تونس 2022.. اقتصاد مأزوم ومؤشرات مربكة

تونس – محطات عديدة عرفها الاقتصاد التّونسي طيلة 2022، في وقت يواجه فيه أزمة هي الأسوأ منذ استقلال البلاد في خمسينات القرن الماضي.
الأزمة زاد من وتيرتها عدم الاستقرار السياسي منذ ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي وتداعيات جائحة كورونا. وما تلاها من غزو روسي لأوكرانيا تسبب في أزمة عالمية وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية.
ولعل أبرز المحطات التي سجلت خلال هذه السنة، المفاوضات مع صندوق النّقد الدولي التي انطلقت منذ يوليو الماضي من أجل منح تونس قرضا بحوالي 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات.
المفاوضات توجت باتفاق مبدئي منتصف أكتوبر، فيما كان ملف البلاد على جدول أعمال الصندوق لشهر ديسمبر، إلا أنه وفي الرابع عشر من الشّهر ذاته قرر صندوق النقد الدولي إرجاء ملف تونس إلى أجل غير مسمى.
4.05
مليار دولار هو ما تحتاج إليه تونس من قروض خارجية لتعبئة عجز ميزانية 2022
هذا القرار أثار تفاعلا لدى أوساط الخبراء في تونس، منهم من أرجع ذلك إلى عدم توافق الأطراف الاجتماعية والحكومية حول مضمون الإصلاحات المطلوبة من الصندوق، وأن ذلك قد يؤخر خروج تونس من أزمتها المالية الخانقة.
واشترط الصندوق برنامج إصلاح يتضمّن إصلاحات مالية وجبائية تهدف إلى دفع النمو والاستثمار وتحسين مناخ الأعمال، ومنها إعادة هيكلة المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الأجور.
وأنبأت مؤشرات الاقتصاد التّونسي منذ بداية العام الجاري أنه مقبل على أزمة تستوجب حلولا عاجلة، فنسبة التضخم في البلاد عرفت ارتفاعا “غير مسبوق” وصل إلى 9.8 في المئة خلال نوفمبر الماضي وهي أعلى نسبة تسجلها تونس منذ تسعينات القرن الماضي.
ورافق ارتفاع معدلات التضخم شح في المواد الأساسية ما يزال يرهق المواطن التونسي، فأغلب المساحات الكبرى والمتاجر حددت لزبائنها كمية الشراء لبعض المنتجات، على غرار الحليب والزيت والدقيق والبيض والقهوة والزبدة.
وأرجعت السلطات ندرة هذه المواد إلى ما اعتبره رئيس الجمهورية قيس سعيد “احتكار” كبار التجار لهذه المنتجات.
وتوعّد الرئيس التونسي المحتكرين في أكثر من مناسبة، فيما يرى خبراء اقتصاديون أن ذلك ناجم عن الظروف الدولية وأزمة كورونا، فضلا عن الحرب في أوكرانيا ونقص إمدادات العديد من المواد.
أما نسبة النمو في البلاد فعرفت بحسب بيانات رسمية ارتفاعا طفيفا خلال هذه السنة من 2.4 في المئة خلال الربع الأول إلى 2.8 في الربع الثاني وصولا إلى 2.9 خلال الربع الثالث.
في المقابل، توقع صندوق النقد الدولي في بياناته “تباطؤ النمو في تونس على المدى القريب، بينما سيؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية الدولية إلى الضغط على التضخم وكذلك على الميزان الخارجي والمالي لتونس.
أمّا نسبة البطالة فقد شهدت استقرارا في الربع الثاني من السنة الحالية مقارنة بالفترة التي سبقتها، لتعود إلى مستويات قريبة من معدلات ما قبل الجائحة (15.3 في المئة مقابل 15.1 في المئة في الربع الثاني 2019).
ومع صعوبة خروج تونس للأسواق الخارجية بحثا عن تمويلات واقتراض، فإن الحكومة تتوقع خفض عجزها إلى 5.5 في المئة العام المقبل من حوالي 7.7 في المئة للعام الحالي ضمن إجراءات تقشف بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.
وتحتاج تونس قروضا خارجية بمقدار 12.6 مليار دينار (4.05 مليار دولار) لتعبئة عجز ميزانية 2022، مقارنة بـ12.1 مليار دينار (3.89 مليار دولار) في قانون المالية التكميلي لعام 2021.
ووفق قانون الموازنة لعام 2023، تخطط الحكومة لتعبئة موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار (4.7 مليار دولار)، مقابل قروض داخلية بقيمة 9.5 مليار دينار (3 مليارات دولار).
وبالإضافة إلى تلك المؤشرات، فقد تميزت علاقة السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل أكبر منظمة نقابية في البلاد، بشد وجذب.
ففيما يطالب الأخير الحكومة بتوضيح الوضع ومصارحة الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي بالبلاد وإجراء حوار جدي مسؤول يجمع كل الأطراف، تعتبر الحكومة التونسية أن زيادة النمو وتعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود يتطلبان تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتحكم في التوازنات الكبرى على المدى القصير.
كما ترى الحكومة أنه سيتسنى تجسيم هذه الفائدة الاقتصادية، والتحكم نسبيا في التوازنات المالية من خلال إصلاح المنظومة الجبائية (الضرائب) وتحديث القطاع العمومي (الحكومي) وإصلاح منظومة الدعم.
أما في ما يتعلق بالبرنامج الإصلاحي الذّي يطالب به صندوق النقد، فإن الاتحاد يرفض قطعيا “إلغاء الدعم (الحكومي) على عدد من المواد الاستهلاكية وخصخصة مؤسسات عمومية (بيعها للقطاع الخاص) والضغط على كتلة الأجور وإثقال كاهل الأجراء (العمال) بالضرائب”.
وتزامنا مع ما تشهده الساحة الدولية من أزمات وخاصة منها الحرب الروسية – الأوكرانية، وارتفاع أسعار النفط، عرفت أسعار المحروقات في تونس زيادات عدة.
وهذا العام، رفعت تونس أسعار الوقود في خمس مناسبات، الأولى كانت مطلع فبراير، والثانية في مارس، والثالثة في الرابع عشر أبريل.
فيما كانت الرابعة منتصف سبتمبر الماضي، أما الخامسة فكانت في الرابع والعشرين ديسمبر، وفي كل مرة تتم الزيادة بما بين 50 و100 مليم.