اتحاد الشغل يستغل أزمة السلطة والمعارضة ويطرح نفسه البديل المنقذ

أطلّ الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي في خطاب مطول لا يخلو من رسائل تهديد ووعيد، ليزيد من تأزيم المشهد السياسي المعقد في تونس، مقدما الاتحاد على أنه القوة المنقذة للبلاد، في الوقت الذي لطالما كان أحد عناصر الأزمة على مدار السنوات التي أعقبت الإطاحة بنظام حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
تونس – شن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي الثلاثاء هجوما لاذعا على الرئيس قيس سعيد وقوى المعارضة، متهما كليهما بالفشل، طارحا الاتحاد الخيار الثالث الذي يملك القدرة على إنقاذ تونس من الوضع الراهن الذي تتخبط فيه، في موقف لا يخلو وفق مراقبين من براغماتية هي أقرب إلى الانتهازية.
ويرى المراقبون أن اتحاد الشغل يحاول استغلال الأزمة التي تشهدها السلطة والمعارضة معا، للعودة وقيادة المشهد السياسي، متسائلين كيف للمنظمة الشغيلة التي تعتبر أحد المساهمين الأساسيين في تدهور الوضع الحالي أن تكون القوة المنقذة للبلاد؟ وبأي آليات وهي من المفترض أنها منظمة عمالية لا علاقة لها بالسياسة؟
وقال الأمين العام لاتحاد الشغل إن المعارضة لم تستوعب الدرس وإن الشعب التونسي كره الجميع، متوجها إلى الرئيس قيس سعيد قائلا “فشلتم فشلا ذريعا في إدارة الشأن العام، والوطن مسؤولية وله نواميسه وليس بالمراهقين السياسيين”.
وهدد الطبوبي بأن الاتحاد لن يبقى مكتوف الأيدي حيال الوضع الراهن، مضيفا “السكوت يعتبر جريمة.. لن نترككم تعبثون بهذا الوطن مهما كانت التكاليف”.
وجاءت تعليقات الطبوبي في خطاب أمام حشد من أنصار الاتحاد، وبعد يومين من انتخابات برلمانية شهدت نسبة مشاركة بلغت 11.2 في المئة، وهو مستوى متدنّ لم تشهده تونس من قبل، وحاولت قوى المعارضة استثمار الأمر للنيل من شرعية المسار الحالي لكنها فشلت في ظل عدم تجاوب في الداخل والخارج أيضا.
واعتبر الطبوبي الذي خلع عباءة النقابي ليرتدي ثوب السياسي الثلاثاء أن “الوضع تعفّن، فالأول يتوجه للشعب التونسي بملزومة (قصيدة) متكونة من أربع كلمات، والآخر أبكم لا يتكلم”، في ما بدا إشارة إلى الرئيس سعيد وإلى رئيسة الحكومة نجلاء بودن.
وأضاف الأمين العام للاتحاد أن هناك من يقوم بزخرفة المسار الحالي، قائلا “تعقلوا والاتحاد منذ 2020 صرح أن الأمور تتجه نحو التعكر والانهيار الاقتصادي”، متسائلا “عن أي مسار تتحدثون والدولة تتجه نحو العروشية (القبلية)؟”.
وشدد الطبوبي على أنه وقع تقسيم الدولة التونسية إلى جزر وأن المسار الحالي متشعب ولا يمثل دولة المساءلة، قائلا “المنظمة لن تتخلى عن دورها الوطني مهما كانت القيادة، وإذا لم يتم إنقاذ الوطن لا يمكن التقدم، والاتحاد سيكون درعا منيعا أمام من يقوم بتفكيك الوطن، ولا للشعبوية”.
ويقول المراقبون إن اتحاد الشغل يتصرف وكأنه حزب سياسي وليس منظمة تعنى بقضايا العمال، وهذا ليس بجديد حيث سبق أن حاول أن يتجاوز دوره منذ تأسيس دولة الاستقلال، وقد نجح في ذلك نسبيا خلال السنوات العشر التي أعقبت سقوط نظام حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011.
ويشير المراقبون إلى أن الاتحاد كان جزءا أصيلا من منظومة الحكم السابقة، ولعب أدوارا كبيرة في صياغة التوافقات السياسية العرجاء التي انتهت إلى تقاسم مصالح ونفوذ بين القوى السياسية المختلفة.
ويلفت المراقبون إلى أن اتحاد الشغل ساهم أيضا في تشكيل الحكومات المتعاقبة التي فشلت فشلا ذريعا في إدارة الوضع الاقتصادي، وفي تحقيق الإصلاحات المطلوبة، واليوم يحاول الاتحاد أن يتملص من مسؤوليته في وصول الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى هذا المنزلق الخطير، ويقدم نفسه على أنه قوة بديلة.
وقال الطبوبي في خطابه المثير للجدل إن الأحزاب السياسية فشلت وعلى المجتمع المدني لعب دوره، حيث أن المسألة أصحبت مسألة إنقاذ وطن في ظل أحزاب تتنازع وتتصارع، مشددا على أن الاتحاد أكبر قوة اقتراح وخير.
وأضاف الأمين العام لاتحاد الشغل أن الاتحاد سيقدم اقتراحاته كقوة وطنية، مؤكدا أنه لن يسمح بالعنف والتطاحن.
وأعلن عن روزنامة اجتماعات للمجالس القطاعية للاتحاد والمكتب التنفيذي خلال الأسبوع الجاري والأيام القادمة يليها انعقاد هيئة إدارية وطنية لاتخاذ قرار مناسب ضد الوضع الحالي “لأجل الوطن”.
واعتبر الوزير الأسبق ورئيس الائتلاف الوطني التونسي ناجي جلول أن “اتحاد الشغل أصبح يتصرّف كحزب سياسي، ولا يمكن له أن يكون بديلا سياسيا”.
وأضاف جلول في تصريح لـ”العرب” أن “المنظمة الشغيلة كانت مشاركة في الأزمات السابقة بعد عام 2011، وأن الاتحاد ساهم في إسقاط عدد من الوزراء في الحكومات السابقة، كما لعب دورا كبيرا في إجهاض جهود إصلاح منظومة التعليم”.
من جهتها رأت الناشطة السياسية شيراز الشابي أن “المسؤولية في السنوات العشر الماضية هي جماعية بما في ذلك اتحاد الشغل الذي يتحمل جزءا منها”، محذرة من أن الأمور تتجه في تونس إلى الأسوء وأن الوضع بات أكثر خطورة.
وقالت الشابي في تصريحات لـ”العرب” إنه “لا يحق للاتحاد القفز مجددا إلى المربع السياسي، بل لا بدّ من مبادرة سياسية من رئاستي الجمهورية والحكومة لتنظيم حوار وطني حقيقي لا يقصي أحدا”.
وفي خطابه ألمح الطبوبي إلى تصعيد منتظر، متوجها إلى الرئيس سعيد “الوقت انتهى، وإذا لم تفهم الرسالة فإن الناس سيقولون كلمتهم من خلال النضال السلمي”، في موقف يحمل الكثير من الازدواجية، فمن جهة يدعو إلى الحوار ومن جهة ثانية يطرح التصعيد.
ويرى متابعون أن المواقف التي أعلن عنها اتحاد الشغل من شأنها أن تزيد من تعقيد المشهد الحالي في تونس بدل احتوائه، وأن لغة التهديد التي تضمنها خطاب الطبوبي تشي بأن المنظمة لم “تتعلم هي أيضا الدرس”.