رسائل سياسية وراء عودة العاصمة الإدارية إلى صدارة المشهد في مصر

مراقبون يرون أن العاصمة الإدارية تشكل دليلا على مدى صلابة النظام السياسي بعد أن جرى الربط بين شعار "الجمهورية الجديدة" والانتقال إليها.
الثلاثاء 2023/01/03
الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة لا يحظى بترحيب كبير

القاهرة - عادت العاصمة الإدارية لصدارة المشهد السياسي والإعلامي في مصر مع إعلان الحكومة انتقال الوزارات إليها بشكل تدريجي بدءا من الشهر الجاري وحتى نهاية مارس المقبل، بعد إرجاء عملية الانتقال أكثر من مرة لأسباب اقتصادية، لتبعث برسائل عديدة مفادها أن المشروع غير قابل للتعثر أو التوقف تحت أي ظروف يعاني منها النظام الحاكم في ظل موجات من الشحن السياسي ضده.

ونقلت وسائل إعلام محلية احتفالات بدء العام الجديد من “البرج الأيقوني” الذي مازال في طور الإنشاء بمنطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، ويصنف على أنه أطول برج في أفريقيا، ويبلغ ارتفاعه 400 متر، وعمدت إلى نقل صورة تشي بأن المشروع بات جاهزا لاستقبال الموظفين والمواطنين والسكان.

واستغرقت قنوات عديدة في تسليط الضوء على ما جرى إنجازه على الأرض بعد ست سنوات من بدء العمل في العاصمة الإدارية.

محمود العلايلي: الوفاء بموعد الانتقال يؤكد قدرة الحكومة على التنفيذ
محمود العلايلي: الوفاء بموعد الانتقال يؤكد قدرة الحكومة على التنفيذ

وعاين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الموقف التنفيذي لعدد من المنشآت بالعاصمة الجديدة، خصوصا مقر القيادة الإستراتيجية، ومنطقة البنوك بحي المال والأعمال خلال اجتماعه السبت مع مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني اللواء أمير سيد أحمد ورئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة اللواء أحمد العزازي.

وجاء الزخم هذه المرة مصحوبا بانتقادات عديدة تتعرض لها حكومة مصطفى مدبولي نتيجة الأزمات الاقتصادية وتراجع قيمة الجنيه وسط مطالب مختلفة بإقالتها، ما يجعل تسويقها لانتقال وزاراتها هذه المرة لا يحظى بترحيب كبير مع الصورة الذهنية القاتمة التي رسمها المواطنون للعاصمة الجديدة باعتبارها سببا رئيسيا في المشكلات التي يواجهونها.

ولم تفلح التأكيدات الحكومية العديدة بأن المليارات من الدولارات التي أنفقت على منشآتها لم تتحملها الموازنة العامة للدولة في تبرئة ذمة المشروع الذي شهد سجالا واسعا بين مؤيدين ومعارضين له، ما يجعل عملية التأجيل المتتالية للانتقال إلى هناك تصب في صالح صواب وجهة نظر معارضين في وقت تعول فيه دوائر حكومية على المشروع لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية التي تحتاجها لتوفير العملة الصعبة والمساعدة على دوران عجلة الاقتصاد المتعثرة.

ويرى مراقبون أن العاصمة الإدارية، الواقعة في شرق القاهرة، تشكل دليلا على مدى صلابة النظام السياسي بعد أن جرى الربط بين شعار “الجمهورية الجديدة” والانتقال إليها، ويشكل البدء في توطين موظفي الوزارات الحكومية تأكيدا على قوة أجهزة الدولة وقدرتها في التعامل مع المأزق الاقتصادي الحالي، ما يشكل حائط صد أمام توالي الهجمات التي تتعرض لها من وسائل إعلام معارضة توظف الوضعية الراهنة للتشكيك في ثبات النظام واستقراره.

ومن وجهة نظر هؤلاء المراقبين تضع الحكومة المصرية أمام عينيها هدفا رئيسيا يتمثل في اتخاذ خطوة الانتقال بما يجذب مؤسسات أخرى للانتقال إلى هناك، لأن تحديد مواعيد عديدة للانتقال دون تنفيذها انعكس سلبا على ثقة قطاعات استثمارية وعقارية في الفرص الواعدة، وانعكس ذلك على تراجع الإقبال على شراء وحدات سكنية وإدارية.

البدء في توطين موظفي الوزارات الحكومية يشكل تأكيدا على قوة أجهزة الدولة وقدرتها في التعامل مع المأزق الاقتصادي الحالي

ومازالت العديد من السفارات والهيئات الخاصة تتشكك في قدرة الحكومة على جذب 6 ملايين مواطن كما كان مستهدفا عند بداية المشروع، ولم تُقدم بعد على اختيار مقرات لها ودائما ما تصطدم الحكومة بطلب تلك الجهات انتقالها أولا.

وقال المحلل السياسي جمال أسعد إن وجود الحكومة في أي مكان يعني أن هناك شعبا تقدم الخدمات إليه، وهو أمر لم يتوفر في العاصمة الإدارية حتى الآن، ولا توجد حياة طبيعية بالمعنى الحقيقي هناك، وبالتالي فإن الحديث عن نقل الوزارات في غضون ثلاثة أشهر “حالة من حالات الإجبار للمؤسسات والمواطنين لفرض الأمر الواقع”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن انتقال الحكومة قد يؤدي إلى إرهاق جسدي ومالي للمواطنين الذين لديهم تعاملات مع الوزارات الخدمية، لكنها تتعامل مع العاصمة باعتبارها تحديا لنجاحها وقدرتها على تحقيق أهدافها، وتستهدف أن يكون الانتقال حقيقيا بعد توالي التأجيلات منذ الإعلان لأول مرة عن انتقالها مطلع العام 2021.

ولدى العديد من السياسيين قناعة بأن اهتمام الحكومة هذه المرة يعني أنها مُصرة على الانتقال، وتريد التأكيد على أن المشروع كان مطلوبا ومهما سواء جرى تدشينه في هذه المرحلة أو في وقت آخر، ولذلك قامت بتنفيذه وتعمل على إنجاحه، لكن في ظل غياب الحوار الموضوعي بشأن آليات الإنفاق عليه وعوائده، ما يجعلها أمام مطبات عدة كلما عمدت إلى انتقال الحياة للعاصمة الإدارية التي تبعد عن وسط القاهرة بالاتجاه الشمالي الشرقي بـ64 كيلومترا.

وأكد رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية خالد عباس في تصريحات إعلامية أن عملية نقل الوزارات إلى المقار الحكومية الجديدة تبدأ مطلع يناير الجاري وبشكل تدريجي حتى مارس بمعدل 10 وزارات شهريا لتكون كافة الجهات جاهزة لممارسة عملها بشكل كامل من داخل الحي الحكومي بنهاية الربع الأول من العام الجاري.

الحكومة المصرية تواجه أزمة أخرى ترتبط بجذب الموظفين للحصول على وحدات سكنية في العاصمة الجديدة

ومن المقرر نقل نحو 40 ألف موظف أغلبهم سيقيم في منطقة حدائق العاصمة (منطقة مجهزة للموظفين)، أو في مدينة بدر القريبة منها والباقي ستقدم لهم الحكومة بدل انتقال تيسيرا عليهم، وأن المرحلة الأولى تشمل نقل وزارات الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والنقل، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتخطيط والتنمية الاقتصادية، والشباب والرياضة، والتضامن الاجتماعي، والطيران المدني، والكهرباء، والأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.

وذكر الكاتب والمحلل السياسي محمود العلايلي أن الوفاء بالموعد الجديد للانتقال أمر مهم للغاية ويحمل دلالات تؤكد قدرة الحكومة على التخطيط والتنفيذ والوفاء بما تلتزم به في أبرز المشروعات التي قامت بتدشينها السنوات الماضية، كما أن الانتقال يؤكد أنها انتهت من جميع اللوجستيات التي تسهل عملية الانتقال وبما يساعد على الوفاء بخدمات المواطنين عبر الوزارات المنقولة إلى هناك.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الحكومة تبعث برسائل داخلية وخارجية تؤكد من خلالها أن المشروع لم يكن جزءا من الرفاهية وتحاول أن تتعامل مع الانتقادات بشكل هجومي دون الانتظار لخنق العاصمة القديمة بشكل تام، وأن الخطوة المعلنة أخيرا لها انعكاس اقتصادي وسياسي، وأن الكثير من المشروعات التي كانت معلقة قد يبدأ العمل فيها مع انتقال الحكومة.

وتواجه الحكومة المصرية أزمة أخرى ترتبط بجذب الموظفين للحصول على وحدات سكنية في العاصمة الجديدة، وبعد أن انتهت من بناء عشرة آلاف وحدة سكنية من إجمالي 40 ألف وحدة لم يقبل بها الموظفون المتوقع انتقالهم ما دفع الرئيس السيسي للتدخل الشهر الماضي مطالبا بتقديم المزيد من المحفزات لهم.

وكشف استطلاع للرأي قام به الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة (المسؤول عن العاملين بالجهاز الإداري للدولة) على الموظفين الذين سينتقلون للعاصمة الإدارية الراغبين في الحصول على وحدات سكنية، عن رغبة 56 في المئة منهم للحصول على وحدات سكنية مقابل 34 في المئة طالبوا بالحصول على بدل انتقال.

2