عقوبات روسية صارمة لقمع حريات المثليين والمتحولين جنسيا

البرلمان الروسي يفرض غرامات مالية كبيرة على أي شخص يدعو للمثلية والتحول الجنسي.
الثلاثاء 2023/01/03
الكثيرون معرضون للمحاكمة

موسكو - تجلس سابرينا في أحد مقاهي روسيا، وقد ربطت وشاحا وردي اللون وبراقا حول رأسها الحليق، وجلبت معها بعض الحلي التي يزين بها الوجه، ولكنها لم تلصقها على وجهها لأنها تعتزم التوجه في وقت لاحق إلى جامعتها.

وسابرينا (21 عاما) تنتمي إلى الفئات غير المتطابقة مع الجنس الذي ولدت به، ولكن هذا أمر تذكره مع اسمها الأول لعدد قليل من الأشخاص فقط، ولأسباب تتعلق بسلامتها، وهي تمارس الحياة عادة كما لو كانت الرجل الشاب الذي تبدو عليه هيئتها.

وهي تواجه، شأنها في ذلك شأن آخرين في روسيا، المزيد من القمع والعنف، ومن المتوقع أن يؤدي قانون جديد إلى جعل أوضاع هذه الفئة من المجتمع أكثر سوءا.

التشريع الجديد يستهدف المحتوى الإعلامي والأدبي والسينمائي والكتابات الشخصية المنشورة على منصات التواصل

وأصدر نواب البرلمان الروسي مؤخرا تشريعا يتعلق بالدعاية للفئة التي يطلق عليها اسم “المثليين ومزدوجي الجنس والمتحولين جنسيا”، وهو قانون أكثر صرامة من تشريع سابق في هذا الصدد.

وكان القانون السابق يقضي بأن يحال إلى المحاكمة أي شخص ينشر “الدعاية” للمثلية والتحول الجنسي بين الأشخاص القصر، وهو قانون أثار غضبا في مختلف أنحاء العالم.

غير أن التشريع الأخير فرض غرامات باهظة على أي شخص يصور مثل هذه القضايا بشكل إيجابي، وهو قانون يستهدف المحتوى الإعلامي والأدبي والسينمائي، والإعلانات والكتابات الشخصية المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي، مما أثار مخاوف الناشطين الحقوقيين والفنانين والناشرين على حد السواء.

واعتادت سابرين على التخفي، لأنه على الرغم من أن المثلية والتحول الجنسي ليسا مما يعاقب عليه القانون في روسيا، فإن هذا المناخ من التشريعات التي تبدو معادية لهذه الفئة من المجتمع يجعل الهجمات والتصرفات العدائية ضدها منتشرة على نطاق واسع.

وتقول سابرينا “إنهم يهينوننا ويغتصبوننا ويقتلوننا”، وهي لا تريد الإفصاح عن اسمها الذكوري المدون في جواز سفرها، على الرغم من أن جميع المحاضرين في جامعتها ينادونها بهذا الاسم، بل حتى أمها لا تزال تعاملها على أنها ابنها.

وتضيف سابرينا “أحيانا أشعر بنوع من الضياع وفقدان الأمل”، ولكنها تكون في حالة أفضل عندما تستطيع الذهاب إلى حانات ونوادي المثليين والمتحولين جنسيا، حينها تحس بأنها حرة في ارتداء حذاء ذي كعب عال وتنورة، وتضع على وجهها مستحضرات التجميل، وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان سيسمح باستمرار هذه النوعية من الحانات والنوادي في ظل القانون الجديد.

ويشير فلاديمير كوموف، وهو محام لمجموعة من المثليين والمتحولين جنسيا، إلى أن القانون الأخير تمت صياغته بشكل فضفاض، إلى درجة أنه يمكن أن يطبق على مجموعات مختلفة من الناشطين، وهو يشمل قصص الحب بين المثليين في الأفلام المعروضة في دور السينما، وأيضا الصور التي يتم تبادلها ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي.

ويقول كوموف إن أعدادا كبيرة من الأشخاص يمكن أن يحاكموا بمقتضى هذا القانون، خاصة في بداية تطبيقه، حيث أن المسؤولين يسعون إلى إظهار الجدية في التطبيق وفرض سابقة قانونية. بينما تقول زميلته إيكاترينا سيلزنيفا “كل شخص يشعر بالخوف الآن، ومن هنا يبدو أنه نجاح أولي للسلطات”.

وتضيف أنه ليس من المرجح في المستقبل أن يسمح بعرض الأفلام ونشر الكتب التي تتعلق بالأشخاص المثليين والمتحولين جنسيا، بينما ستجبر نواديهم على النزول تحت الأرض وممارسة نشاطها في الخفاء، وبالتالي لن يعلم بوجودها إلا القليل، ولن يتم التعامل معها من الناحية المالية إلا بالنقود، مثل أوضاع السوق السوداء.

صراع مستجد
صراع مستجد

ويجلس كل من سيلزنيفا وكونوف داخل غرفة مكتب صغيرة، كائنة في فناء خلفي، حيث يعملان كممثلين عن أعضاء مجتمع المثليين ومزدوجي الجنس والمتحولين جنسيا، ويوجد على حائط الغرفة ملصق لقوس قزح وهو رمز لهذه الفئة، ولكنه اختفى من المشهد العام في روسيا منذ فترة طويلة.

والأشخاص الذين يأتون إلى مكتب المحاماة هذا طلبا للدعم تعرضوا للابتزاز أو السرقة أو الضرب.

ويقول كل من كوموف وسيلزنيفا إنه يمكن ربط القمع المتزايد لهذه الفئة بالحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا في فبراير الماضي.

ولم يترك فلاديمير بوتين ذاته أية فرصة إلا وسخر فيها من المثلية والتحول الجنسي، باعتبارهما من علامات ما يصفه بـ”الانحلال الليبرالي الغربي”، وغالبا ما يشيد التيار التقليدي المحافظ بين الروس بالهجمات التي يشنها بوتين على هذه النوعية من الأقليات.

وفي هذا الصدد تقول سيلزنيفا “تم تشكيل صورة معينة عن العدو على شكل أولئك المثليين، ثم يمكن للسلطات أن تقول انظروا لقد هزمنا هذا العدو، وهذا يعني أننا نستطيع أيضا أن نهزم غيره من الأعداء”.

ويوضح كوموف أن القانون الجديد يمثل جانبا واحدا فقط من توسع الدولة في أعمال الرقابة، ويقول إنه يتوقع حدوث ما هو أسوأ.

ويضيف أن “هذه الخطوة تمهد الطريق لإدخال رقابة الدولة في مجالات أخرى أيضا”.

والقليل من الروس فقط يرون أملا في الأفق، وتعلق سابرينا على هذا الحال قائلة “كل هذه الكراهية ستتوقف، فقط عندما يصبح لدينا رئيس جديد”، وتضيف أنها بمجرد تخرجها من الجامعة في العام المقبل ستسعى لمغادرة البلاد، وهي ترى أن المكان المثالي لها هو ألمانيا.

5