إجراءات حكومية للحفاظ على تماسك الجيش اللبناني

إعطاء مساعدة اجتماعية إضافية للأسلاك العسكرية خطوة لا تبدد المخاوف.
الخميس 2022/12/29
إنهاك مالي يؤثر على الجهوزية

تسعى حكومة تصريف الأعمال اللبنانية إلى الحفاظ على تماسك الجيش اللبناني من خلال صرف مساعدات مالية لفائدة العسكريين الذين تضرروا من الأزمة الاقتصادية رغم شح الموارد المالية. ويقول مراقبون إن هذه الإجراءات ترقيعية ولا تبدد المخاوف من انهيار آخر قلاع الاستقرار في البلاد.

بيروت - وصفت دوائر لبنانية صدور مرسوم حكومي الأربعاء يقضي بإعطاء مساعدة اجتماعية إضافية للأسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية والمتقاعدين بـ"الإجراء المنقوص" رغم أهميته، فيما يعاني الجيش اللبناني من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أثرت على المقدرة الشرائية للعسكريين وجهوزية المؤسسات الأمنية.

ووقع المرسوم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والوزراء في حكومة تصريف الأعمال: الداخلية والبلديات بسام مولوي، وزير الدفاع الوطني موريس سليم، ووزير المالية يوسف الخليل.

ويستمر العمل به إلى حين إنجاز الحكومة مشروعا متكاملا لتعديل الرواتب والأجور، وصدر هذا المرسوم إثر توقيع مشروعه من وزير الدفاع الوطني بعد انتظار لأكثر من أسبوعين.

وتنامى الاستياء في صفوف قوات الجيش بسبب انهيار العملة الذي أدى إلى محو أغلب قيمة رواتب العسكريين. وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية 90 في المئة منذ أواخر 2019 في انهيار مالي يشكل أكبر تهديد لاستقرار لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.

ورغم التحذيرات المتكررة من انهيار المؤسسة العسكرية اللبنانية التي تأثرت سلبا بتداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة لا يزال المانحون الغربيون يوفرون مساعدات عينية لا تحل المشكلة، بل تؤجلها إلى حين. ويدعو خبراء إلى ضرورة تسريع الجهود الدولية لجهة تأمين مباشر لرواتب العسكريين لتحييد الجيش.

◙ الاستياء في صفوف قوات الجيش تنامى بسبب انهيار الليرة الذي أدى إلى محو أغلب قيمة رواتب العسكريين اللبنانيين

وتقول دوائر سياسية لبنانية إن الدعم المالي المحدود للجيش اللبناني خطوة قد تؤجل انهياره ولا تبدده، منتقدة قصور الخطط الحكومية في الاستجابة للنداءات المتكررة لقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون.

وتشير هذه الدوائر إلى أنه إضافة إلى التقصير الحكومي في تلبية حاجيات الجيش، المدفوع بأزمة اقتصادية ومالية حادة، لم تغادر القوى الغربية مربع التلكؤ في الاستجابة لضروريات المرحلة الراهنة، رغم أنها تعتبر تحييد المؤسسة العسكرية اللبنانية عن الأزمة الاقتصادية أساسيا لاستقرار لبنان.

ويطالب خبراء غربيون ولبنانيون بضرورة تسريع المساعي الدولية لتوفير تمويل مباشر لرواتب العسكريين والأمنيين، وهي مطالب لم يتبنها المجتمع الدولي إلى حد الآن لاعتبارات لا تزال غير واضحة وغير مبررة. ورغم هذه المخاوف لا يزال المجتمع الدولي يتبع إستراتيجية الدعم العيني للجيش اللبناني، وهي إستراتيجية أثبتت قصورها.

وحسب تقديرات دولية، يحتاج الجيش اللبناني إلى ما بين 90 و100 مليون دولار سنويا لتمكين القيادة من تأمين 100 دولار إضافية على رواتب العسكريين الذين يعانون مصاعب فعلية مع تبخر رواتبهم التي لم تعد تتجاوز الـ70 أو 80 دولارا، مع الارتفاع المتفلت لسعر الصرف في السوق الموازية.

واستطاعت المؤسسة العسكرية تأمين مساعدات من دول عربية وغربية، وهي تصل دوريا إلى بيروت، وغالبيتها حصص غذائية ووجبات طعام للجنود وعائلاتهم، إلا أن ذلك غير كاف لتأمين استمرارية وحدات الجيش.

ولطالما اعتبر اللبنانيون جيشهم مرساة للاستقرار، فهي إحدى المؤسسات الوحيدة التي تقف فوق انقسامات البلاد منذ الحرب الأهلية، ومن خلال الحروب مع إسرائيل والتفجيرات العسكرية والاضطرابات الداخلية، إلا أن الجيش اللبناني مهدد الآن بانهيار مالي مدمر في البلاد، وهو أحد أسوأ الانهيارات التي شهدها العالم خلال الـ150 عاما الماضية وفقًا للبنك الدولي.

ويضع الانهيار الاقتصادي ضغوطا غير مسبوقة على القدرات العملياتية للجيش، مما قد يؤدي إلى القضاء على رواتب الجنود وتدمير الروح المعنوية لواحدة من القوى القليلة التي توحد لبنان في وقت تتصاعد فيه التوترات والجريمة وسط فقر السكان المتزايد.

نظرة يائسة من وضع يزداد تعقيدا بسبب غياب التحفيزات
نظرة يائسة من وضع يزداد تعقيدا بسبب غياب التحفيزات 

ومسألة الجيش اللبناني تدق ناقوس الخطر، وهو أمر غير معتاد بالنسبة إلى قوة ربما تكون فريدة من نوعها في الشرق الأوسط من حيث أنها تظل إلى حد كبير خارج السياسة.

وحذر قائد الجيش العماد جوزيف عون في خطاب ألقاه أمام الضباط في مارس من أن الجنود "يعانون وجوعى مثل باقي الناس". وانتقد صراحة القيادة السياسية التي أصيبت بالشلل بسبب الاقتتال الداخلي ولم تفعل شيئًا تقريبا لمعالجة الأزمة.

وأكد مسؤول عسكري كبير أن الوضع الاقتصادي أثر بشكل كبير على الروح المعنوية، وقال "ليس هناك شك في أن هناك استياء كبيرا في صفوف الجيش". وأشار المسؤول إلى أن "الجيش يتطلب واجبات كثيرة"، بما في ذلك الحفاظ على الاستقرار الداخلي.

وقال الضابط، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته تماشيا مع اللوائح، "القيادة قلقة بشأن تطورات الوضع الأمني ميدانيا والقدرة على التعامل مع هذه القضية"، وأضاف أن دعم الجيش أمر حاسم لتجنب وقوع لبنان في الفوضى.

ويوازن الجيش جزئيا حزب الله الفصيل الشيعي المدعوم من إيران والذي يتميز بقوة مسلحة قوية فضلاً عن الهيمنة السياسية. ويحذر مراقبون من أن تدهور الجيش سيسمح لحزب الله بأن يكسب مساحة أكبر، كما يمكن أن يفتح الباب أمام دول كروسيا أو الصين أو إيران أو سوريا لاستمالة القوة وإيجاد طرق للتأثير عليها.

◙ خبراء غربيون ولبنانيون يطالبون بتسريع المساعي الدولية لتوفير تمويل مباشر لرواتب العسكريين والأمنيين

وبعد عقود من الفساد وسوء الإدارة من قبل النخبة السياسية بدأ الاقتصاد اللبناني بالتفكك في خريف 2019 حيث انهار القطاع المصرفي الذي كان مزدهرا في يوم من الأيام، وفقدت العملة حوالي 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء، وهو ما جعل أكثر من نصف السكان يسقطون في براثن الفقر.

وتأثر 80 ألفا من أفراد الجيش بالوضع المالي، فقبل الأزمة كان جندي مجند يتقاضى ما يعادل 800 دولار شهريا، لكن الراتب انخفض الآن إلى أقل من 100 دولار شهريا. ورواتب الضباط أعلى ولكنها انخفضت أيضا الآن إلى حوالي 400 دولار شهريا.

ولترشيد النفقات قررت إدارة الجيش التوقف عن تقديم اللحوم للجنود أثناء الخدمة، ولا تزال تقدم علاجا طبيا مجانيا لكن تمّ الحديث عن تدهور جودة الخدمات بشكل حاد.

وفي حين أن حالات الفرار الإجمالية لا تزال منخفضة نسبيا، فقد شهد الجيش حالات متزايدة من التقصير في أداء الخدمة، ومعدلات عالية دون انقطاع، والمزيد من العمل الإضافي من قبل الأفراد لزيادة الرواتب.

وقال إلياس فرحات، وهو لواء متقاعد من الجيش اللبناني يعمل حاليا باحثًا في الشؤون العسكرية، إنه لا يعتقد أن سيناريو الانهيار ممكن الآن، مؤكدا أن هذه ليست أزمة جيش بل أزمة بلد.

2