ارتباك في أداء البعثة الأممية يعمق هواجس الليبيين حيال فرص الحل

نفت البعثة الأممية أن يكون لها توجه نحو طرح تشكيل حكومة جديدة في ليبيا، مشددة على أن أي خارطة طريق يجب أن تكون حصيلة حوار ليبي – ليبي، ويرى مراقبون أن هذا الموقف المستجد قد يكون نتاج ضغوط أميركية.
طرابلس – يطبع الارتباك والتخبط عمل المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا عبدالله باتيلي، وهو ما يثير هواجس لدى الليبيين حيال قدرة الأخير فعليا على تفكيك العقد السياسية التي تحول دون التوصل إلى توافق ينهي حالة الانسداد الراهنة.
ونفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الخميس صحة تقارير تتحدث عن رغبة المبعوث الأممي بتشكيل حكومة جديدة، في تناقض مع إشارات سابقة للأمم المتحدة تعبر عن دعمها للسير في هذا الخيار في ظل الاستعصاء الموجود. ويكشف هذا التضارب عن عدم امتلاك المبعوث الأممي رؤية واضحة أو خارطة طريق عملية لإنهاء الأزمة الليبية.
وتداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي الأربعاء أحاديث عن رغبة رئيس البعثة الأممية باتيلي بتشكيل حكومة جديدة لحسم الصراع الراهن بين حكومتين في ليبيا.
وجاءت تلك الأنباء بعد أيام قليلة من بيان صادر عن مجلس الأمن تحدث فيه عن “حوار ليبي شامل” يفضي إلى “تشكيل حكومة موحدة” قادرة على الحكم في جميع أنحاء البلاد وتمثيل الشعب الليبي بأكمله.
وقالت البعثة الأممية في بيان على صفحتها في فيسبوك إنها على علم بـ”التقارير الزائفة التي تَرُوج على الإنترنت، وتزعُم أن الممثل الخاص للأمين العام عبدالله باتيلي يخطط للإعلان عن خارطة طريق تتضمن تشكيل حكومة جديدة”.
وأضافت البعثة أن “هذا النوع من الأخبار الكاذبة يهدف إلى إرباك العملية السياسية الجارية، وإحداث خلط بشأن دور البعثة الذي لا يتمثل في فرض وصفة للحل وإنما يقضي بتشجيع ودعم حل ليبي – ليبي”. ودعت “جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي أعمال قد تُهدد الاستقرار الهش في ليبيا، بما في ذلك نشر معلومات مضللة أو مُخْتلَقَة”.
من جهته شدد السينغالي باتيلي، بحسب البيان، على أن “أي خارطة طريق يجب أن تكون نتاج حوار شامل يجمع بين كل الأطراف الليبية، وفي ظل الاحترام الكامل لحقوق ومصالح الشعب الليبي وتطلعاته إلى اختيار قيادة ومؤسسات تتمتع بالشرعية”. وحث “كل القادة السياسيين على تكثيف جهودهم من أجل بلوغ هذا الهدف في عام 2023”.
ويرى مراقبون أن نفي البعثة وجود توجه لتشكيل حكومة جديدة قد يكون ناتجا عن ضغوط غربية ولاسيما أميركية لا تدعم هذا الخيار، وهي مع بقاء حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها إلى حين إجراء انتخابات عامة في البلاد.
وسبق أن صرح السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند في وقت سابق من الشهر الجاري بأنه لا حاجة إلى تشكيل حكومة انتقالية جديدة في ليبيا في ظل وجود حكومة الوحدة الوطنية، داعيًا إلى ضرورة إجراء انتخابات في أسرع وقت ممكن.
الولايات المتحدة تدعم خيار بقاء حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها إلى حين إجراء انتخابات عامة في ليبيا
وقبلها قال المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة في مداخلة له أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي في نوفمبر الماضي إنه “لا مسار آخر ملائمًا لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا قبل الانتخابات”.
ويشير المراقبون إلى أن نفي البعثة الأممية التوجه نحو تشكيل حكومة جديدة من شأنه أن يريح رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة نسبيا، لكنه يطرح تساؤلات حول الخيارات البديلة لتفكيك أسس الأزمة.
ومنذ مارس الماضي تتصارع على السلطة في ليبيا حكومتان إحداهما برئاسة فتحي باشاغا وكلفها مجلس النواب بطبرق (شرق) والثانية معترف بها من الأمم المتحدة وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.
ولحل هذه المعضلة أطلقت الأمم المتحدة قبل أشهر مبادرة قادت إلى تشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة (نيابي استشاري) للتوافق على قاعدة دستورية لإجراء انتخابات في “أقرب وقت ممكن”.
وفي ظل بطء وتعثر هذا المسار جراء خلافات بين مجلسي الدولة والنواب آخرها حول إنشاء محكمة دستورية في بنغازي، أطلق المجلس الرئاسي الليبي في الثامن من ديسمبر الجاري مبادرة لحل الأزمة عبر لقاء تشاوري بين المجالس الثلاثة (الرئاسي والنواب والأعلى للدولة) بالتنسيق مع باتيلي.
ويبدو أن مبادرة المجلس الرئاسي تحوز على اهتمام الأطراف الخارجية المتدخلة في الشأن الليبي وأيضا المبعوث الأممي الذي صرح في أكثر من مناسبة أنه يمكن البناء على هذه المبادرة للتوصل إلى تسوية.
وتتمحور الخلافات حول القاعدة الدستورية في قضيتين أساسيتين وهما مشاركة العسكريين ومزدوجي الجنسية، حيث يرفض مجلس الدولة الذي يقوده خالد المشري هذا الأمر لقطع الطريق على ترشح قائد الجيش المشير خليفة حفتر، وهو ما يعارضه مجلس النواب.

ويرى متابعون للشأن الليبي أن الواقع في ليبيا هو أن القوى المتنازعة تختبئ خلف صراعات وخلافات مفتعلة للحيلولة دون الوصول إلى انتخابات تهدد نفوذها، في المقابل فإن القوى الدولية غير متوافقة بشأن سبل حل الصراع.
ويشير المتابعون إلى أن المبعوث الأممي لا يبدو أنه يمتلك أي قدرة على حل الأزمة، ولا يزال التخبط يغلب على تحركاته ومواقفه منذ توليه المنصب قبل نحو شهرين، فمن جهة يغمز إلى إمكانية السير في خيار حكومة جديدة، ومن جهة أخرى ينفي الأمر.
ويضيف هؤلاء أن باتيلي ذهب مؤخرا إلى طرح اعتماد آليات بديلة للتوافق على انتخابات دون أن يقدم أي تفاصيل حول هذه الآليات، وهذه جميعها مؤشرات توحي بأن البعوث الأممي لا يملك خطة عمل واضحة، وهذا يثير مخاوف حول ما إذا كانت مهمته ستنحصر في إدارة الأزمة بدل حلها مثلما حصل مع سابقيه.
وكان المبعوث الأممي دعا خلال جلسة عقدت مؤخرا في مجلس الأمن الدولي إلى “استخدام آليات بديلة للتخفيف من المعاناة التي تسببها الترتيبات السياسية المؤقتة، التي عفا عليها الزمن، ومفتوحة بلا سقف زمني”. وربط ذلك بشرط “إذا لم يتمكن المجلسان (النواب والدولة) من التوصل إلى اتفاق سريع”. وحمل باتيلي بالاسم رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة خالد المشري مسؤولية جعل البلاد رهينة لخلافاتهما.
وقال “لم يعد الخلاف المستمر بين شخصين، رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة، حول عدد محدود للغاية من الأحكام في القاعدة الدستورية مبررا كافيا لإبقاء البلاد بكاملها رهينة”.
ويأمل الليبيون أن يقود إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية إلى نقل السلطة وإنهاء نزاعات مسلحة وصراعات سياسية يعاني منها منذ سنوات بلدهم الغني بالنفط.