الدكتور علي بن تميم: نظرتنا إيجابية إلى النتاج الإبداعي العربي

تطورات العالم الرقمي يراها الإماراتيون بوصفها فرصا وليست عوائق.
الأحد 2023/01/08
لكل مرحلة منجزها الإبداعي

شغل الأكاديمي الإماراتي الدكتور علي بن تميم العديد من المواقع الثقافية الهامة التي قدم من خلالها إنجازات راسخة للثقافة العربية، سواء كمسؤول عن مؤسسات ثقافية رائدة أو من خلال التشجيع على البحث والإبداع. “العرب” التقت الدكتور بن تميم على هامش مؤتمر اللغة العربية بأبوظبي، وحاورناه في الموضوعات الثقافية الراهنة.

 دبي - تنقل الدكتور علي بن تميم بين دراسته الأكاديمية في الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك وجامعة جورج تاون وإكستر. وانتقل بين مناصب ثقافية متعددة: مشروع كلمة للترجمة وإدارة شركة أبوظبي للإعلام، واختير لعضوية اللجنة العليا لجائزة الدولة التقديرية، وبرنامج أمير الشعراء، ولجان تحكيم عدد من الجوائز الثقافية البارزة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أبرزها: جائزة دبي الثقافية، وجائزة خليفة التربوية. كما شغل مناصب تتعلق بالقطاعات الثقافية والتراثية كمنصب رئيس مركز جامع الشيخ زايد الكبير، ورئيسا للجنة التنفيذية، وعضوا في مجلس إدارة الأرشيف الوطني.

ويشغل بن تميم حاليا مناصب ثقافية بارزة منها: منصب رئيس مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة، ومنصب الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، ورئيس تحرير مجلة المركز للدراسات العربية - المجلة المحكمة الأولى التي تصدر كاملة باللغة العربية عن مؤسسة بريل إحدى أهم دور النشر الأوروبية المرموقة، بالإضافة إلى موقع 24 الإخباري.

الدكتور بن تميم مثقف وباحثٌ إماراتي متميز يؤمن بأن الكتاب مشترك حقيقي بين جميع الشعوب، وأهم ثروة إنسانية. نذكر من مؤلفاته التي أصدرها “السرد والظاهرة الدرامية: دراسة في التجليات الدرامية للسرد العربي القديم”، و”زايد بن سلطان آل نهيان”، و”كتاب الشعر على الشعر”، و”بنت بن ظاهر: أبحاث في قصيدتها وسيرتها الشعبية”. تجربة ثرية كان لنا معها هذا الحوار.

الإستراتيجية الثقافية

مركز أبوظبي للغة العربية يسعى إلى رفع مستوى الشغف باللغة العربية والاعتزاز بها محليا ونشرها في الخارج
مركز أبوظبي للغة العربية يسعى إلى رفع مستوى الشغف باللغة العربية والاعتزاز بها محليا ونشرها في الخارج

العرب: مركز أبوظبي للغة العربية إستراتيجية عميقة في تطوير الإبداع الثقافي، إلى أي مدى حقق المركز أهدافه الآنية والبعيدة في الوقت الحاضر؟

علي بن تميم: تأسس مركز أبوظبي للغة العربية بهدف المساهمة في جهود النهوض باللغة العربية، من خلال إستراتيجية تعد من ركائز المشروع التنموي والتأسيسي للهوية الوطنية الذي تمضي في تكريسه دولة الإمارات العربية المتحدة وعاصمتها أبوظبي على مختلف الأصعدة.

نسعى من خلال جملة من البرامج والمشاريع إلى الإسهام الجاد في جهود تعزيز حضور اللغة العربية لجعلها جسرا للتواصل الحضاري علميا وثقافيا وإبداعيا. وفي سبيل ذلك ننظم سلسلة متكاملة من البرامج الثقافية والمهنية على المستويين المحلي والدولي. وندير مجموعة من المشاريع النوعية دورها دعم المواهب الإبداعية في اللغة العربية في كافة تجلياتها العلمية والفنية والأدبية.. والحث على جعل إتقان اللغة العربية أحد معايير التقدير في مختلف المجالات، ومن أبرز ما نراه يحقق ذلك اختبار الكفاءة في اللغة العربية “سمة” الذي طبقناه بالتعاون مع معهد اللغة العربية في باريس، ومن شأنه أن يضفي قدرا من الجدية في التعامل الرسمي مع اللغة العربية في الهيئات والمؤسسات والجامعات وغيرها، مثلما تفعل اللغات الأخرى باشتراط مستويات إجادة محددة للمتحدثين بها، في خطوة تضمن انتشار معرفة منضبطة باللغة العربية وتسهم في حضورها عالميا.

نهتم كذلك بإنتاج محتوى عربي منضبط في الوسائط الرقمية لتعزيز حضور اللغة العربية في وسائل التواصل الحديثة، وتوفير مراجع على هذه الوسائل، توفر للباحثين الشباب الإرث الكبير للغة منضبطا وموثوقا، ومن أدواتنا لتحقيق ذلك مشروع معجم “دليل المعاني” الإلكتروني الذي يوفر مرجعية علمية منضبطة بشروط العصر تناسب الباحثين من الشباب الناطقين وغير الناطقين باللغة العربية.

أبوظبي تخطط لتوفير أكثر من ثلاثين منحة تعليمية للطلاب في مجال اللغة العربية في السنوات الخمس القادمة

كما نحرص على التعاون مع المؤسسات والهيئات الثقافية والأدبية الفاعلة إقليميا ودوليا. عقدنا بالفعل اتفاقات مع عدد مهم، منها “معهد العالم العربي في باريس”، و”معرض فرانكفورت الدولي للكتاب”، ولدينا تعاون واهتمام مشترك مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومكتبة الإسكندرية العريقة، وغيرها من الجهات. وبهدف دعم وتحفيز النشر العلمي باللغة العربية، أصدرنا بالتعاون مع مؤسسة بريل العريقة مجلة “المركز” للدراسات العربية، وهي الأولى من نوعها المحكمة التي تهتم بنشر الدراسات والبحوث باللغة العربية. وللهدف نفسه يدير المركز برنامج المنح البحثية في مجال اللغة العربية، الذي يقدم سنويا باقة من المنح لأبحاث علمية في مختلف مجالات اللغة العربية.

ولا ننسى ذكر معارض ومهرجانات الكتاب المحلية والدولية التي يديرها المعرض، في مقدمتها معرض أبوظبي الولي للكتاب الذي نجحنا في جعل دورته الحادية والثلاثين التي أقيمت خلال العام الماضي 2022 الدورة الأكبر في تاريخه من حيث عدد العناوين المعروضة في عدد من لغات العالم، ومن حيث عدد العارضين والناشرين ومن حيث الأنشطة وعدد الزوار. ومهرجان العين للكتاب الذي اختتم فعالياته على أرض العين في العشرين من نوفمبر الماضي، تحت شعار “العين أوسع لك من الدار” والذي جسد الرؤية الجديدة لمعارض الكتاب، وصار مهرجانا ثقافيا وفنيا احتفى بالقراءة والآداب والفنون والمبدع الإماراتي، في خمسة مواقع ثقافية مهمة بمدينة العين، هي استاد هزاع بن زايد، وقصر المويجعي، وبيت محمد بن خليفة، ومكتبة زايد المركزية، وجامعة الإمارات.

وكذلك مهرجان الظفرة للكتاب الذي انطلقت فعالياته مؤخرا تحت شعار ‘يسقي الظفرة ويرويها’، حيث تتلاقى كل الفنون من موسيقى وغناء وأداءات فلكلورية وصناعات إبداعية أخرى، وفي القلب منها الكتاب والقراءة، وهي جميعها روافد حقيقية لتنمية اللغة العربية، لغة الحضارة التي تمثل الإماراتُ امتدادَها الأصيل المعاصر.

العرب: ما طموحات وأبعاد هذه الإستراتيجية الثقافية التي يتبناها مركز اللغة العربية في النهوض باللغة العربية وتطويرها؟

علي بن تميم: نسعى في مركز أبوظبي للغة العربية إلى رفع مستوى الشغف باللغة العربية والاعتزاز بها على المستوى المحلي، كما ندعم عملية تعليمها في الخارج، والترويج لثقافتنا دوليا. ونطمح أن تكون اللغة العربية لغة للبحث العلمي وللإبداع، بما يواكب متغيرات العصر الحديث، ويجعلها أكثر حضورا وتأثيرا، لأنها لغة ثرية.

من هنا جاءت انطلاقة المركز، لتحقيق هذه الغايات التي هي جزء من سلسلة أهداف عامة ومتعددة استطعنا من خلالها أن نحقق الكثير من خلال عمل ثقافي مؤسسي ومنظم، يرتكز على أسس ثابتة، ويثري المشهد الثقافي العربي، ويدفع إلى المزيد من الحراك الأدبي. فأصبحت الإمارات عاصمة ومنارة للثقافة العربية، ومركزا تنطلق منه أبرز المشاريع الثقافية الكبرى عربيا وعالميا، وذلك بدعم سخي ومتواصل من قيادتها التي تؤمن بقيمة العمل الثقافي وأهميته في بناء المجتمعات وانفتاحها على العالم.

معرض الكتاب.. جسر لتلاقي الحضارات الإنسانية والتجارب المعرفية
معرض الكتاب.. جسر لتلاقي الحضارات الإنسانية والتجارب المعرفية 

أود هنا الإشارة إلى برنامج الخلوات الثقافية للغة العربية الذي نفذناه في عدد من العواصم العربية بهدف استقطاب عقول نابهة قادرة على توليد أفكار وتطوير رؤى تخدم اللغة العربية، نعمل بالتعاون والشراكة مع جهات عربية ودولية على تحويلها إلى مشاريع ومبادرات عملية تطبيقية كدأب دولة الإمارات العربية المتحدة وقادتها الذين تعلمنا منهم أن نقرن الرؤى والأفكار بالتنفيذ على أرض الواقع. 

العرب: تأتي ضرورة المركز من أن اللغة العربية تعاني في الآونة الأخيرة من مخاطر التراجع بين لغات العالم سواء على صعيد الترجمة، أو الانتشار، أو التفاعل، ولدرء هذه المخاطر لا بد من خطط عملية في الاتجاه الإيجابي، ما هو رأيكم؟

علي بن تميم: لا شك في أن كل لغة في عالمنا تواجه صعوبات، قد تتشابه أحيانا، وتختلف في أحيان أخرى، وذلك لعوامل كثيرة فرضتها التكنولوجيا الحديثة وتغير أنماط الحياة المعتادة لدى المجتمعات. لكن بالنسبة إلينا، لدينا نظرة متفائلة وإيجابية تجاه لغتنا العربية، وإن بدا لبعضهم أنها تتراجع كما تفضلت في سؤالك. فاللغة ليست مجرد عدد من المفردات فحسب، بل هي منطق، وهي أصل وجذور وهوية، والعربية بلا شك لغة عالية تطل على آداب وأعمال إبداعية وفكرية أنارت ما حولها حضاريا وثقافيا ومعرفيا، واستطاعت أن تخلق مساحتها الخاصة والواسعة بين لغات العالم.

ونحن في مركز أبوظبي للغة العربية لدينا الخطط التي ستسهم في الارتقاء بواقع العربية عبر مشاريع الترجمة والأدب وتنمية مهارات التواصل للتأكيد على قدرة هذه اللغة في أن تكون لغة عصرية تتطور وتنتشر وتتفاعل مع مفردات العصر. ولدينا أيضا برامج تسعى لتحقيق أهداف إستراتيجيتنا، منها برنامج “نتكلم العربية” الذي يستهدف غير الناطقين بالعربية. وموسوعة زايد الشعرية، والاختبار الدولي لإتقان اللغة العربية “سمة”، وبرنامج النشر العربي “إصدارات”، ومنح دعم أبحاث اللغة العربية، ومشروع “مؤشر اللغة العربية” الذي ندير من خلاله دراسات مسحية وبحثية دورية منضبطة إحصائيا لتقييم الانطباعات العامة عن اللغة العربية في مجالات المعرفة والثقافة والإبداع، ومدى استخدامها في الوسائط الرقمية من قبل الناطقين بها وبغيرها.

العرب: ما علاقة مركز اللغة العربية بالمؤسسات التعليمية في الدولة وخارجها، وهل هناك تصورات لمد الجسور بين المركز والأكاديميات التعليمية من أجل مواجهة التحديات المعاصرة؟

علي بن تميم: نتشارك العديد من المشاريع الرائدة مع نخبة من المؤسسات الأكاديمية من جامعات ومعاهد وكليات متخصصة ومراكز بحثية، عربيا ودوليا، لأننا نؤمن بأن العمل المشترك يثمر بالضرورة عن منجزات قيمة، ومن خلاله يمكن أن تتضافر الجهود وتتحقق الأهداف بشكل أسرع وأكثر فعالية. كما يشارك المركز في كثير من الأنشطة داخل دولة الإمارات وخارجها.

ويحرص المركز على المشاركة في معارض الكتاب والفعاليات الداعمة للحراك الثقافي والمعرفي. وآخر تلك المشاركات كانت في معرض فرانكفورت للكتاب 2022، وشهدت انطلاق مجموعة من النقاشات والمشاريع، منها سلسلة كتب الموسيقى التي تُعنى بفنون الغناء والموسيقى الإماراتية والعربية، إضافة إلى مشاركة المركز في معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب الذي عُقد مؤخرا، للحديث عن أبرز التحديات التي تواجهها العربية في الوقت الراهن، والوصول إلى توصيات تمكننا من تجاوز تلك التحديات، وغيرها العشرات من المشاركات الفاعلة محليا ودوليا. 

العرب: من المعلوم أن معظم اللغات العالمية تعاني من تقلص مفرداتها التي يستخدمها الشباب، ما هي الخطط التي ترتؤونها للعودة إلى جذور اللغة العربية، وكيف يعمل مركز اللغة العربية على جعلها لغة أعمال في المستقبل أمام منافسة اللغات الأخرى، وخاصة الإنجليزية المهيمنة؟

علي بن تميم: هناك فئات رئيسية وفرعية تستهدفها إستراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، من ضمنها فئة الأطفال وطلاب المدارس واليافعين والشباب، والمبدعين والمبتكرين والموهوبين، بالإضافة إلى المهتمين باللغة العربية وثقافتها حول العالم، والناطقين بغير العربية. وفئة الشباب هي فئة استهداف رئيسية في إستراتيجية المركز، وقد أطلقنا لها مجموعة من المبادرات التي تُعنى بالإبداع بوجه خاص، من جوائز وملتقيات وأنشطة تحفزهم على الكتابة والقراءة والاقتراب أكثر من لغتهم الأم، لتكون لغة الحاضر والمستقبل بالنسبة إليهم. وأعتقد أن مجالات الإبداع وفنون الكتابة قادرة على تجاوز الكثير من المسافات بين هذه الفئة ولغتها. كما قمنا بتنظيم فعاليات تُعنى بالقراءة، إضافة إلى أنشطة مجتمعية في أماكن عامة، منها على سبيل المثال فعالية “خزانة الكتب” في المراكز التجارية، وذلك لتعزيز التواصل الفعال والمباشر مع الجمهور، وتوفير أكبر عدد من الكتب أمام الشباب، لنكون على مسافة قريبة منهم، وندفعهم نحو الاهتمام بالعربية والاطلاع على آدابها وفنونها. كل ذلك يسهم في جعل العربية لغة الحاضر والمستقبل لأن الشباب هم روح المستقبل وعنوانه الأبرز.

وتجدر هنا الإشارة إلى اتفاقية التعاون التي أبرمناها مع مركز الشباب العربي، الذي يشهد حراكا نوعيا كبيرا منذ تولى رئاسته الشيخ ذياب بن محمد بن زايد، وثمة مشاريع طموحة مشتركة معه، تستهدف تعزيز حضور اللغة العربية عبر طاقات الشباب العربي. 

نشر العربية

الشعر هو الذي رسخ قواعد اللغة العربية الفصحى حتى باتت تشكل منعطفا مهما في تاريخ اللغات الأخرى
الشعر هو الذي رسخ قواعد اللغة العربية الفصحى حتى باتت تشكل منعطفا مهما في تاريخ اللغات الأخرى

العرب: لا شك أن اللغة العربية لا يمكن أن تستغني عن اللغات الأخرى، كيف تُقومون الصلة بينها وبين اللغات الأخرى، وما هي الخطط المختصة بذلك؟

علي بن تميم: عانت الثقافة العربية من قصور واضح في ما يتعلق بما يضاف إليها مترجما عن اللغات الأخرى، هناك مشاريع جادة في مصر وفي غيرها من العواصم العربية. ولكن مشروع “كلمة” للترجمة، وهو مبادرة طموحة أطلقها ودعمها الراحل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نجح منذ انطلاقته سنة 2007 في إثراء المكتبة العربية بأكثر من 1181 كتابا مترجما في عشرة حقول معرفية عن 22 لغة، بالتعاون مع أكثر من 200 دار نشر عالمية. ووفر لنا قاعدة ترجمة تضم أكثر من 750 مترجما في 22 لغة، فأحيا فينا الأمل من جديد في نهضة حركة الترجمة إلى العربية. ويدير المشروع جهودا استثنائية لخدمة حراك الترجمة من وإلى العربية، عبر الجلسات والملتقيات والمؤتمرات الجادة التي توفر منصة علمية عملية لمناقشة التحديات وتوفير حلول لها.

في هذا السياق أود التعريف بمشروع مهم أنجزنا شقه العربي، وهو موسوعة “مئة كتاب وكتاب – كتب عربية أثرت في العالم” وهي موسوعة توفر قائمة قراءة موثوقة ومعتمدة بالكتب العربية التي أثرت الثقافة العالمية ومثلت إضافة إلى المعرفة الإنسانية، يحتاجها القارئ العربي المقبل على اكتشاف الكنوز الإبداعية العربية على مر العصور. كما أنها إسهام نقدمه لتطوير المحتوى العربي على الإنترنت، وتحديث الويكيبيديا بمعلومات منضبطة وموثقة. كما يتضمن الشق الثاني من المشروع ترجمة هذه الموسوعة إلى اللغات الأخرى لتصبح دليلا مرجعيا للباحث من اللغات الأخرى يحثه على معرفة هذه الكتب وترجمتها إلى لغته.

الثقافة العربية عانت من قصور واضح في ما يتعلق بما يضاف إليها مترجما عن اللغات الأخرى أو الترجمة منها

العرب: هل يشكل العالم الرقمي وتقنياته خطورة على اللغة العربية في المستقبل؟ وما هي هذه الخطورة وكيف يعالجها مركز اللغة العربية الذي يسهر على سلامة العربية؟

علي بن تميم: ننظر إلى تطورات العالم الرقمي بوصفها فُرصا، وليست عوائق، ربما تتضمن تحديات، ولكن تعلمنا من قادتنا تحويل التحديات إلى فرص نجاح وإنجاز. وقد كان نهجنا واضحا في هذا الخصوص عبر دعم جهود التطوير والتحول الرقمي، من خلال إنشاء مكتبة رقمية تضم العشرات من الكتب الإلكترونية المتاحة للقراءة والاطلاع، بالإضافة إلى المعجم الرقمي المتخصص “دليل المعاني” وميزانية كبيرة لدعم تحويل العشرات من الكتب والإصدارات المهمة لدى الناشرين العرب إلى وسائط جديدة إلكترونية وسمعية لإغناء المحتوى الرقمي العربي ورفع نسب دقته وانضباطه. ونخطط لتوفير أكثر من ثلاثين منحة تعليمية للطلاب في مجال اللغة العربية في السنوات الخمس القادمة، والوصول إلى خمسة وعشرين مليون تفاعل مع معجم دليل المعاني الرقمي. وسيسهم ذلك في مواصلة جهود دعم العربية وجعلها أكثر انتشارا وحضورا في جميع الظروف.

العرب: هل لديكم خططا لنشر الكتب التي تبحث في تأثير اللغة العربية في اللغات الأجنبية التي استعارت منها الكثير من المفردات مثل اللغة الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، وغيرها؟ 

علي بن تميم: نعم، بالطبع، نحن مهتمون بنشر كل ما من شأنه تسليط الضوء على تاريخ اللغة العربية والعلاقات التبادلية بينها وبين اللغات والثقافات الأخرى، وأثرها في محيطها، وهو أثر عميق وحاضر. ولدينا خطة واضحة في هذا الصدد تستهدف توفير مرجعية بحثية منضبطة عن تأثيرات اللغة العربية في اللغات الأخرى، يتولى إنجازها فريق من المختصين. ومن ضمن الكتب التي صدرت في هذا الصدد كتاب “اللغة العربية كنز فرنسا” للباحث الفرنسي المرموق الذي شغل منصب وزير الثقافة ووزير التعليم العالي في فرنسا، ورئيس معهد العالم العربي في باريس جاك لانغ، الذي يتتبع في كتابه أثر اللغة العربية في اللغة الفرنسية، وهو الأثر الذي نستهدف تتبعه في اللغات الأخرى في مشروع نأمل أن يقدم إسهاما كبيرا للباحثين في اللغة العربية واللغات المقارنة. 

العرب: من المعلوم أن الترجمة أخذت حيزا كبيرا، وما حققه مشروع كلمة يشهد على ذلك، هل لدى المركز نية في وضع إستراتيجية عربية لتوحيد جهود الترجمة العربية في مركز واحد حتى لا تبعثر جهود المترجمين في ترجمة الأعمال ذاتها في بلدان مختلفة؟

جائزة الشيخ زايد تتبنى المميزين وتقدر الباحثين والمؤلفين المبدعين
جائزة الشيخ زايد تتبنى المميزين وتقدر الباحثين والمؤلفين المبدعين

علي بن تميم: احتياجات المجتمعات العربية المختلفة تختلف باختلاف أهدافها وخططها التنموية، وباختلاف البنى الثقافية والفكرية، لذا نحن نحتاج إلى تنسيق يضمن عدم التكرار غير المجدي، ويحافظ على التنوع والتعدد وكذلك التنافس الإيجابي الفعال. نبذل جهدا في هذا الصدد عبر الانتظام في عقد اللقاءات العلمية الجادة التي تجمع المعنيين بشؤون الترجمة وقضاياها لتحديث المعارف وتبادل الآراء، وأبرز هذه الفعاليات مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة السنوي، والذي يهدف إلى التأكيد على دور الترجمة في بناء الجسور بين الحضارات والأمم، وبحث سبل تطوير قدرات المترجمين الشباب، ودعم الجيل القادم لمواصلة مسيرة نقل الثقافة والعلوم والفنون من وإلى اللغة العربية، وكذلك إعداد المترجمين المدربين في مختلف المجالات.

العرب: هل حققت الشراكات مع المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية أهدافها المرجوة رغم المدة الوجيزة التي انقضت على تأسيس المركز؟

علي بن تميم: لدينا اتفاقيات مع عدد من الهيئات والمؤسسات الإقليمية والدولية، للتعاون في تعزيز حضور اللغة العربية في الساحة العالمية. وندير برامج منضبطة لزيادة عدد الاتفاقيات المبرمة مع منظمات دولية ومؤسسات ثقافية فاعلة في العالم لتحقيق أهدافنا الإستراتيجية، يُعلن عنها في وقتها. ونخطط لاستضافة منتديين عالميين للغة العربية في أبوظبي، وإنتاج عدد من الأعمال في برامج الإقامة الإبداعية في أبوظبي. والواقع أننا بدأنا نلمس نتائج جهود مشاريع المركز التي أطلقناها قبل ما يزيد بقليل عن عام، من خلال الإقبال على تعلم العربية والكتابة في مختلف المجالات الأدبية بعد التشجيع والدعم الذي قدمناه للمبدعين. ومازلنا نحرص على تقديم جميع وسائل الدعم لتحقيق أهدافنا والوصول إلى أفكار مبتكرة ومشاريع ذات قيمة فكرية ومعرفية.

اللغة والشعر

Thumbnail

العرب: تشكل اللغة العربية هوية المجتمع العربي، كيف يعمل المركز على الحفاظ على هذه الهوية في نفوس النشء العربي الصاعد؟

علي بن تميم: لدينا برامج محددة بفترات زمنية على المدى القصير، تستهدف مشاركة المهتمين بالتحدث باللغة العربية وتعلمها، وخلال السنوات الخمس القادمة نطمح إلى أن يصل عدد المشاركين في مسابقة أصدقاء اللغة العربية التي يطرحها المركز إلى عشرة آلاف مشارك. كما أن هناك العشرات من الإصدارات المخصصة لفئات عمرية مختلفة يقوم المركز بعرضها وإتاحتها عبر موقعه الإلكتروني الذي يتيح لجميع تلك الفئات التعرف على أحدث وأهم العناوين العربية والعالمية في مجالات الأدب وقراءتها باللغة العربية، لتتمكن من تعزيز هويتها أولا، وتشكيل معارفها وثقافتها منذ مراحلها العمرية الأولى. وهذا شكل من أشكال الدعم لأطفالنا وأبنائنا الذين لديهم الآن فرصة الاطلاع على إصدارات مختارة بدقة وضمن معايير واضحة وهادفة، لتناسب جميع مستوياتهم العمرية والتعليمية.

أضف إلى ذلك برنامج ورش الكتابة الإبداعية الممتد على مدار العام، المصمم لاكتشاف ودعم وتنمية مهارات التعبير عن الذات باللغة العربية في فنون الكتابة الأدبية المختلفة بما يعزز صلة النشء بلغتهم وقدرتهم على التعبير بواسطتها عن ذواتهم وواقعهم وطموحاتهم.

العرب: يسعى المركز إلى جعل اللغة العربية وجهة عالمية لدراستها وتعلمها، إلى أي مدى تحققت هذه الإستراتيجية؟ وما هو مدى اهتمامكم بالمواهب العربية في مجالات الإبداع اللغوي والثقافي؟

علي بن تميم: المطلع على نشاطنا يدرك أن موضوع تعلم العربية أساسي في عمل المركز. وتشجيعا للمواهب والمهتمين باللغة العربية وفنونها، قمنا بتقديم جوائز للمتميزين بهذا المجال، إلى جانب منح سنوية، وذلك تماشيا مع إجراءات وسياسات ومعايير المركز الذي يصادق على المشاريع التي يطورها ويمولها وتؤول حقوق ملكيتها الفكرية له، على أن تقدم المنح مقابل استلام المركز للمشروع خلال فترة زمنية محددة بين الطرفين. ويتم إضفاء الطابع القانوني عليها من خلال اتفاقية موقعة، كما أنها ترتبط بمجموعة من الضوابط التي تدعم إستراتيجية اللغة العربية، انطلاقا من حرصنا على الارتقاء بالبحث العلمي في اللغة العربية وحقولها المعرفية كالمعجم العربي، والدراسات الأدبية والنقدية، ومناهج تدريس العربية للناطقين بها وبغيرها، وتحقيق المخطوطات. كل ذلك بهدف اكتشاف عقول جادة يمكنها أن تضيف جديدا وترتقي بهذا النشاط.

لكل مرحلة منجزها الإبداعي
نظرة إيجابية 

لا ننسى ما تقوم به منظومة الجوائز التي يديرها المركز أو يشارك بها، ودورها في دعم القدرات العربية في مجالات الإبداع اللغوي والفكري والثقافي، جائزة الشيخ زايد التي تتبنى المميزين وتقدر الباحثين والمؤلفين المبدعين، وجائزة كنز الجيل التي تستمد روحها من الإرث الشعري للشيخ زايد ومنظمته القيمية، والجائزة العالمية للرواية العربية، البوكر التي نتعاون في دعمها والتي نجحت أن تقود حراكا عربيا كبيرا في مجال الإبداع الروائي.

العرب: ألا تلاحظون أن هناك تضعضعا واضحا في أساليب الكتابة العربية في العصر الحديث حتى لدى المختصين بالعربية ولدى الشعراء، والأدباء، والروائيين وغيرهم؟ فقد ذهبت أو كادت أن تَذهب عن العربية طلاوتُها وحلاوتُها التي كان يُسطر بها أمثال طه حسين وعباس محمود العقاد وشوقي ضيف ومن لف لفهم، فكنا نتهافت على كتاباتهم ونزدردها ازدرادا. فهل يَسعى المركز إلى حل هذه المعضلة التي تُقلص من جماليات اللغة العربية الشهيرة بشاعريتها وشعريتها؟

علي بن تميم: لكل مرحلة منجزها الإبداعي، لدينا نظرة إيجابية بخصوص النتاج الإبداعي العربي، ومن شأن الجوائز والأنشطة التي ننظمها كجائزة الشيخ زايد للكتاب التي تستقبل الآلاف من المشاركات والترشيحات في كل دورة أن تكشف عن مواضع الجمال والأهمية في ذلك النتاج، وتكرم الأعمال التي تستحق أن تتوج وأن يقف أصحابها على منصات التكريم. من هنا تظهر أهمية ما يقوم به مركز أبوظبي للغة العربية في الكشف عن أسماء إبداعية جادة وواعية قادرة على مواصلة ما أنجزته الأجيال السابقة والأسماء التي تفضلت بذكرها. لذلك نحرص على التواصل مع جميع الفئات ونضع دائما المعايير والشروط التي تسهل علينا تلك المهمة، وتكشف عن جماليات اللغة العربية وآدابها، وذلك في سبيل الارتقاء بها وبمبدعيها الذين يستطيعون مجاراة الحركة الإبداعية في جميع دول العالم.

وهنا تجدر الإشارة إلى الأهمية التي يمثلها الشعر العربي، فهو المنتج الأهم الذي تقعدت عليه قواعد اللغة حتى باتت تشكل منعطفا مهمّا في تاريخ اللغات. ونحن نولي الشعر عناية خاصة، ومن أبرز مشاريعنا موسوعة الشعر العربي الرقمية وهي الأكبر من نوعها على الإنترنت، وموسوعة عيون الشعر العربي وهي أكبر موسوعة مختارات في الشعر العربي صدرت في مئة كتاب شارك فيها العشرات من المبدعين والأدباء والباحثين العرب.

Thumbnail
10