الثأر والانتقام ينتشران في مناطق شمال سوريا

في غياب سلطة تنفيذية وقضائية شُكلت لجان صلح وحل لها طابع مجتمعي للحدّ من المشاكل وحل الكثير منها.
السبت 2022/12/17
تزايد عقد مجالس الصلح العشائرية

دير الزور (سوريا) - عصفت رياح الحرب بقوة في مناطق شمال شرق سوريا وتعددت جهات السيطرة خلال أكثر من 12 عاماً كان لها الأثر الكبير على منطقة تعادل حوالي ربع مساحة سوريا، وسجلت تلك المناطق أعلى نسبة ارتكاب جرائم قتل وثارات على مستوى سوريا.

وأمام هذا التنوع في السيطرة أصبحت القبيلة والعشيرة والعائلة هي الملاذ لحل المشاكل، وأصبحت الحدث اليومي لصفحات التواصل الاجتماعي التي تنقل يومياً أنباء عن سقوط قتلى وجرحى نتيجة الخلافات، والبعض منها لا يرقى إلى خلاف بسيط يتحول إلى مذبحة وجريمة. ونظراً إلى غياب السلطة التنفيذية والقضائية شُكلت لجان صلح وحل لها طابع مجتمعي للحدّ من المشاكل وحل الكثير منها.

ويعتبر الشيخ غزال الهفل أحد شيوخ قبيلة العكيدات في ريف دير الزور الشرقي أن “ما حملته سنوات الحرب من تداعيات وانفلات أمني وغياب سلطة الدولة والقانون، دعا إلى اللجوء إلى العرف العشائري، حيث يعتبر هو النافذ ولا يتعارض مع حدود الله وذلك من خلال لجان شرعية، ورئيس اللجنة الشرعية الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الشريعة، وهناك حقوقيون ورجال قانون، والتحكيم يتم وفق اللجنة الشرعية والوجهاء الشيوخ والوجهاء أصحاب السيرة الحسنة”.

أحمد الرمح: ما يجري في مناطق شمال شرق سوريا هو جريمة بحق تلك المناطق التي تركت تحت رحمة الفصائل وداعش
أحمد الرمح: ما يجري في مناطق شمال شرق سوريا هو جريمة بحق تلك المناطق التي تركت تحت رحمة الفصائل وداعش

ويؤكد الشيخ الهفل الذي يعيش في بلدة ذيبان في ريف دير الزور الشرقي وتعد معقل مشيخة قبيلة العكيدات أكبر القبائل العربية في شرق سوريا أن “العرف والقانون العشائري يختلفان عن القانون الوضعي، وهذه المناطق ما زالت تتمسك بالعرف العشائري لأنه يذهب دائماً باتجاه الصلح، وأكثر من 80 في المئة من القضايا والمشاكل التي تشهدها المنطقة يتم حلها وفق اللجنة العشائرية والشرعية، إن كان دفع الدية في القتل العمد أو العفو”.

ويرى الشيخ الهفل أن “إغلاق المدارس خلال سنوات وضياع التربية والتعليم والانفلات الأمني وانتشار السلاح وهجرة الناس والضغط المعيشي سببت حالة التوتر والضغوطات النفسية وتفشي ظاهرة المخدرات والبعد عن الدين، وهذه كلها أسباب تقف خلف ما يجري حالياً”.

وتشكل محافظة الحسكة واحدة من مناطق تداخل السيطرة بين القوات الحكومية السورية وقوات سوريا الديمقراطية الأمر الذي أوقف الملاحقة لبعض مرتكبي الجرائم خلال توجههم إلى المنطقة الأخرى.

ويعتبر الشيخ ضاري الفارس أحد شيوخ قبيلة طي العربية في مناطق شمال شرق سوريا أن ما يجري على الأرض هو نتيجة الحرب التي تجاوزت عامها الثاني عشر، ووجود جيل فقدت بالنسبة إليه هيبة الدولة والخوف واحترام القانون، وتوزع مناطق السيطرة وسهولة ومغادرة البلاد.

ويضيف الشيخ الفارس أن “الكثير ممن ارتكبوا الجرائم غادروا سوريا ومنهم من وصل إلى تركيا وأوروبا وغيرها إضافة إلى انتشار السلاح والفوضى”.

وتابع الشيخ الفارس “يعمل شيوخ ووجهاء قبيلة طي العربية بالتعاون مع وجهاء وشيوخ القبائل الأخرى على حل الكثير من المشاكل والتحري عن وجود أي مشكل حتى لا يتطور الأمر ونطوّق الحريق قبل اندلاعه، حيث حللنا مئات من المشاكل التي كانت مرشحة لتكون بداية لجرائم كبيرة، بل وفرضنا إبعاد القاتل كما جرى منذ عدة أشهر حين أُبعد شخص قتل خمسة أشخاص إلى خارج محافظة الحسكة”.

ويقر الشيخ هويدي الشلاش أحد شيوخ قبيلة العفادلة التي تنتشر في مدينة الرقة ومحيطها وريفها الشرقي وتعد واحدة من أكبر قبائل محافظة الرقة بصعوبة الوضع في المحافظة، ويقول “قبل اندلاع الأزمة كان عدد سكان محافظة الرقة لا يتجاوز 800 ألف نسمة، اليوم عدد سكان المدينة فقط أكثر من مليون شخص، إضافة إلى وجود خليط من كل المحافظات، وهذا الخليط أوجد عقلية الانتقام والثأر واندلاع المشاكل التي غالباً ما تحل بشكل بسيط”. ويضيف الشيخ الهويدي “لولا وجود شيوخ القبائل الذين هم صمام الأمان لوجدت هناك عشرات من المشاكل يومياً”.

ويعكف وجهاء وشيوخ عشائر وحقوقيون وشرعيون في محافظة الرقة على وضع “دستور عشائري يتضمن وضع حل وضوابط لموضوع الدم والقتل المتعمد، وأن يسأل صاحب الجرم بعيداً عن عشيرته وقبيلته، بل نحاول أن نحصر الأمر بالقاتل فقط، نظراً إلى ما لهذا الأمر من أهمية بالغة للحد من توسع وانتشار ظاهرة القتل والجرائم، إضافة إلى مواضيع السرقة والمخدرات”.

◙ بعض الجهات الحكومية السورية يكون قريبا من مناطق وقوع تلك الجرائم مكانيا لكنها لا تستطيع فعل شيء باعتبارها خارج مناطق سيطرتها

ويرى الباحث الحقوقي أحمد الرمح أن ما جرى في مناطق شمال شرق سوريا هو جريمة بحق تلك المناطق التي تركت تحت رحمة الفصائل وداعش وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ويؤكد الرمح أن "عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا جراء الخلافات العائلية والعشائرية يفوق عدد الذين قتلوا في المعارك، ولا يمر يوم إلا ونجد عدداً من القتلى والجرحى جراء خلافات بسيطة في مناطق شمال سوريا لم يعد يتسع لهم مقام التسجيل نظراً إلى كثرتهم وأصبحت جرائم القتل تمرّ دون اكتراث". وأضاف أن "الجهات الحكومية السورية البعض منها يكون قريبا من مناطق وقوع تلك الجرائم مكانياً، لكنها لا تستطيع فعل شيء باعتبارها خارج مناطق سيطرتها".

ويقول مصدر قضائي سوري إن “الجهة القضائية والقانونية التابعة للحكومة السورية من محكمة وشرطة ليس لها وجود في مناطق سيطرة قسد وفصائل المعارضة في الشمال، كل ما يحصل من جرائم في تلك المناطق إذا لم يتم تقديم شكوى من قبل أصحاب العلاقة لا نستطيع فعل شيء (..) هناك العشرات من الدعاوى التي رفعت ضد أشخاص ارتكبوا جرائم في مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية وتم رفع بطاقة بحث عن الجناة وهذه مدتها بالنسبة إلى جريمة القتل 15 سنة وبالنسبة إلى الجنايات عشر سنوات”.

2