أمن دول الشمال الأوروبي مسؤولية مهمة لبريطانيا

لا مصداقية لفرنسا وألمانيا في منطقة البلطيق بسبب سلوكيات سابقة مع روسيا.
الاثنين 2022/12/19
أمن الشمال الأوروبي والبلطيق ضرورة جيواستراتيجية

بقاء بريطانيا كحليف موثوق به لمنطقة الشمال الأوروبي ودول البلطيق يعد استثمارا مهما على المدى الطويل في الأمن البريطاني والأوروبي وأمرا حاسما بالنسبة إلى الأهمية الجيوسياسية العالمية للمملكة المتحدة.

لندن - تعاظم دور المملكة المتحدة في أمن دول الشمال الأوروبي ودول البلطيق خلال العقد الماضي. وتعد المنطقة عنصرا مهما للمصالح الإستراتيجية البريطانية الجوهرية، ويتوافق تقييم المملكة للتهديد بشكل وثيق مع وجهات النظر الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة، حيث وصفت المراجعة المتكاملة لعام 2021 روسيا بأنها “التهديد الأشد خطورة لأمننا”.

وقال المحللان توماس جيرمالافيشيس، رئيس الدراسات والباحث بالمركز الدولي للدفاع والأمن بإستونيا، وأليس بيلون جالاند الباحثة في معهد تشاتام هاوس البريطاني المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية، إنه منذ غزو روسيا لأوكرانيا كان هناك تقدير على نطاق واسع في منطقة الشمال الأوروبي ودول البلطيق لموقف المملكة المتحدة القوي تجاه موسكو، وللخطوات الملموسة التي تم اتخاذها لمساعدة أوكرانيا وتعزيز الدفاع والردع في الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي.

وأضاف المحللان أنه يُنظر إلى المملكة المتحدة على أنها شريك موثوق به، ولكن لكي تواصل الإسهام في أمن المنطقة، فإنه يتعين عليها الإقدام على خيارات صعبة فيما يتعلق بإنفاق المملكة المتحدة الدفاعي وقدراتها العسكرية وطموحات لندن على الصعيد العالمي.

الحرب في أوكرانيا تؤكد أن المنطقة الأورو - أطلسية تحتل الأولوية بالنسبة إلى المملكة المتحدة وسوف تظل كذلك

وتعد بريطانيا مساهما رئيسيا في نهج حلف شمال الأطلسي  الخاص بالردع في الجناح الشرقي للحلف، حيث تخدم كدولة إطارية للمجموعة القتالية للوجود الأمامي المعزز للناتو في إستونيا وتسهم في مجموعة قتالية أخرى في بولندا.

وإضافة إلى إسهامها في مهمة المراقبة الجوية في منطقة البلطيق والقوة البحرية في المنطقة التابعة للناتو تعد المملكة المتحدة شريكا أمنيا مهما في المنطقة وفي قوس أوسع نطاقا عبر أوروبا.

وتقود المملكة المتحدة القوة الاستكشافية المشتركة، وهي إطار للتعاون العسكري ذات قيمة عالية بسبب مرونتها في الاستجابة لاحتياجات الدول المشاركة، بما في ذلك السويد وفنلندا غير العضوتين في الناتو، وهي تركز على نحو متزايد على شمال المحيط الأطلسي ومنطقتي الشمال العليا والبلطيق الأوسع نطاقا.

كما تشهد المملكة المتحدة تعاونا دفاعيا ثنائيا متزايدا مع النرويج والدنمارك وإستونيا وحلفاء إقليميين وشركاء آخرين.

وأشار المحللان إلى أن هناك توقعات معقولة بأنه ربما تضطلع ألمانيا أو فرنسا في مرحلة ما بدور أكبر في هذا الجزء من أوروبا، من خلال البناء على مشاركة فرنسا في المجموعة القتالية للوجود الأمامي المعزز للناتو في إستونيا وقيادة ألمانيا لهذه المجموعة في ليتوانيا.

وبينما تظل باريس أكثر تركيزا على الجناح الجنوبي والجنوبي الشرقي للناتو وبناء الدور الدفاعي للاتحاد الأوروبي، فإن برلين تؤدي غالبا أداء ضعيفا كقوة قيادية أو تنظيمية لجهود تعاونية في جميع أنحاء أوروبا.

وتواجه فرنسا وألمانيا مشكلة تتعلق بالمصداقية في منطقة الشمال الأوروبي والبلطيق بسبب سياساتهما السابقة تجاه روسيا، والتي تعود إلى الظهور من حين إلى آخر عند مناقشة الدعم العسكري لأوكرانيا أو كيفية معاملة روسيا في النظام الأمني الأوروبي في فترة ما بعد الحرب.

وتابع المحللان أنه على النقيض من ذلك، تعرض المملكة المتحدة قدرة عسكرية وتبدى إرادة سياسية قوية وتنتهج تقليدا قائما منذ فترة طويلة بالانخراط في منطقة الشمال الأوروبي والبلطيق وتتحلى بالسرعة في صنع القرار.

ويتمثل هذا في الضمانات الأمنية الثنائية المقدمة للسويد وفنلندا خلال إجراءات انضمامهما إلى الناتو، والزيادة في الأصول التي تم إرسالها إلى المنطقة في أعقاب الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، مثل مجموعة قتالية إضافية ومروحيات من طراز شينوك إلى إستونيا، إضافة إلى نشر عناصر أمامية لمقر قيادة القوة المشتركة الدائمة في لاتفيا وليتوانيا كجزء من المجموعة القتالية للوجود الأمامي المعزز للناتو.

وبسبب الحرب في أوكرانيا يتحرك مركز ثقل الأمن الأوروبي شرقا. ومن المحتمل أن تحتل منطقة الشمال الأوروبي ودول البلطيق مكانا أكثر بروزا في التحديث المقبل للمراجعة المتكاملة التي تجريها المملكة المتحدة، لأن الحرب في أوكرانيا والنهج الدفاعي المتقدم الجديد للناتو سوف يجعلان اهتمام المملكة المتحدة والقدرات العسكرية يركزان على أوروبا في المستقبل المنظور.

وتؤكد الحرب في أوكرانيا أن المنطقة الأورو - أطلسية تحتل الأولوية بالنسبة إلى المملكة المتحدة وسوف تظل كذلك.

ويعد البيان البريطاني الإستوني المشترك وخارطة الطريق الدفاعي، التي تمثل محاولة للتوفيق بين رؤية لندن بشأن الردع الحديث مع تفضيل تالين لوجود المزيد من القوات على الأرض، نموذجا جيدا.

ومع حلول قمة الناتو في فيلنيوس في عام 2023، سوف يكون إحراز تقدم بشأن تطبيق خارطة الطريق مقياسا هاما لنجاح العلاقة الثنائية ولدور المملكة المتحدة الإقليمي الأوسع نطاقا.

وتحصل المملكة المتحدة على فوائد جمة من تعميق وتوسيع نطاق انخراطها في منطقة الشمال الأوروبي ودول البلطيق، وليس فقط من خلال إظهار قيادتها الإقليمية في وقت الحاجة الماسة أو كسب المزيد من النفوذ في أوروبا وعبر الأطلسي في المناقشات الإستراتيجية بشأن صياغة المنظومة الأمنية في المستقبل.

وفي عام 2023، سوف يراقب الحلفاء في منطقة الشمال الأوروبي ودول البلطيق عن كثب اتخاذ المملكة المتحدة لقرارات مهمة فيما يتعلق بالأولويات الإستراتيجية ومخصصات ميزانية الدفاع وهيكل القوة.

5