بودن تدعو اتحادي الشغل وأرباب العمل إلى الحوار للخروج من الأزمة

تونس - دعت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن مساء الثلاثاء خلال لقاء جمعها باثنين من رؤساء المنظمات النقابية البارزة، إلى أهمية تنقية المناخات العامة في البلاد والتوجه نحو العمل المشترك، وذلك في وقت يعمل الاتحاد على استثمار الأزمة السياسية للضغط على السلطة من أجل الاعتراف بها كشريك سياسي قويّ ومؤثر.
والتقت بودن كلا من نورالدّين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد، وسمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية "منظمة أرباب العمل"، الذي كان عقد لقاء مع الرئيس قيس سعيّد الاثنين.
وقالت رئاسة الحكومة التونسية في بيان إن هذا الاجتماع الأول من نوعه منذ عدة أشهر يأتي "تكريسا لسنة التشاور والحوار، وبمناسبة حلول السنة الإدارية الجديدة".
وأضافت أن رئيسة الحكومة شددت خلال هذا الاجتماع على "ضرورة تنقية المناخات العامة، والعمل المشترك لإيجاد الحلول الملائمة وتوفير سبل النجاح في المرحلة القادمة، بما فيه تغليب للمصلحة العامة وإعلاء لمصلحة الوطن".
ويرى مراقبون أن هذا الاجتماع الثلاثي الذي جاء بعد أقل من 24 ساعة على لقاء الرئيس سعيّد مع رئيس منظمة أرباب العمل، يكتسي أهمية بالغة بالنظر إلى الوضع العام في البلاد.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن دعوة نجلاء بودن تحمل رسالة صريحة إلى رئيسي المنظمتين النقابيتين، مفادها فتح حوار لمناقشة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإيجاد أرضية تفاهم بدل التصعيد عبر الاحتجاجات ووقف عجلة الاقتصاد.
وتشهد العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل ومؤسسة الرئاسة شبه قطيعة، بحسب صلاح الدين السالمي، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، الذي قال في تصريح سابق إن "علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل بالسلطة القائمة برأسيها رئيس الدولة ورئيسة الحكومة في أسوأ حالاتها".
ولوّح الاتحاد العام التونسي للشغل بتنفيذ سلسلة من التحركات الاحتجاجية بدأت الاثنين بتنفيذ إضراب في قطاع النقل شل إقليم تونس الكبرى، الذي يضم أربع محافظات هي تونس العاصمة وأريانة ومنوبة وبن عروس.
ومن المتوقع أن يكرر اتحاد الشغل الإضراب في قطاع النقل خلال نهاية الشهر الجاري، وفق قرار أصدره سابقا. وقطاع النقل هو ثاني أهم القطاعات الحيوية بعد قطاع الصحة.
ويتوقع المراقبون زيادة الاحتجاجات في أكثر من قطاع، خاصة قطاعات النقل والتعليم والصحة، وفي بعض الأحياء الشعبية المعروفة، لإظهار أن الوضع الاجتماعي غير مستقر، وأن دور الاتحاد مطلوب وضروري للمساعدة على الخروج من الأزمة كما جرى في 2013.
ويتطلع الاتحاد العام التونسي للشغل إلى العودة إلى المشهد السياسي من جديد من بوابة الحوار الوطني، الذي يتحرك لإحيائه بالتحالف مع بعض المنظمات الحقوقية وقوى مقربة منه.
ويأتي هذا الحوار كمحاولة من الاتحاد لاستثمار النتائج الضعيفة للدور الأول من الانتخابات التشريعية التي بلغت 8.8 في المئة، من أجل الدفع نحو تسوية سياسية جديدة يكون من نتائجها إجراء انتخابات تشريعية جديدة وتشكيل "حكومة سياسية" يكون القرار المؤثر فيها للاتحاد، وفي الوقت نفسه ممارسة ضغوط على الرئيس سعيّد للتفاوض مع الأحزاب.
وسبق للاتحاد أن أنقذ حركة النهضة حينما كانت في السلطة في 2012، عندما عمت البلاد احتجاجات حاشدة على إثر اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد، كما سبق للاتحاد أن ساهم في تشكيل الحكومات المتعاقبة التي فشلت فشلا ذريعا في إدارة الوضع الاقتصادي، وفي تحقيق الإصلاحات المطلوبة.
وبالتوازي، تسود حالة من التململ داخل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بسبب الإجراءات التي تضمنها قانون المالية للعام 2023، حيث أعرب رؤساء الاتحادات الجهوية بهذا الاتحاد، خلال اجتماع عقد الثلاثاء، عن رفضهم لعدد من تلك الإجراءات، التي اعتبروا أن لها تأثيرات سلبية على القطاعات والمؤسسات الصناعية، وخاصة المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
وبحسب بيان وزعه مساء الثلاثاء الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، فإن المشاركين في هذا الاجتماع اعتبروا أن "بعض الإجراءات التي تضمنها قانون المالية لسنة 2023، تشكل عبئا جبائيا على المؤسسات والقطاعات، ولا تشجع على الاستثمار".
وتمرّ تونس بأزمة مالية عميقة أسفرت في الأشهر الأخيرة عن نقص متكرر في بعض المنتجات الأساسية مثل السكر والحليب والأرز وغيرها، في سياق تضخّم متسارع بلغ 9.8 في المئة، بحسب أحدث معطيات رسمية صدرت في مطلع ديسمبر.
وتوصلت تونس إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي من أجل حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها 1.9 مليار دولار، مقابل إصلاحات لا تحظى بتأييد شعبي، منها خفض دعم الغذاء والوقود وإصلاح شركات القطاع العام. وتسعى تونس للتوصل إلى اتفاق نهائي في أوائل العام الحالي.