الرئيس التونسي يستنجد بأرباب العمل للرد على كمين اتحاد الشغل

تونس- حمل اللقاء الذي جمع بين الرئيس قيس سعيد ورئيس اتحاد أرباب العمل سمير ماجول رسالة واضحة إلى قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي شن إضرابا مفاجئا في قطاع النقل جاء أشبه بالكمين من حيث عدم الإعلان عنه مسبقا ومن حيث التوقيت؛ إذ أعقب عطلة رأس السنة الإدارية التي تراهن تونس على أنها ستكون سنة العمل للخروج من الوضع الصعب الذي تعيشه.
وقالت أوساط سياسية تونسية إن لقاء الرئيس سعيد وماجول بعد يوم من الإضراب، الذي أثار غضبا عارما في الشارع التونسي، تضمّن مقارنة واضحة مفادها أن الرئيس سعيد مستعد لوضع يده في يد من يسعى إلى العمل لإخراج تونس من الأزمة، وأنه لن يضع يده في يد دعاة الإضرابات وتعطيل مصالح الناس لحسابات سياسية وخدمة لأجندات لا علاقة للعمال والموظفين بها.
وترى الأوساط السياسية التونسية أن اتحاد الشغل قد قطع بهذا الإضراب خيط التواصل مع رئاسة الجمهورية، خاصة أنه جاء في أول يوم من أيام السنة الجديدة، في رسالة واضحة من الاتحاد تفيد بأن ما يهمه هو مصالحه وحسابات قيادته وليس وضع البلاد ولا سبل إخراجها من الأزمة، في وقت يراهن فيه قيس سعيد على أن تكون سنة 2023 سنة الشراكة الوطنية للقطْع مع الوضع السابق.
ومن المتوقع أن يكرر اتحاد الشغل الإضراب في قطاع النقل خلال نهاية الشهر الجاري، وفق قرار أصدره سابقا. وقطاع النقل هو ثاني أهم القطاعات حيوية بعد قطاع الصحة.
◙ الرسالة الأهم بالنسبة إلى قيس سعيد من هذا اللقاء هي تأكيد أن لا مشكلة له مع رجال الأعمال، خاصة أن ذلك يتزامن مع الحملة السياسية الواسعة التي تشن ضده وضد الحكومة
وتتوقع الأوساط نفسها زيادة الاحتجاجات في أكثر من قطاع، خاصة قطاعات النقل والتعليم والصحة، وفي بعض الأحياء الشعبية المعروفة، لإظهار أن الوضع الاجتماعي غير مستقر، وأن دور الاتحاد مطلوب وضروري للمساعدة على الخروج من الأزمة كما جرى في 2013.
ولا يخفي اتحاد الشغل رغبته في أن يعود إلى الواجهة السياسية من جديد من بوابة الحوار الوطني الذي يتحرك لإحيائه بالتحالف مع بعض المنظمات الحقوقية وقوى مقربة منه.
ويهدف هذا الحوار إلى استثمار النتائج المحدودة التي انتهى إليها الدور الأول من الانتخابات التشريعية من أجل الدفع نحو تسوية سياسية جديدة يكون من نتائجها إجراء انتخابات تشريعية جديدة وتشكيل “حكومة سياسية” يكون القرار المؤثر فيها للاتحاد، وفي الوقت نفسه ممارسة ضغوط على الرئيس سعيد للتفاوض مع الأحزاب.
ويرفض قيس سعيد الإملاءات من أي جهة كانت، وسبق له أن رفض “خارطة طريق” قدمها الاتحاد الذي يعتبرها سبيلا للخروج من الأزمة، وهو يتمسك بأن تتحرك كل جهة في المجال المحدد لها قانونيا، فاتحاد الشغل يظل دوره مرتبطا بالمفاوضات الاجتماعية مع الحكومة، ورجال الأعمال دورهم تحريك الوضع الاقتصادي، وهذا ما مثل محور لقاء بين الرئيس سعيد وماجول.
وأكد قيس سعيد على الدور المحوري لرجال الأعمال الشرفاء وعلى ضرورة تهيئة كل الظروف والقوانين التي تتيح لهم العمل في ظل مناخ سليم.
كما شدد على “أننا نخوض معركة وطنية من أجل استقرار البلاد الذي لن يتحقق إلا بمشاركة كل الشرفاء”.
وجاء في صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك أن الرئيس سعيد جدد إقراره بأنه ليس ضد المبادرة الحرة كما يشاع، بل على العكس من ذلك تماما، مشيرا إلى أن الإطار القانوني المتعلق بالشركات الأهلية خير دليل على تشجيع المبادرة الحرة.
وتطرق اللقاء إلى العديد من القضايا المتصلة بالصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وبالصعوبات التي يتعرض لها البعض نتيجة التجاوزات التي يتم رصدها يوميا على مختلف الأصعدة والتي لا بدّ من وضع حدّ نهائي لها.
كما تمت بالمناسبة إثارة مسألة التحركات المشبوهة التي يقوم بها عدد من المهربين والمحتكرين لسحب السلع من الأسواق أو الرفع في الأسعار في حين أن اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية براء منهم، بل إن تونس لا يمكن إنقاذها إلا بوضع حد نهائي لمثل هذه الممارسات.
◙ قيس سعيد يرفض الإملاءات من أي جهة كانت، وسبق له أن رفض "خارطة طريق" قدمها اتحاد الشغل
وقال مراقبون إن الرئيس سعيد يريد ضم اتحاد أرباب العمل إلى صفه في الحرب على الفساد والاحتكار، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وفي ظل ارتفاع كبير في الأسعار ناتج في جانب منه عن احتكار مواد أساسية مثل الحليب والسكر، ما جعل الحكومة في وضع حرج جدا تجاه الشارع.
وأشار المراقبون إلى أن الرسالة الأهم بالنسبة إلى قيس سعيد من هذا اللقاء هي تأكيد أن لا مشكلة له مع رجال الأعمال، خاصة أن ذلك يتزامن مع الحملة السياسية الواسعة التي تشن ضده وضد الحكومة، ومحاولة تأليب رجال الأعمال من خلال إثارة موضوع المصالحة المعروضة مع بعض أصحاب المال الذين حصلوا على قروض من الدولة ولم يتم إرجاعها.
وسبق للرئيس التونسي أن سعى لطمأنة رجال الأعمال في مرات سابقة، وهو أمر مفهوم في ظل التوترات التي تشهدها البلاد، والتي دفعت بمستثمرين أجانب وتونسيين إلى المغادرة نحو أسواق أخرى.
وبعد أيام من إجراءات 25 يوليو 2021، حرص قيس سعيد على طمأنة المستثمرين ورجال الأعمال بأنه يعمل على تطبيق القانون واحترامه حتى لا يقع ظلم أو مصادرة أموال دون وجه حق.
وأضاف الرئيس سعيد “أطمئن الجميع بأنني أعمل دون هوادة حتى لا يُظلم أحد، فلا مجال للتخوّف أو لتهريب الأموال فحقوقكم محفوظة في إطار القانون”.
جاء ذلك عقب لقاء له مع محمد العقربي رئيس الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية، برفقة عضويْ الجمعية منى سعيد وهشام الرباعي.