"التزييف العميق" تقنية ذكاء اصطناعي في خدمة السياسيين

الأخبار الكاذبة تهيمن على الانتخابات عبر العالم.
الأربعاء 2022/12/28
حيل لا تنطلي دائما

“التزييف العميق” عملية جمع لملفات الصوت والفيديو بواسطة الذكاء الاصطناعي أو التعلم الآلي بشكل دقيق يعتمدها السياسيون في تكتيكات تهدف إلى زرع الشك في المسارات الديمقراطية، كما حصل أثناء الانتخابات التي نظمت في 2022 في الولايات المتحدة والبرازيل وحتى في إسرائيل والمجر.

واشنطن - من الولايات المتحدة إلى البرازيل مرورا بإسرائيل، طبعت حملات التضليل الإعلامي الانتخابات التي نظمت في 2022 مع أن الكثير من الناخبين لم ينجروا إلى هذه التكتيكات التي تهدف إلى زرع الشك في المسارات الديمقراطية.

اجتاحت أخبار كاذبة تويتر وفيسبوك وتيك توك ويوتيوب مع صور معدلة تهدف إلى التلاعب بالناخبين فضلا عن مقاطع فيديو تعتمد “التزييف العميق” وهي تقنية ذكاء اصطناعي تقوم على استبدال وجه بوجه آخر. وتتُهم المنصات المختلفة بالتخاذل في مكافحة هذه التهديدات.

وذكر تقرير لموقع “بروبيبليكا” أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تراجعت عن محاربة التضليل الانتخابي بعد اتهامات الجمهوريين بأنّ الإدارة كانت تحاول خنق المعارضة. وبحسب التقرير، فإن “حقيقة جهود الإدارة كانت أقل قوة من خطابها”.

ولجأ الكثير من المرشحين الأميركيين إلى تكتيات دونالد ترامب المنافية للديمقراطية مثل تأكيدات بحصول تزوير انتخابي من دون تقديم أدلة، لكن خلافا لتوقعات الجمهوريين الذين كانوا يعولون على “موجة حمراء” في انتخابات منتصف الولاية لحقت هزيمة نكراء بغالبية المرشحين الذين دعمهم الرئيس السابق.

وتعليقا على الموضوع يرى مايك كولفيلد، الباحث في “المركز من أجل رأي عام مطلع” في جامعة واشنطن، أن قادة الحزب الجمهوري “بات مقتنعا على ما يبدو بفكرة أن تبني نظرية المؤامرة أفضى إلى اختيارات سيئة على صعيد المرشحين”.

حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو أطلق حملة «أوقفوا التزوير» لتحسين فرص تحقيق الفوز في الانتخابات

ويقول كولفيلد إن النظرية أقنعت الحزب بأنها قادت إلى “تعبئة محدودة للناخبين وإلى زرع عدم الثقة بينهم، وإلى آفات أخرى كثيرة”. ويضيف “سيحاول الكثيرون الآن إبعاد أنصارهم عن فرضيات المؤامرة حول التزوير الانتخابي”.

في البرازيل، حيث شهدت الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية منافسة بين الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو والمرشح اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، زخرت الحملة الانتخابية بالتضليل الإعلامي إذ ندد الرئيس المنتهية ولايته على غرار دونالد ترامب بحصول تزوير انتخابي من دون أن يبرز أي دليل.

وفاز لولا في نهاية المطاف في حين أظهرت استطلاعات للرأي أن غالبية الناخبين البرازيليين لا يزالون يثقون بالتصويت الإلكتروني، إلا أن محللين حذروا من أن مكافحة التضليل الإعلامي لا تزال تحتاج إلى جهود حثيثة.

وفي إسرائيل أيضا، باشر حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو حملة “أوقفوا التزوير” ما إن أعلن إجراء انتخابات جديدة. وقد أكد الحزب ومناصروه مرارا وتكرارا هذه الاتهامات لتحسين فرص تحقيق الفوز على ما أفاد محللون.

ويقول آشيا شاتس من مجموعة مكافحة التضليل الاعلامي “فايك ريبورتر”، “روج الليكود لادعاءات مفادها أن الاقتراع مزور وأن اللجنة الانتخابية في إسرائيل تتحكم فيها الدولة العميقة”، أي أن مسؤولين كبارا يسيطرون سرا على مفاصل الحكم.

وفاز الليكود وحلفاؤه اليمينيون بغالبية المقاعد في البرلمان ما فتح الباب أمام عودة نتنياهو إلى السلطة. ولم يعترض نتنياهو على نتيجة الاقتراع.

وعكست الأزمة الانتخابية ظهور حالة غير مسبوقة من الاستقطاب والاحتقان الداخلي، وتتجلى في انقسام المشهد السياسي عموديا بين معسكرين مركزيين متوازيين ينتظمان ظاهريا وفق موقفهما من نتنياهو وليس وفق مبادئ سياسية أو قضايا أيديولوجية، معسكر داعمي نتنياهو ومعسكر معارضيه.

Thumbnail

ويخيم طيف دونالد ترامب كذلك على السياسة في المجر حيث ساند الرئيس الأميركي السابق رئيس الوزراء اليميني المتشدد فيكتور أوربان قبل انتخابات أبريل التي تخللها تضليل إعلامي كبير.

وجاء في دراسة لمركز الأبحاث المجري “بوليتيكال كابيتال” أن حزب فيكتور أوربان فيديس “استفاد إلى الحد الأقصى من سيطرته على وسائل الإعلام لنشر ادعاءات غير صحيحة أو خادعة واتهامات ضد معارضيه”.

وقبيل الاقتراع أكد فيكتور أوربان الحليف الكبير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من دون أي دليل أن خصومه “أبرموا اتفاقا مع الأوكرانيين” لتقديم الأسلحة والمساعدات لهم في حال فوزهم. وحقق حزب فيديس فوزا ساحقا.

ويشهد العالم عموما ميلا متزايدا إلى التضليل الاعلامي على صعيد الانتخابات ما يقلص ثقة الرأي العام بالمؤسسات الديمقراطية وقد يؤدي إلى فوضى إذ قد يسعى البعض إلى التلاعب بالنتائج.

في الفيليبين، بلغ التضليل الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي مستويات “غير مسبوقة” خلال الانتخابات الرئاسية في مايو على ما تقول رايتشل خان من شبكة “تسيك – ف” للتدقيق في صحة الأخبار.

محللون يحذرون من أن الحملات التي تزرع الشك حول نزاهة العملية الانتخابية الأميركية قد تنتعش مع اقتراب انتخابات 2024

وتعرب عن أسفها لكون عمليات التحقق من صحة الأخبار “لا تأثير كبيرا لها” مشيرة إلى وجود “مشكلة كفاءات في وسائل الإعلام، فحتى الذين يقولون إنهم يدركون طريقة كشف التضليل الإعلامي لا يعرفون ذلك”.

في كينيا اتهم المرشحان الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية وليام روتو ورايلا أودينغا بتوظيف “مقاتلين” رقميين. وبدأت الأخبار الكاذبة في الانتشار قبل نحو عام من الانتخابات في أغسطس الماضي ولاسيما فيديوهات “تزييف عميق”.

وأكدت محكمة كينيا العليا انتخاب وليام روتو إلا أن الكثير من أنصار رايلا أودينغا لا يزالون مقتنعين بحصول عمليات تزوير. ومن المقرر إجراء انتخابات العام المقبل في نيجيريا وبدأت من الآن تظهر تكتيكات مماثلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

في الولايات المتحدة، حذر محللون من أن الحملات التي تزرع الشك حول نزاهة العملية الانتخابية قد تنتعش مع اقتراب انتخابات 2024، خصوصا بعدما أعلن دونالد ترامب ترشحه.

وتقول باميلا سميث من مجموعة “فيريفايد فوتينغ” المستقلة “يبقى التضليل الإعلامي أداة فاعلة وسيستمر في استخدامها كل الأطراف التي لا تعترف بنتائج الانتخابات التي لا تفوز بها”.

16