شح التمويل والتكاليف الباهظة يقوضان قطاع الإنشاءات المغربي

الشركات تضغط على الحكومة لتحسين قدراتها على إنجاز المشاريع.
الاثنين 2023/01/09
ركيزة تحتاج إلى إحكام الضبط

تعطي انطباعات أوساط قطاع البناء المغربي بشأن ما تواجهه شركات المقاولات من تحديات شاقة أكبر من أي وقت مضى في طريق التأقلم مع الظروف الاقتصادية بسبب أزمة السيولة والتكاليف الباهظة، نظرة متشائمة إن لم تتحرك السلطات لتقديم تحفيزات طارئة لتنشيطها.

الرباط – يؤكد انحدار أعمال قطاع الإنشاءات في المغرب أن ثمة منغصات تعترض الشركات لإتمام وإدارة المشاريع العامة، والتي يفترض أن تدعم مسار التنمية الاقتصادية من خلال تحريك ركود الأنشطة المرتبطة به وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب.

وأدى شح التمويلات والتكاليف الباهظة لمدخلات هذا النشاط الحيوي خلال الأشهر الماضية إلى توقف أو تقليص العديد من شركات القطاع لمشاريع إنشائية تقدر بالملايين من الدولارات.

ويقول خبراء إن أعمال البناء والمقاولات أكدت حاجتها إلى فضاءات مهنية جديدة، مع إدماج معايير محددة تتلاءم مع توازناتها المالية التي أنهكها التراجع الحاد في الأنشطة.

وجسد الاتحاد الوطني للبناء والأشغال العمومية في المغرب، وهو تجمع يضم شركات التطوير العقاري، تلك المخاوف مؤخرا حينما لفت أنظار الحكومة إلى هذه المعضلة لتداركها سريعا قبل أن تحتدّ.

محمد محبوب: شركات أفلست بسبب استمرار تداعيات الجائحة والحرب
محمد محبوب: شركات أفلست بسبب استمرار تداعيات الجائحة والحرب

وتعاني شركات البناء والإنشاءات، التي تعمل على إنجاز مشاريع حكومية، أزمة سيولة تُهدد استمرارها بسبب تداعيات ارتفاع أسعار المواد الأولية، الأمر الذي دفعها إلى طلب تمديد آجال تنفيذ المشاريع لمدة نصف عام.

وقال محمد محبوب، رئيس الاتحاد الذي يمثل 7 آلاف شركة خاصة تعمل في قطاع البناء في إطار الصفقات العمومية، إن “القطاع لا يزال يعاني من تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وهو ما دفع عددا من الشركات إلى إعلان الإفلاس”.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن القطاع يشغل حوالي 1.2 مليون شخص، ووصل متوسط قيمة المشاريع، التي أنجزت خلال السنوات بين عامي 2018 و2021، إلى نحو ستين مليار درهم (نحو 5.7 مليار دولار).

وقال محبوب، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ الشرق على هامش مؤتمر صحفي نُظم الأسبوع الماضي في العاصمة الرباط، إن “تأثيرات الجائحة وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا خفضت مشاريع القطاع بعشر مليارات درهم إلى 50 مليار درهم في العام الماضي”.

وترتبط الشركات الخاصة العاملة في قطاع البناء بالصفقات العمومية بشكل كبير، وذلك نظرا لاستحواذ الاستثمار الحكومي على ثلثي إجمالي الاستثمارات التي يتم ضخها في البلاد.

ولا تزال أوجاع اقتصادية خلفتها الأزمات العالمية تؤلم المغاربة والكثير من القطاعات الحيوية، كالسياحة، منذ العام الماضي، وقد واكبتها الحكومة بخطوات غير تقليدية وتسعى إلى جني ثمارها خلال العام الجاري.

ويأمل المغرب خلال العام الجديد طي صفحة 2022 وحصد ثمار مبادرات عديدة أطلقتها الحكومة في الأشهر الماضية لتلافي أثر الأزمات من ارتفاع أسعار المواد الأولية نتيجة تعثر سلاسل الإمداد أو شحها في الأسواق الدولية عقب الحرب الأوكرانية.

وأثر هذا الوضع على العجز التجاري للبلاد ودفع التضخم إلى أعلى المستويات، حيث بلغ نحو 8.3 في المئة، وصولا إلى تأثيرات موسم الجفاف.

 قطاع الإنشاءات

وبينما يمثل ارتفاع الأسعار أبرز التحديات، التي تواجه الاقتصاد المغربي خلال العام الجاري، تظهر الصادرات كداعم أكبر للاقتصاد في عام 2023 بعدما كانت مساندا له في العام الماضي.

واعتمدت الحكومة مؤخرا ميثاقا يمنح حوافز مالية وضريبية لمستثمري القطاع الخاص بهدف الوصول بنسبة الاستثمار الخاص إلى الثلثين بحلول 2035.

وبالإضافة إلى ارتفاع أسعار مواد البناء واجهت شركات القطاع في الأعوام الأخيرة صعوبة في الحصول على تمويلات من البنوك، بسبب تشديد هذه الأخيرة لشروطها.

ووفق محبوب أدت الأزمات المتتالية منذ العام 2020 إلى إفلاس العشرات من الشركات بسبب عدم استحضار الظروف الاستثنائية التي تؤثر في سير تنفيذ مشاريع البناء.

وأكد أنه جرى فسخ العقود ومصادرة الضمانات وفرض الغرامات المالية على الشركات المتأخرة عن التسليم.

وأشار محبوب إلى أن الظروف الاقتصادية الحالية، بما تتضمنه من ضغوط تضخمية، تفرض تمديد آجال تنفيذ المشاريع لمدة ستة أشهر إضافية.

5.7

مليار دولار متوسط قيمة المشاريع التي أنجزها القطاع في الفترة بين عامي 2018 و2021

كما طالب بإقرار مراجعة حقيقية للأسعار المتفق عليها في الصفقات العمومية، إضافة إلى تخصيص دعم مالي للشركات عن استهلاك الوقود، على غرار الدعم الممنوح لقطاع نقل المسافرين.

ومن بين التحديات التي تواجه القطاع عملية تمويل المشاريع، إذ لا يزال القطاع المصرفي يتلكأ في دعمه رغم أن هناك حرصا من العاهل المغربي الملك محمد السادس على أن تكون البنوك مساهما مهما في عمليات التنمية بالبلاد.

ويعد الاستثمار في التشييد، وحتى العقارات في المغرب، واحدا من أهم مصادر الدخل التي يسعى القطاع الخاص والمهنيون للحصول عليها، حيث طالب الفاعلون مرارا بتجاوز عقبة الحصول على التمويل الكافي والخبرة في التعامل مع هذا القطاع الحيوي.

وسبق أن أشار اتحاد البناء والأشغال العمومية إلى أن النظام المصرفي بالبلاد يرى أن قطاع التشييد والإنشاءات يواجه مخاطر عالية، ولم يعد يرغب في منح قروض إضافية لتحسين التوازنات المالية للشركات.

ويتسارع مخاض المغرب لتفعيل ركائز النموذج التنموي الجديد حيث تنكب السلطات على توجيه بوصلتها نحو القطاع الخاص ليقود قاطرة الأنشطة التجارية والاستثمارية، بما يساعد على إعطاء النمو زخما إضافيا وفي الوقت ذاته مواجهة معضلة البطالة.

وتسعى الحكومة من خلال مشروع ميثاق الاستثمار الجديد، الذي أطلقه الملك محمد السادس في فبراير العام الماضي، إلى رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ 350 مليار درهم (33 مليار دولار) في السنوات الثلاث عشرة المقبلة.

وتريد الرباط أن تشكل رؤوس أموال الشركات الخاصة ثلثي إجمالي حجم الاستثمار في البلاد بحلول عام 2035، مع تمكينه من إعطاء دفعة قوية للاقتصاد، بالنظر إلى مضامينه التحفيزية المبتكرة التي تهدف إلى تعزيز قطاع الأعمال.

ووفق التقديرات الرسمية يستأثر القطاع العام بثلثي الاستثمارات حاليا، وبالتالي فإن إحداث انقلاب في طريقة الشراكات مع القطاع الخاص سيكون مفتاح السلطات لنجاح خططها التنموية الواعدة.

 قطاع الإنشاءات

10