عودة نتنياهو كابوس سياسي وأمني للأردن

تشكل عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم في إسرائيل كابوسا أمنيا وسياسيا للأردن الذي يستعد لمرحلة مضطربة في المنطقة قد تعمق أزماته الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. وبعودة نتنياهو يتوقع مراقبون عودة التوتر إلى العلاقات بعدما شهدت تحسنا ملحوظا في عهد سلفه نفتالي بينيت.
عمان - لم يمض أكثر من أسبوع على تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية حتى ترجمت حكومته اليمينية المتطرفة أقوالها إلى أفعال في القدس التي تقع تحت الوصاية الهاشمية، فيما يتوقع محللون بشكل واسع عودة التوتر إلى العلاقات الأردنية - الإسرائيلية بعدما شهدت تحسنا ملحوظا توج بتوقيع العديد من الاتفاقيات مع حكومة نفتالي بينيت السابقة.
وعاد نتنياهو إلى الحكم وسط مخاوف من حدوث قطيعة متجددة مع عمّان، حيث التقى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عدة مرات برئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت وخلفه يائير لابيد ووزير الحرب بيني غانتس.
المسؤولون الأردنيون يخشون أن يذهب جميع ما يعتبرونه إنجازات تحققت في العام ونصف العام الماضيين هباء
ولأول مرة اتفق الجانبان على مشروع لإعادة تأهيل جنوب نهر الأردن، وزادت إسرائيل كمية المياه التي تبيعها للأردنيين. ومؤخرا التقى الملك عبدالله الثاني على هامش مؤتمر المناخ في شرم الشيخ بالرئيس إسحاق هرتسوغ، إلا أن العلاقات التي تحسنت تدريجيا مع الحكومة السابقة قد تشهد تراجعا حادا يشمل إلغاء الاتفاقيات المبرمة وقطيعة على مستوى التنسيق الأمني بين عمان وتل أبيب وهو ما يضع المنطقة على فوهة بركان.
وقال رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز الأحد إن “منطقتنا تعيش اليوم صراعات وحالة من عدم الاستقرار السياسي، كما أن إسرائيل مازالت ترفض السلام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني”، منوها إلى أنه في ظل أزمات المنطقة والأحداث الأليمة فيها كان الأردن البلد الأكثر تضررا من هذه الصراعات.
وخلافاً لمعظم رؤساء الحكومات الإسرائيلية جاهر نتنياهو بعدائه للأردن واستعداده لإسقاط دوره في القضية الفلسطينية.
ويعتقد مراقبون أنه من ضمن التحديات التي يمكن لنتنياهو وفريقه من الوزراء المتشددين استغلالها ضد الأردن التحدي الاقتصادي والوحدة الوطنية والجبهة الداخلية.
وتستعيد الأوساط السياسية والدبلوماسية في الأردن مع عودة نتنياهو إلى الحكم أحداثا سلبية من عهده السابق، سواء أحداث البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى أو حادثة السفارة في عمان، وهي أزمات من الماضي لا تستبعد عمان أن تتجدد، لاسيما أن نتنياهو محاط بمجموعة من اليمينيين المتشددين.
ويقول إيتمار آيخنر المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت إن “الأردن ربما يكون الدولة الأكثر قلقاً من تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل، لأن حكومتي بينيت - لابيد استعادتا العلاقات معه بعد فترة طويلة من التوترات والانفصال بين نتنياهو والملك عبدالله الثاني، واليوم يبدو صعبا في المحادثات مع المسؤولين الأردنيين عدم الشعور بقلق عميق تجاه ما سيأتي. صحيح أنهم من الناحية الرسمية حذرون، ويقولون إنهم سيحكمون على حكومة نتنياهو من أفعاله، لكنهم قلقون للغاية في أعماقهم”.
وأضاف آيخنر أن “المسؤولين الأردنيين يخشون أن يذهب جميع ما يعتبرونه إنجازات تحققت في العام ونصف العام الماضيين هباءً، فهم لا يثقون بنتنياهو الذي يحاول نقل رسائل مطمئنة، ويخافون كل الخوف من أن يتم تغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى، وينبع ذلك بشكل أساسي من إيتمار بن غفير، لأن تعيينه وزيراً للأمن الداخلي يشير إلى أن إسرائيل تنوي إجراء تغييرات بعيدة المدى في المسجد الأقصى”.
والثلاثاء الماضي اقتحم بن غفير ساحات المسجد الأقصى، ما خلف إدانات دولية وعربية، فيما حذر العاهل الأردني من انتفاضة فلسطينية ثالثة داعيا الولايات المتحدة إلى التدخل والضغط على حكومة نتنياهو.
وتناقلت تقارير غربية نقلا عن دبلوماسيين أن العاهل الأردني قلق من عودة العمل على صفقة القرن التي اقترحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رفقة نتنياهو في وقت سابق. ومن أبرز بنود صفقة القرن نقل الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن مقابل مزايا مالية واقتصادية لعمان.
ويخشى الملك عبدالله الثاني أيضا أن تلحق حكومة نتنياهو الضرر بالوضع الراهن وتعمل على إلغاء الولاية الأردنية في المسجد الأقصى وتسمح لليهود باقتحام المسجد الأقصى والصلاة فيه، الأمر الذي “يلغي الهوية العربية والإسلامية” للمكان.
وعرفت العلاقة خلال سنوات حكم نتنياهو تقلبات، وقد حصلت إحدى ذروات تأزم العلاقة عندما وجد نفسه مجبرا على إلغاء زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة في مارس 2021 بعد أن منعت عمان مرور رحلته إلى هناك عبر الأجواء الأردنية، وقد جاء ذلك رداً على إلغاء زيارة ولي العهد الأردني إلى المسجد الأقصى بسبب الخلاف حول الترتيبات الأمنية هناك.
ثم رد نتنياهو بغضب وأمر بإبلاغ الأردن أن “المجال الجوي الإسرائيلي” مغلق أمام جميع الرحلات الجوية من وإلى الأردن.
ووقع حادث آخر خلال يوليو 2017 في السفارة الإسرائيلية في عمان، حيث قتل حارس أمن إسرائيلي مواطنين أردنيين اثنين في شقة بمجمع السفارة الإسرائيلية بعد أن طعن أحد الأردنيين، ما تسبب في أزمة دبلوماسية غير مسبوقة.
وذهب رئيس الشاباك في ذلك الوقت نداف أرغمان إلى عمان وتمكن من حل الأزمة، لكن بعد ذلك استقبل نتنياهو حارس الأمن زيف مويال في مكتب رئيس الوزراء، وتم نشر مقطع فيديو للاجتماع مع حارس الأمن، الأمر الذي أثار غضباً شديداً في عمان.
وكان الملك عبدالله الثاني رفض لقاء نتنياهو أو الرد على مكالماته خلال الأعوام الماضية أكثر من مرة واعتبره شريك سلام غير مرغوب فيه، محملاً إياه مسؤولية كل القرارات الإسرائيلية التي استهدفت القدس والوصاية الهاشمية، فضلاً عن قرار ضم مستوطنات الضفة الغربية والأغوار.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت اتهم نتنياهو في أغسطس الماضي بالتسبب في القطيعة مع الأردن، محملاً إياه مسؤولية تدهور العلاقات بين الطرفين خلال الفترة الماضية التي شهدت توتراً وصل إلى حد التهديدات المتبادلة.
ويقدر المتابعون للعلاقات الإسرائيلية - الأردنية أنه لن يكون هناك أي ضرر للعلاقات الأمنية بين الدول، حتى بدخول رئيس الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش إلى وزارة الجيش، فالعلاقات بين الأجهزة الأمنية قوية ولا يترتب على تكليف وزير أو آخر إضرار بالعلاقة، لكن في النهاية مفتاح العلاقة في يد الملك عبدالله الثاني، فهو الذي بإمكانه منح نتنياهو فرصة أخرى بعد الأزمات الحادة بينهما على مر السنين.
والعقبة الأخرى التي يمكن أن تتحدى العلاقات بين المملكة وتل أبيب هي الفلسطينيين الذين لن يقفوا مكتوفي الأيدي، ومن المرجح أن يضغطوا على الدول العربية، وعلى رأسها الأردن، لتجميد علاقاتها مع إسرائيل وجعلها تدرك أنها تدفع ثمن إقامة حكومة فيها عناصر مرتبطة باليمين المتطرف.