرار الاشتغال المحترف الكتابي، وكتب في بدايته “سئلت عبر رسائل وردتني، من عمال ومراسلين حربيين، وفي العموم كانوا شبابا مبتدئين في الأدب، الكثيرون اقترحوا عليّ وضع كتاب عن كيفية تأليف القصص، وأن أصنف نظرية أدبية وأؤلف كتابا تعليميا في الأدب”.

وأضاف “لن أقدر على تأليف كتاب تعليمي كهذا؛ تنقصني الشجاعة لذلك، ناهيكم عن أن كتبا كهذه، حتى وإن كانت بلا جودة كبيرة ولكنها مفيدة رغم ذلك، موجودة لدينا بالفعل، ولا بد للمبتدئين في الكتابة اكتساب معرفة بتاريخ الأدب، ولأجل تحقيق هذا من المفيد قراءة كتاب ‘تاريخ الأدب’ لفاسيلي كيلتويالا، منشورات الدار الحكومية، ففيه تعريف جيد لتطور اللغة الشفهية ‘الشعبية‘ ولغة الكتابة والإبداع الأدبية”.

في ترجمة عمانية جديدة يكشف مكسيم غوركي عن أسرار الكتابة وكيف تعلمها وأتقنها من خلال قراءته لمن سبقوه

وقد صدر الكتاب عن دار نثر للنشر في محافظة مسقط بترجمة جديدة ترجمها من اللغة الروسية المترجم العماني أحمد الرحبي، في 48 صفحة من القطع المتوسطة، إذ يبقى هذا الكتاب رغم مرور سنين على تأليفه ونشره مرجعا أدبيا هاما للراغبين في الغوص أكثر في تجربة الكتابة وكيف نظر إليها أبرز الكتاب.

ونقرأ في غلاف الكتاب من هذه الترجمة ما يؤكده جوركي إذ يقول “أدرك أن ما شاهدته وجربته وسمعته كثير ويستحق، بل ويجب علي أن أرويه للناس، راودني شعور بأنني أعرف وأشعر بشيء لا يعرفه ويشعر به الآخرون، وقد كان هذا مصدرا لضيقي وقلقي وتوهماتي”.

وأضاف “كنت عند قراءتي كتب أساتذة من أمثال تورغينيف أفكر أحيانا بأنني قادر على أن أروي ‘مذكرات صياد‘ – مثلا – بطريقة تختلف عن طريقة تورغينيف، في ذلك العمر كنت أعتبَر حكاء مميزا، ينصت إليّ الحمالون والخبازون و‘المشردون‘ والنجارون وعمال السكك الحديدية وكل من عشت بينهم بشكل عام، حين كنت أروي لهم الكتب التي قرأتها، أجد نفسي وعلى نحو متزايد أروي قصصا خاطئة تشوه ما قرأته في الكتب، فأضيف إليها أشياء تخصني ومن وحي تجربتي، حدث ذلك لأن وقائع الحياة والأدب قد اندمجت لدي في كل واحد، إن الكتب هي الأخرى ظاهرة من ظواهر الحياة كالإنسان، إنها حقيقة حية أيضا، حقيقة تتحدث وهي أقل ‘شيء’ مادي من بين الأشياء المادية التي صنعها الإنسان ومازال يصنعها”.

كتاب مهم لمعرفة خفايا الكتابة عند كاتب عالمي مثل غوركي
كتاب مهم لمعرفة خفايا الكتابة عند كاتب عالمي مثل غوركي

ويبقى كتاب “كيف تعلمت الكتابة” من أهم الآثار الأدبية التي تدرس ظاهرة الإبداع الأدبي، ويبقى كتابا مهما أيضا لمعرفة خفايا الكتابة عند كاتب عالمي مثل غوركي عانى في حياته من تقلبات كثيرة، فقد عاش يتيما مشردا وحاول الانتحار بينما نال الملاحقة والسجن بسبب انتمائه السياسي. ورغم كل تلك الظروف الصعبة أنتج هذا الكاتب روايات مهمة ظلت علامة بارزة في تاريخ الرّواية العالمية، ومن أهمها رواية “الأم”.

وحاول غوركي أيضا كتابة الشعر، ولكنه لم يفلح في ذلك. لكنه كان قارئا نهما، وخاصة للأدب الفرنسي، وكان ينصح الشباب بتعلم الفرنسية “كي يتمكنوا من قراءة الكتاب العظماء بلغتهم الأصلية، ويتعلموا منهم فن الكلمة”.

وتحتاج آراء غوركي إلى التأمل والتروي في تقبلها، فهي ليست سطحية أو عابرة، فقد كان ينظر إلى حركة الإبداع من منظور شمولي، يستوعب الإنسان وقضاياه، الحياتية والدينية والاجتماعية وحتى النفسية وغيرها فيحيط بذلك بما يعالجه من مواضيع من شتى النواحي.

وإن كانت هناك نصيحة أو رأي أساسي يمكن الخروج به من هذا الكتاب فإنه سيكون القراءة كفعل ضروري للكتابة، الذي يتطلب الإلمام بشتى نواحي الامور وخاصة كما يفسر هو ذلك الاطلاع على تاريخ الأدب، وهي خاصية قد تغيب أهميتها عن الكثير من الكتاب المبتدئين الذين يكتفون بمواد معاصرة، ويهملون تاريخ الأدب بشكل يجعل منهم ناقصي اطلاع وبالتالي لا تذهب نصوصهم أبعد من الانفعالات الذاتية.

والجدير بالذكر أن المترجم أحمد الرحبي قدم ترجمات وازنة من اللغة الروسية إلى اللغة العربية، لعل أكثرها من نصيب كتابات جوركي.

ويعد الرحبي أحد أبرز المترجمين من اللغة الروسية، ومن ترجماته المنشورة في السنوات الماضية نذكر “زواج الطاهية لانطوان تشيخوف” و”انتقام تشيك الرهيب” قصص من اللغة الروسية صدرت عن مشروع كتاب نزوى، كما قدم للقراء سيرة جوركي في ثلاثة أجزاء، وهي” الطفولة و”بين الناس” و”جامعاتي”.

12