بريكست يترك آثارا قاسية على نشاط الشركات البريطانية

خبراء اقتصاد يؤكدون أن المملكة المتحدة "لم تشهد قط مثل هذا الاضطراب الكبير في العلاقات التجارية العميقة".
الثلاثاء 2022/12/27
تعب بلا جدوى

ترتسم على الشركات البريطانية علامات الكآبة مع اقتراب عام 2023 جراء التداعيات الوخيمة لبريكست، والتي أضافت المزيد من التكاليف على نشاطها، مما يجعلها تكابد عناء مواجهة مشاكلها عبر بلورة خطط تجارية تساعدها في النهوض من كبواتها.

لندن – بلغت كوابيس بريكست ذروة جديدة بعدما أطلق قطاع الأعمال في بريطانيا صفارات الإنذار من خطر انكماش هذا النشاط على نحو أكثر قسوة عقب حوالي عامين على الخروج الفعلي للبلاد من الاتحاد الأوروبي.

ويؤكد الرؤساء التنفيذيون أن خطوة الانفصال ما زالت تترك وقعا مريرا على العديد من الشركات، والتي تضررت كذلك من تداعيات الأزمة الصحية وانعكاسات الحرب الدائرة في شرق أوروبا منذ عشرة أشهر.

أدريان هانراهان: خروج بريطانيا هو مجرّد تكاليف من دون أيّ فائدة
أدريان هانراهان: خروج بريطانيا هو مجرّد تكاليف من دون أيّ فائدة

ويقول أدريان هانراهان المدير العام لروبنسون براذرز، وهو مصنع صغير للمنتجات الكيميائية في برمنغهام في وسط إنجلترا ويُعتبر الاتحاد الأوروبي سوقا رئيسيا له، إنّ خروج بريطانيا هو “مجرّد تكاليف، تكاليف والمزيد من التكاليف، من دون أيّ فائدة”.

ولا تكمن المشكلة في الرسوم الجمركية التي أُلغيت إلى حدّ كبير بموجب اتفاقية التجارة الحرّة بين لندن وبروكسل بعد اتمام بريكست في اليوم الأخير من يناير 2021، بل تكمن في كمية المعاملات الورقية المرتبط بعودة الضوابط الحدودية، ولو جزئيا حاليا.

وبموجب بريكست، انسحبت بريطانيا من السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي، وانتهت حرية الحركة مع الدول الأعضاء.

وأوضح هانراهان لوكالة الصحافة الفرنسية قائلا “أضفنا على الأرجح 25 في المئة إلى تكاليف إدارتنا، فقط للتعامل مع الشكليات والإجراءات المتغيّرة لإدخال وإخراج السلع من الاتحاد الأوروبي”.

وتوظف الشركة 265 شخصا وتصنّع منتجات كيميائية للعديد من القطاعات، بدءا بالأدوية مرورا إلى الأغذية وصولا إلى السيارات والإلكترونيات. وتظهر الإحصائيات أن روبنسون براذرز تصدر حوالي 70 في المئة من الإنتاج، وأكثر من النصف يذهب إلى الأسواق الأوروبية.

ويعتبر هانراهان أنه “إذا كانت شركتك لا تجري أعمالا تجارية مع الاتحاد الأوروبي، فيمكنك أن تنظر إلى خروج بريطانيا من التكتل على أنه أمر جيد”، لكن بالنسبة إلى العديد من الشركات التي تقوم بأعمال تجارية مع هذا الجار الكبير، فإنّ “الأمر أكثر صعوبة”.

ولم يكن دعم بريكست منخفضا في المملكة المتحدة كما هو في الوقت الحالي. ويرى أقل من ثلث البريطانيين أنه كان القرار الصحيح وفقاً لاستطلاع أجراه معهد يوغوف أخيرا، على الرغم من الجهود المتكرّرة التي بذلتها حكومة المحافظين للترويج لفوائده.

وقال الباحث في كلية لندن للاقتصاد نيخيل داتا إن المملكة المتحدة “لم تشهد قط مثل هذا الاضطراب الكبير في العلاقات التجارية العميقة”. وأوضح أنّ الاتفاقات الموقعة مع دول أخرى، مثل تلك التي تضعها السلطة التنفيذية مع أستراليا في الكثير من الأحيان، ليس لها سوى تأثير “ضئيل”.

نيخيل داتا: الاتفاقات المبرمة مع دول أخرى ليس لها سوى تأثير ضئيل
نيخيل داتا: الاتفاقات المبرمة مع دول أخرى ليس لها سوى تأثير ضئيل

وبذلت الحكومة البريطانية خلال العامين الأخيرين جهودا كبيرة من أجل بناء شراكات تجارية حرة ثنائية مع العديد من الدول الوازنة من الناحية الاقتصادية بما فيها دول الخليج العربي لتعويض خسائر الانسحاب من أوروبا.

ويرى العديد من خبراء الاقتصاد أنّ بريكست أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد، الذي بات اليوم على حافة الانكماش، وذلك من خلال خنق التجارة الخارجية أو الاستثمار التجاري أو عن طريق التسبّب في انخفاض الجنيه الاسترليني.

وتسببت كل تلك المشاكل، فضلا عن آثار الحرب الروسية – الأوكرانية، في تفاقم التضخّم الذي يقترب حاليا من 11 في المئة، والذي أفرز أزمة خطيرة في كلفة المعيشة.

ويقول جوناثان بورتس خبير الاقتصاد في كينغز كولدج “هناك درجة معقولة من الإجماع على أنّ اتفاق بريكست قلّص التجارة الخارجية لبريطانيا بمقدار يتراوح بين 10 و15 في المئة مقارنة بسيناريو عدم الانسحاب”.

وليست روبنسون براذرز وحدها التي تكافح عواقب بريكست، إذ إن أكثر من نصف الشركات تكافح للتكيّف مع القواعد الجديدة، وفقا لغرف التجارة البريطانية.

وأكدت شيفون هافيلاند المديرة العامة للغرف أنّ “الشركات البريطانية تشعر وكأنها تضرب رؤوسها بجدار من الطوب لأنه لم يتم فعل شيء لمساعدتها”، داعية الحكومة إلى مراجعة اتفاقاتها مع بروكسل.

Thumbnail

وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية إنه يجب إجراء “حوار صادق بشأن كيفية تحسين علاقاتنا التجارية مع الاتحاد الأوروبي”. وفضلا عن ذلك، أدى انسحاب بريطانيا من التكتل إلى تعقيد عملية توظيف العمّال الأوروبيين، الذين كانت تعوّل عليهم عدّة قطاعات، من الفنادق والمطاعم إلى الزراعة.

سيمون وولفسون: ما نراه وما يحصل هو بالتأكيد ليس بريكست الذي أردته
سيمون وولفسون: ما نراه وما يحصل هو بالتأكيد ليس بريكست الذي أردته

وبعض رؤساء الشركات “المؤيدين بقوة لبريكست” مثل سيمون وولفسون الذي يرأس شركات الملابس البريطانية العملاقة نكست، أو حتى تيم مارتن الذي يرأس سلسلة حانات ويذرسبون، يطالبون الحكومة بتخفيف قواعد الهجرة. وقال وولفسون الشهر الماضي في مقابلة مع شبكة “بي.بي.سي” إنّ هذا “بالتأكيد ليس بريكست الذي أردته”.

وبينما تُعد المملكة المتحدة الدولة الوحيدة بين دول مجموعة السبع التي لم تعُد بعد إلى الناتج المحلّي الإجمالي قبل الوباء، فإنّ مكتب مسؤولية الميزانية يقدّر أنّ مغادرة الاتحاد الأوروبي ستقلّل من حجم الاقتصاد البريطاني بنحو 4 في المئة على المدى الطويل.

وبانتظار حصول ذلك، ليس أمام أدريان هانراهان في روبنسون براذرز خيار، إذ يقول “يجب أن نقلّل هوامش الربح كي نبقى قادرين على المنافسة”. وأشار إلى أنه “مع ذلك، فإنّ بعض العملاء، خصوصا ألمانيا، يتخلّون عن التبادل معنا إذ من المعقّد جداً بالنسبة إليهم العمل مع أي شخص في المملكة المتحدة”.

وأواخر الشهر الماضي، دافع وزير المالية جيريمي هانت أمام لجنة الخزانة بالبرلمان عن اتفاق التجارة الذي أبرمته بلاده مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست، واصفا إياه بأنه “ممتاز”.

وقال “لم أفكر في أي اتفاق من شأنه أن يحيد عن بريكست”. وأضاف إن “إزالة الحواجز المادية أمام التجارة كما يحصل على الحدود بين فرنسا وسويسرا مثلا، ربما بطريقة تكون ذات صلة بموجب بروتوكول أيرلندا الشمالية، كان موقفي العلني منذ وقت”.

Thumbnail
11