توسيع الاستيطان يزيد من قتامة آفاق إقامة دولة فلسطينية

يترقب الفلسطينيون مباشرة الحكومة الإسرائيلية الجديدة لمهامها وسط قلق إقليمي ودولي من سياساتها في الضفة الغربية خاصة توسيع الاستيطان الذي ينذر بانتفاضة فلسطينية ثالثة تكون تداعياتها كارثية على الأمن في المنطقة.
القدس - أدت حكومة إسرائيلية من اليمين المتطرف، تسعى لتوسيع المستوطنات اليهودية بالضفة الغربية وتنفيذ سياسات أخرى أثارت انتقادات في الداخل والخارج، اليمين الدستورية الخميس لتتوج عودة بنيامين نتنياهو رئيسا للوزراء، فيما حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من انتفاضة فلسطينية ثالثة.
وأثار تحالف نتنياهو مع حزبي الصهيونية الدينية والقوة اليهودية قلقا نظرا إلى معارضتهما لقيام دولة فلسطينية وما سبق من تحريض زعيميهما، وكلاهما من المستوطنين بالضفة الغربية، ضد النظام القضائي الإسرائيلي والأقلية العربية وحقوق مجتمع الميم.
ولدرء هذه الانتقادات، تعهد نتنياهو مرارا بتعزيز التسامح والسعي لتحقيق السلام. وقال في كلمة أمام الكنيست إن “إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي” على رأس أولوياته، إلى جانب إفشال برنامج إيران النووي وبناء القدرات العسكرية لإسرائيل.
وقاطعه خصومه وهتف بعضهم “ضعيف! ضعيف!”. ويقول هؤلاء إن نتنياهو اضطر إلى إبرام اتفاقات مكلفة للحصول على شركاء جدد بعد أن قاطعته أحزاب الوسط بسبب المشاكل القانونية التي يواجهها.
وبالنسبة إلى الفلسطينيين، أضفى تشكيل حكومة نتنياهو مزيدا من القتامة على آفاق قاتمة بالفعل. فبعد عام تصاعدت فيه أعمال العنف في الضفة الغربية، من المزمع الآن توسيع المستوطنات اليهودية على أراض يأمل الفلسطينيون في إقامة دولتهم عليها في المستقبل.
وقال حزب ليكود المحافظ بزعامة نتنياهو إن الحكومة “ستدعم وتعزز الاستيطان” في مناطق “للشعب اليهودي حق خالص لا يقبل المساس” فيها.
وتعتبر معظم القوى العالمية بناء المستوطنات على أراض تم الاستيلاء عليها خلال الحرب غير قانوني.
وقال نبيل أبوردينة المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن هذه الخطوط العريضة التي أعلنها حزب الليكود بزعامة نتنياهو تمثل “تصعيدا خطيرا وستكون لها تداعيات على المنطقة”.
ويبدو أن نتنياهو، الذي سيبدأ الآن ولاية سادسة غير مسبوقة لرئيس وزراء إسرائيلي، يحجم في الوقت الراهن عن السعي لضم أراضي الضفة الغربية، وهي سياسة كان يتبعها في السابق ومن شأنها أن ترضي قاعدة المستوطنين.
وشهد هذا العام أسوأ أعمال عنف في الضفة الغربية منذ 2015 إذ شنت القوات الإسرائيلية حملة على الاضطرابات الفلسطينية وهجمات المسلحين. وأعرب الرئيس الفلسطيني السبت عن أسفه لتشكيل حكومة إسرائيلية “شعارها التطرف والتمييز العنصري”.
وقال نتنياهو، الذي شغل المنصب ثلاث سنوات في التسعينات ثم من 2009 إلى 2021، إنه يأمل في تحقيق انفراجة في إقامة علاقات دبلوماسية مع السعودية مثلما فعل في عام 2020 مع دول خليجية أخرى تشارك إسرائيل مخاوفها تجاه إيران.
ولم تشر الرياض إلى أي تغيير في موقفها بأن أي تقدم مع إسرائيل مرهون بإقامة دولة فلسطينية.
وأثار تعيين إيتمار بن غفير، وهو مستوطن في الضفة الغربية أدين في عام 2007 بالتحريض ضد العرب ودعم جماعة يهودية متشددة على قوائم الإرهاب الإسرائيلية والأميركية، في منصب وزير الشرطة القلق في الداخل والخارج.
وسيشرف زعيم حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف بتسلئيل سموطريتش على ملف الشؤون المدنية في الضفة الغربية وهو منصب وزاري مستجد في وزارة الدفاع. وحذر وزير الدفاع المنتهية ولايته بيني غانتس من أن المنصب الجديد قد يضعف أمن إسرائيل.
وستعترف الحكومة بالبؤر الاستيطانية غير القانونية المقامة في الضفة الغربية بدون موافقة الحكومة خلال 60 يوما. ولن يخضع مستوطنو الضفة الغربية للحكم العسكري بعد الآن بل سيكونون ذراعا أمنية لوزارة الدفاع.
والخميس حذر العاهل الأردني من اندلاع انتفاضة جديدة، مشيرا إلى أن هذا الأمر لن يكون في صالح الإسرائيليين ولا الفلسطينيين.
وفي مقابلة مع شبكة “سي.إن.إن” الإخبارية الأميركية قال الملك عبدالله الثاني “لا بد أن نشعر بالقلق حيال قيام انتفاضة جديدة، وإن حصل ذلك، فإنه قد يؤدي إلى انهيار كامل، وهذا أمر لن يكون في صالح الإسرائيليين ولا الفلسطينيين”، مبينا أن “الجميع في المنطقة قلقون للغاية، ومنهم موجودون في إسرائيل ويتفقون على ضرورة الحيلولة دون حصول ذلك”.
وردا على سؤال بخصوص عودة نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل، وما وصفه معلقون أردنيون بأنه أسوأ كابوس بالنسبة إلى الأردن، قال إن للإسرائيليين الحق في اختيار قادتهم “وسنعمل مع الجميع طالما أننا سنتمكن من جمع كل الأطراف معا، فنحن على استعداد للمضي قدما”.
معظم القوى العالمية تعتبر بناء المستوطنات على أراض تم الاستيلاء عليها خلال الحرب غير قانوني
وفي إجابته على سؤال بشأن ما إذا كان الوضع الراهن ودور الأردن بصفته الوصي على الأماكن المقدسة في القدس مهددين بسبب التوقعات المرتبطة بالحكومة الإسرائيلية الجديدة، قال العاهل الأردني إن “هناك دوما أشخاصا يحاولون الدفع باتجاه ذلك، وهذا مصدر للقلق، ولكن لا أعتقد أن هؤلاء الأفراد تحت أنظار الأردن فقط، بل هم تحت أنظار المجتمع الدولي”.
وأضاف “نحن نعيش في منطقة صعبة وهذا أمر اعتدنا عليه، وإذا أراد جانب ما أن يفتعل مواجهة معنا، فنحن مستعدون جيدا، ولكن أود دوما أن ننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس”.
وتابع “وفي المقابل، لدينا خطوط حمراء، وإذا ما أراد أحد تجاوزها، فسنتعامل مع ذلك، ولكن ندرك أن الكثير من الجهات في إسرائيل تشاركنا القلق”.
وأظهرت معطيات جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) ارتفاعا ملحوظا في الهجمات الفلسطينية بالضفة الغربية.
وعادت كلمة “انتفاضة” إلى البرامج الإذاعية الصباحية، ونشرات الأخبار المركزية المسائية في إسرائيل.
وينقل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي التابع للجامعة العبرية عوفير شيلح عن مسؤولي الأمن في الجيش وجهاز الأمن العام قولهم إن الوضع في الضفة الغربية “قد يتدهور في أي لحظة”.
وأضاف “هذا هو نتيجة مجتمع (فلسطيني) محبط، مليء بالأسلحة النارية ويخضع للسلطة الفلسطينية الضعيفة، لكن هذا مجرد جزء صغير من الصورة الكاملة لأن خبراء الأمن لا يتابعون سوى الجانب العسكري للقضية”.
وتابع “إذا سُمح لهم بالتعبير عن إدراكهم في الجانب الإسرائيلي، فمن المحتمل أن يشيروا إلى عدم مبالاة الجمهور الإسرائيلي وصانعي القرار”. وأردف “قد يُغيّر الشكل الجديد للانتفاضة القادمة الصورة كاملة”.