مصر تستنجد بالبنوك لحل مشكلة تكدس البضائع في الموانئ

يختزل استنجاد السلطات المصرية بالقطاع المصرفي لحل أزمة تكدس البضائع في الموانئ مدى الصعوبات المالية الخانقة التي تعاني منها البلاد في ظل شح الدولارات من السوق منذ مطلع العام الحالي، إلى جانب التكاليف والقيود التي يفرضها البنك المركزي.
القاهرة – أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الاثنين أن البنوك ستغطي كل الاحتياجات الدولارية للإفراج عن كافة السلع المتكدسة في موانئ البلاد بسبب شحّ العملة الصعبة.
وجاء كلام السيسي خلال افتتاحه مصنعين لإنتاج الغازات الطبية والصناعية ومحطة لتوليد الطاقة الثلاثية بمجمع الصناعات الكيميائية في أبورواش بمحافظة الجيزة.
وقال السيسي “تم الحرص خلال الفترة الماضية على عدم رفع أسعار الكهرباء للمصانع لضمان عدم انعكاس ذلك على السلع في الأسواق”. وكشف أنه يجري العمل على ضمان توافر الأسمدة بأسعار معقولة نظرا إلى انعكاس ارتفاعها على أسعار الغذاء.
وكان مجلس الوزراء قد أفاد في بيان مساء الأحد الماضي بأنه تمّ الإفراج عن بضائع بقيمة 5 مليارات دولار خلال 23 يوما منذ مطلع ديسمبر الجاري، وذلك من بضائع قيمتها 14.5 مليار دولار.
وتراكمت البضائع في الموانئ المحلية منذ بدء الأزمة في أوكرانيا قبل أشهر، وسط صعوبة في تدبير العملة الأجنبية وشح في التدفقات النقدية الوافدة.
ووضعت الحكومة بالتعاون مع البنوك خطة للإفراج عن البضائع المتبقية البالغة قيمتها 9.5 مليار دولار خلال الفترة المقبلة. وأشارت إلى أن من بينها بضائع صب (الجافة غير المغلفة) تُقدر بنحو 3.4 مليار دولار.
وتركّز السلطات أساسا على تخليص السلع الغذائية ومُكوّنات التصنيع الغذائي والأدوية ومستلزمات الإنتاج. وأكدت أنه سيتم الإعلان تباعا عن حجم البضائع التي سيتم تخليصها.
وتأتي الخطوة بعد أسابيع من موافقة صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح للقاهرة يتضمن قرضا بقيمة 3 مليارات دولار، تصرف على شرائح لمدة 46 شهرا.
وأصدر البنك المركزي منذ فبراير الماضي حزمة قرارات لتقييد الاستيراد، تضمنت وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية.
وأفرزت تلك الخطوات المثيرة للجدل شكاوى متزايدة من جانب المنتجين المحليين بسبب نقص الخامات المستوردة وتعطل عمليات التوريد والتصدير.
لكن الحكومة أعلنت في وقت سابق هذا الشهر اعتزامها إلغاء العمل بنظام الاعتمادات المستندية في نهاية ديسمبر الجاري.
ويمر الاقتصاد المصري منذ بداية هذا العام بتحدّيات، ممتدّة من تداعيات وباء كورونا، وزادتها حدة الأزمة في شرق أوروبا، وقد تجلى ذلك في قفزة التضخم إلى مستويات قياسية حيث بلغ 19.2 في المئة الشهر الماضي مقارنة مع 16.3 في المئة قبل شهر.
وتسببت تلك المشكلة في ارتفاع تكاليف الإنتاج وهو ما جعل معظم الموردين والشركات في موقف ضاغط للغاية لمقاومة هذه المحنة.
كما تراجع احتياطي النقد الأجنبي، وتخارج معظم أموال الصناديق الدولية من سوق الأوراق المالية المحلية، وهو ما رفع حجم الحاجة إلى وجود مخزون قوي من العملة الأجنبية.
أولويات الحكومة في خطة التخليص
- السلع الغذائية
- مُكوّنات التصنيع الغذائي والأدوية
- مستلزمات الإنتاج
وقام المستثمرون الأجانب بسحب نحو 22 مليار دولار من أدوات الدين بعد رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) سعر الفائدة، وتعرض البلد لصدمة ارتفاع أسعار النفط والسلع الأولية عقب نشوب الحرب في أوكرانيا.
وفي أكتوبر الماضي اضطرت بنوك مصرية إلى تشديد قيود سحب الأموال من الخارج مع لجوء عدد آخر إلى مضاعفة رسوم خدمة بطاقة الائتمان، أملا في الحفاظ على السيولة بالسوق المحلية وسط ضغط مالي تعاني منه البلاد.
وتم تقليص السحب إلى النصف، فيما زادت رسوم الخدمة من 3 إلى 6 في المئة تزامنا مع شح العملة الصعبة.
واعتبر محللون أن السبب خلف رفع الرسوم ووضع قيود للسحب هو الفجوة في سعر الصرف بين السوق الرسمية والسوق الموازية، إلى جانب محاولة التقليل من إنفاق العملاء في الخارج.
وتراجع متوسط سعر العملة المحلية إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، إذ سجل الدولار مستوى 24.74 جنيه بحسب بيانات المركزي، بينما كانت العملة الأميركية عند 15.74 جنيها في بداية هذا العام.
وفي مارس الماضي خفض المركزي قيمة الجنيه بنسبة 16 في المئة، ثم عقب ذلك تخفيض آخر بنسبة 18 في المئة في أكتوبر، لتبلغ نسبة انخفاض الجنيه منذ بداية العام نحو 57 في المئة أمام الدولار.
وألقت أزمة تدهور قيمة الجنيه ونقص الدولار، وما صاحبهما من نقص في الخامات ومستلزمات الإنتاج، بظلالها على توقعات القطاع الخاص، الذي بدا بمعظمه متشائما.
ووفق مسح حديث شمل 120 شركة مصرية عاملة في أغلب القطاعات الاقتصادية، أبدى القطاع الخاص توقعات سلبية بشأن الأداء خلال الربع الرابع من هذا العام.
ويعكس هذا الوضع استمرار الصعوبات التي تواجه الشركات محليا، واضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار وتكاليف الشحن وعدم توافر المواد الخام وارتفاع أسعار العملة الأجنبية، ومن ثم استمرار الانكماش في النشاط الاقتصادي.

وبحسب وكالة بلومبيرغ الشرق أظهر مسح “باروميتر الأعمال”، الذي يعده المركز المصري للدراسات الاقتصادية بشكل ربع سنوي، عدم تفاؤل قطاعات الصناعات التحويلية والتشييد والبناء والنقل بتحسن الأداء.
في المقابل، كانت توقعات قطاع مثل الخدمات المالية متفائلة، مع إمكانية عودة المستثمرين الأجانب لشراء الأسهم المصرية، التي باتت أكثر جاذبية بعد خفض قيمة الجنيه ورفع الفائدة.
وتؤكد الشركات بكافة أحجامها ومختلف قطاعاتها على أن التضخم وتغير سعر الصرف وارتفاع تكاليف الإنتاج تمثل أكبر العراقيل التي تكبح نشاطها. واستمر أداء الشركات المصرية خلال الربع الثالث في التراجع، وسجل انخفاضا قدره 5 نقاط عن المستوى المحايد، ما يُعد أقل من مثيله خلال الربع المقابل.
وكان أداء قطاع الصناعات التحويلية والتشييد والبناء والاتصالات والنقل الأكثر تدهورا خلال الربع الماضي، بينما أبدت الشركات مخاوفها من استمرار ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة، ما “يهدد بتوقف الإنتاج”.
وتتماشى النتائج مع ما جاء في مؤشر مديري المشتريات الذي يقيس أداء القطاع الخاص غير النفطي بمصر، والذي صدر في مطلع ديسمبر. وأظهر المؤشر تراجعا من 47.7 نقطة في أكتوبر إلى 45.4 نقطة في نوفمبر، والتي مثلت ثاني أدنى قراءة منذ يونيو 2020.