جدل بشأن إقالة الحكومة المصرية أو إدخال تعديل عليها

تمهد مطالبة البرلمان المصري بإقالة وزير التموين والتجارة الداخلية علي مصيلحي لتعديل وزاري مرتقب على الحكومة المصرية إن لم يكن إقالتها بالكامل، إلا أن الإطاحة بالحكومة المصرية أو أحد وزرائها، حسب محللين، ليست حلاً طالما استمرت السياسات الاقتصادية دون تغيير.
القاهرة - كشفت حالة الاستنفار التي يشهدها البرلمان المصري في مواجهة وزراء حكومة مصطفى مدبولي أن المؤسسة التشريعية الأم تحاول أن تلعب دورا مهمًا في امتصاص غضب الشارع بفعل الزيادات المستمرة في أسعار السلع مع التراجع المستمر في قيمة الجنيه أمام الدولار الأربعاء، ما يفتح الباب أمام إقالة بعض الوزراء وربما الحكومة بأكملها، وقد يشكل متنفسا يحقق أهدافا سياسية عديدة.
ومهّد مجلس النواب خلال جلسته العامة الثلاثاء لإقالة وزير التموين والتجارة الداخلية علي مصيلحي، وطالبه العديد من النواب بتقديم استقالته عبر استخدام بعض الوسائل الرقابية التي تترواح بين السؤال وطلب الإطاحة والاستجواب، وجرى تحميله مسؤولية ارتفاع الأسعار والفشل في السيطرة على الأسواق مع بروز أزمات ظلت غائبة طيلة السنوات الماضية، مثل اختفاء عدد كبير من السلع وعودة طوابير الخبز في بعض المناطق.
وتبنى نواب، من بينهم محسوبون على الحكومة، لغة شبيهة بتلك التي يتحدث بها مواطنون في الشارع رفضوا تحميل الأزمات الاقتصادية للحرب الأوكرانية وفايروس كورونا مثلما تروج له الحكومة، وانخرط بعضهم في رصد مواطن الفساد والتقصير الإداري والفشل في التعامل مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الناس.
ووصفت عضو مجلس النواب عن الحزب الجمهوري (أحد أحزاب الموالاة) النائبة ميرفت المزلاوي وزير التموين بـ”الوزير المأزوم” واتهمته بتصدير المشكلات للنواب، وطالبته بتقديم استقالته.
واعتبر عضو تنسيقية شباب الأحزاب (محسوبة على الحكومة) أن تبرير ارتفاع الأسعار بالحرب في أوكرانيا “باطل”، وأن سعر الغاز الذي تصدره مصر ارتفع، وهذا يعني عوائد جديدة للدولة، متسائلا عن قرض حصلت عليه مصر بنصف مليار دولار لشراء القمح، في حين أن المواطنين لا يجدون الخبز.
وحمّل نواب آخرون الحكومة بأكملها مسؤولية الأزمات الحالية وأعادوا تكرار مطالب سابقة بضرورة إقالتها، وطالبوا بحضور رئيسها لمساءلته، وسط شكاوى عديدة من عدم الاستجابة لمطالبهم، ما يشي بأن مصطفى مدبولي ما زال يحظى بثقة القيادة السياسية، وقد تصعب إقالة حكومته كلها خلال الفترة المقبلة.
وتسببت انتقادات مشابهة تعرض لها وزير الدولة للإعلام السابق أسامة هيكل من جانب البرلمان في أبريل من العام 2021، في تقديمه لاستقالته من منصبه ليكون أول وزير في حكومة مدبولي يتقدم باستقالته بسبب انتقادات البرلمان له.
ويحقق الهجوم الإعلامي الشديد ومعه انتقادات البرلمان لوزير التموين أكثر من هدف، حيث يريد كلاهما تغيير صورته الذهنية لدى المواطنين بعد أن استمرا في تأييد سياسات وزير التموين وقراراته التي انعكست سلبًا على أوضاع الناس، ما أفقدهما جزءا من مصداقيتهما في الشارع.
ويبرهن الهجوم على وجود معارضة تعمل في إطار مؤسسي بعيدا عن الأحزاب الضعيفة والمقيدة حركتها في الشارع، بالتالي يكون البرلمان مسرحًا يتيح الفرصة للمعارضة وقد تترتب على نشاطه تغيرات ملموسة يشعر بها المواطنون حال قررت وزارة التموين تفعيل الرقابة أو عدلت تصوراتها أو تمت إقالة الوزير نفسه.
وتكمن الأزمة الحقيقية في قناعة بعض القطاعات بالدور الذي يقوم به البرلمان، لأن غالبية النواب محسوبون على الحكومة، وهناك توجهات بأن ما يحدث علنًا يجري الإعداد له في الخفاء ليظهر بتلك الصورة أمام المواطنين، ما يحتم اتخاذ قرارات تخفف من الأزمات لدعم ثقة المواطنين في المؤسسة التشريعية والنظام الحاكم، ويبرهن على جدية الأخير في التعامل مع المشكلات المعيشية التي يلمسها الجميع.
وقال عضو مجلس النواب أحمد بلال لـ”العرب” إن السياق الذي جاء فيه وزير التموين إلى البرلمان يتعلق بتفعيل مجلس النواب لدوره الرقابي عبر استدعاء أحد الوزراء كل فترة ومحاسبته على أدائه العام، وهو أمر جيد ومن المتوقع أن يستمر مع باقي الوزراء وقد يكون أكثر فاعلية حال استجاب رئيس الوزراء للحضور.
وأضاف أن قراءة المشهد تؤدي إلى تغيير في الحكومة الحالية، وأن نواب الأغلبية أضحوا على قناعة بضرورة عدم التنصل من مطالب المواطنين في دوائرهم، وقد يتعرض النواب للمزيد من المحاسبات الشعبية، ما يجعل الاتجاه نحو إقالة الحكومة أو إدخال تعديل عليها يتزايد، لأنها لم تستطع توفير العوامل اللازمة للحفاظ على حياة مستقرة للناس، في ظل عدم قدرتها على توفير النقد الأجنبي واتخاذها جملة من القرارات الخاطئة التي عمقت الأزمات.
ويبدو عضو البرلمان أحمد بلال مقتنعا بأن إقالة الحكومة ليست حلاً طالما استمرت السياسات الاقتصادية دون تغيير، وأن شعور المواطنين بدور البرلمان تطلب عرض برنامج اقتصادي واجتماعي من جانب الحكومة الجديدة عليه والنقاش بشأنه قبل اعتماد تعيينها، بحيث تكون خطتها قائمة على التنمية الحقيقية وليس أرقام النمو التي لا تنعكس على المواطن العادي.
وتأتي “انتفاضة البرلمان” هذه المرة بعد أن تسببت سياسات الحكومة في فجوة بين الناس، فخلال جلسته الأخيرة أثيرت مشكلات تتعلق بحالة الغليان التي تعاني منها مناطق لديها ميراث تاريخي في التحرك الفاعل في الشارع ضد حكومات وأنظمة سابقة، مثلما الوضع في مدينة المحلة الكبرى الصناعية (شمال القاهرة).
وتعاني المدينة الصناعية من مشكلات تتعلق بعدم توفر الخبز المدعم، وتطرق نواب البرلمان إلى بدء ظهور طوابير للحصول عليه فجر الأربعاء، وانتهاء العمل في المخابز التي تقدمه صباحا من دون أن يتمكن البعض من الحصول عليه.
وعادت إلى الأذهان مظاهرات نظمتها أحزاب سياسية وقوى عمالية في مدينة المحلة في أبريل من العام 2006 وجاءت احتجاجا على الأوضاع المعيشية، وشهدت تأسيس حركة “6 أبريل” كأبرز الحركات التي نشطت حتى رحيل نظام حسنى مبارك.
وأوضح القيادي بحزب تيار الكرامة (معارض) كمال زايد أن البرلمان ليس باستطاعته إقالة وزير التموين وقد تتدخل عوامل أخرى تسهم في تقديمه لاستقالته، لكن بوجه عام فإن استعادة الدور الرقابي أمر مهم لضبط أوضاع الكثير من الوزارات والهيئات الحكومية بعد فترة طويلة من الصمت، شريطة أن يتم التوسع في ذلك ويُصبح معبرا حقيقيا عما يعانيه الشارع من أوجاع وضغوط اقتصادية.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن المشكلة تتمثل في أن الحكومة لا تستمع إلى البرلمان ويحضر وزراؤها بعض الجلسات ويدركون أنهم في مأمن من الإقالة، وبالتالي فإنهم لا يغيرون سياساتهم، ومثل هذه الأدوار لا تؤدي إلى تهدئة الشارع المحتقن، والوضع بات بحاجة إلى إجراءات أكثر جرأة.
ولدى العديد من السياسيين قناعة بأن الانتقادات الموجهة إلى أداء الحكومة من جانب النواب وتقديم مئات طلبات الإحاطة دون تغيير في السياسات العامة يحولان النواب إلى مجرد مظهر خارجي لإبراء ذمتهم أمام المواطنين بلا متابعة لما يحدث فعليًا على الأرض.