دعوات إقالة الحكومة لا تحل مشاكل الأردن

رغم تواتر الدعوات المنادية بإقالة حكومة بشر الخصاونة التي يحمّلها المحتجون مسؤولية التدهور الاقتصادي الذي تمر به المملكة، لا يزال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني يفكر في هذا الحل لتهدئة الاحتقان؛ إذ أنه حل أثبت فشله في العديد من المرات، كما أنه قد يصور السلطة في حالة ضعف يمكن استثمارها في المزيد من الضغوط.
عمان- هدأت حدة الاحتجاجات الاجتماعية في الأردن التي كادت تخرج عن السيطرة لتنتقل إلى مجلس النواب مع تصاعد الدعوات المطالبة بإقالة حكومة بشر الخصاونة، إلا أن محللين يؤكدون أن مشاكل الأردن الاقتصادية والمالية مسألة هيكلية ولا علاقة لها بالأشخاص أو بالطاقم الحكومي.
ويقول المحللون إن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني توصل إلى قناعة بأن الأزمات التي تمر بها بلاده لا علاقة لها بالكابينة الحكومية وإنما بخيارات اقتصادية ومالية محدودة أمام المملكة أجبرتها على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وتبني خطة إصلاح اقتصادية ضرورية لكنها ليست اجتماعية.
ويشير هؤلاء إلى أن تلك القناعة وراء عدم استجابة العاهل الأردني إلى حد الآن لمطالب إقالة حكومة بشر الخصاونة التي أكد رئيس الوزراء فيها أن “الخيارات المالية ضيقة ومحدودة”.
وضاعف إعلان النائب محمد عناد الفايز منذ أيام عن استقالته من مجلس النواب الضغوط السياسية على البرلمان والحكومة المأزومين، ما قد يؤسس في نهاية المطاف لانقسام داخله يزيد التوتر الاجتماعي احتقانا سياسيا.
وقد أعلن الفايز استقالته الجمعة، بعد مرور أيام على تداول رسالة وجّهها إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قال فيها إن الهبات السعودية تذهب إلى “الفاسدين”.
وجاء إعلان الفايز عن استقالته خلال اجتماع مع أبناء قبيلته بني صخر، إحدى أكبر العشائر الأردنية، بثته مباشرة صفحة “ديوان البادية الأردنية” على فيسبوك.
وقال الفايز إنه “سلم استقالته لأحد زملائه النواب لإيصالها إلى أمانة المجلس”. وطالب “بتشكيل حكومة إنقاذ وطني في ظل ظروف اقتصادية صعبة يشهدها الأردن”.
وبدوره، انتقد النائب صالح العرموطي أداء حكومة الخصاونة على المستويين الداخلي والخارجي.
وقال الاثنين في تصرح صحفي إن “حكومة الخصاونة لم تعد مقبولة شعبيا ولا نيابيا، كما أنها فقدت مبررات وجودها ولم يعد لديها شيء تقدمه”. وداعا الملك إلى إقالة الحكومة وتكليف شخص مقبول شعبيا، تماشيا مع تصريحات سابقة قال فيها إن الحكومة التي لا يريدها الشعب ستتمّ إقالتها.
وأضاف أن “الحكومة غائبة تماما عما يجري في الأردن، فلم يخرج الرئيس رغم كلّ الأحداث ليتحدث إلى الشعب، والحكومة تلوذ بالصمت عند كلّ حدث كبير”، مشيرا إلى أنها لم تحرّك ساكنا وظلّت في سبات عميق رغم كلّ الصراخ الذي علا في البوادي والأرياف بسبب الفقر والجوع والبرد.
ودعا الوزير الأردني الأسبق نوفان العجارمة إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وتشكيل حكومة جديدة وبرلمان جديد في صيف هذا العام.
ويرى العجارمة في مقال له أن الدول تلجأ إلى الانتخابات المبكرة لحسم الكثير من القضايا التي يواجهها المجتمع، ولا بد من الرجوع إلى الناخبين لحسم كافة القضايا المثارة.
وقال إن “الحكومة ليس لديها ما تقدمه، والمواطن غير راض تماماً عن سياسة هذه الحكومة، وهي أكثر حكومة تدنت شعبيتها لدى الناس في استطلاعات الرأي العام بدرجة غير مسبوقة”.
وبين أن “المواطن أيضا غير راضٍ عن أداء البرلمان، والبرلمان غير مؤثر على سياسات الحكومة، وبالتالي فإن المواطن وهو عماد هذا المجتمع وأساس العملية الديمقراطية فقد الثقة بهاتين المؤسستين”.
ويعاني الأردن، وهو أحد أبرز بلدان الشرق الأوسط التي تعتمد على المساعدات، من صعوبات اقتصادية متنوعة منذ سنوات أثرت على نسب النمو وانعكست على معدلات البطالة، مما يتطلب وصفة تضمن الإبقاء على استمرارية الوظائف واستدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بوصفها العمود الرئيسي لخيمة الاقتصاد.
وتصاعدت معدلات الفقر والبطالة أثناء جائحة كورونا بسبب ضعف قدرة السوق على إيجاد وظائف جديدة، ونتيجة فقدان وظائف وتوقّف المشاريع الصغيرة والمتوسطة الريادية وإفلاسها.
ويؤكد اقتصاديون أن الوصول إلى مرحلة التعافي الاقتصادي يتطلب خططاً قصيرة وطويلة المدى تتجاوز الحكومات لمعالجة الأزمات واستعادة نسق النمو، وذلك يمر أساسا عبر تنفيذ إصلاحات ضريبية وجمركية وتغيير التشريعات والقوانين لتسهيل التعافي.
ويُجمع هؤلاء على ضرورة تشكيل لجنة قطاعية مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص لوضع خطط عاجلة بقرارات جريئة واستثنائية كإنشاء صندوق لتعويض القطاعات المتضررة، ولاسيما السياحة والخدمات، وضخّ سيولة في السوق المحلية موزعة بين المواطنين والقطاع الخاص بفائدة قريبة من الصفر وشروط بسيطة.
وفرض غلاء أسعار السلع الاستهلاكية نفسه على الأسواق الأردنية في الأشهر الأخيرة، حيث سُجلت زيادات حادة في أسعار سلع رئيسية أرجعها وكلاء إلى الغلاء الذي يشهده العالم.
وتجد الحكومة الأردنية نفسها أمام معادلة صعبة للتوفيق بين ارتفاع الأسعار عالميا ومراعاة القدرة الشرائية لمواطنيها الذين تراجعت قدرتهم الشرائية بشكل ينذر بتجدد احتجاجات 2018 التي أطاحت برئيس الوزراء السابق عمر الرزاز.
ورصدت الحكومة الأردنية مخصّصات لزيادة شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع قاعدة المنتفعين من صندوق المعونة الوطنية، حيث تم رصد مخصصات زيادة لصندوق المعونة الوطنية بنسبة 38 في المئة، في محاولة للتخفيف من آلام الأردنيين الاقتصادية، إلا أن هذه الخطوات تظل ترقيعية وغير قادرة على بلوغ أهدافها.
وتجنبت الحكومة الأردنية فرض رسوم وضرائب جديدة في موازنة العام 2022، في مقابل ذلك ركزت على محاربة التهرب الضريبي والجمركي.
ويرى عضو حملة “محلي” المجتمعية في عمّان محمد عميرة أن الحكومة الأردنية مطالبة بإيجاد حلول جذرية بعيدا عن الحلول المرحلية، مشيرا إلى أن اللجوء إلى إقالة أو حل الحكومة هو اعتراف مباشر بالعجز عن إيجاد حل، إذ أن هذه الخطوة لا تعدو كونها محاولة لامتصاص غضب الشارع.
إعلان النائب محمد عناد الفايزعن استقالته من مجلس النواب ضاعف الضغوط السياسية على البرلمان والحكومة ما قد يؤسس لانقسام داخله
وقال عميرة “في اعتقادي الموضوع ليس مرتبطا بحل الحكومة، حل الحكومة دائما تستخدمه الدولة لامتصاص غضب الشارع، فالوضع مرتبط بوضع حلول جذرية ودائمة التأثير”.
وأوضح أن الحكومة مطالبة بإشراك مكونات الشعب الأردني في وضع الحلول للأزمة الحالية، وأضاف “الحلول يجب أن تكون بمشاركة عدة أطراف، كالأحزاب والعشائر وجميع مكونات المجتمع الأردني”.
واعتبر كذلك أن الحلول التي تصدر عن الحكومة هي حلول مؤقتة وذات تأثير مرحلي، أكثر مما هي حلول دائمة، مشيرا إلى أن الوضع المتردي في الأردن يحتاج إلى حلول تتطلب وقتا طويلا من العمل وبمشاركة كافة المكونات.
ومنذ أن بدأت الاحتجاجات والإضرابات في الأردن اعتراضا على قرار الحكومة رفْع أسعار المحروقات، لا تجد عمّان الحلول لمنع كرة الثلج من التدحرج، فتوسعت الاحتجاجات حتى وصلت إلى مشارف العاصمة، وتسببت في مقتل ضابط أمن في الجنوب، فيما يتساءل مراقبون “هل يمتلك الأردن خيارات لمواجهة هذه الأزمات؟”.
وشهد الأردن رفعا لأسعار المحروقات 16 مرة منذ عام 2020، وارتفعت الأسعار بنسبة وصلت إلى 50 في المئة، ما دفع فئات واسعة من الشعب إلى التظاهر والاحتجاج على السياسة الاقتصادية.