نقاد وشعراء وفنانون يحتفون بالعربية بالشعر واللوحات في مراكش

دار الشعر بمراكش تواصل برمجتها الشعرية والثقافية لشهر ديسمبر من خلال تظاهرة "ذاكرة شعرية" في دورتها الرابعة.
السبت 2022/12/17
الخط العربي فن شاعري

مراكش (المغرب) - احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، خصصت دار الشعر بمراكش برمجتها الثقافية لشهر ديسمبر للغة الضاد، من خلال تنظيم لقاءات وتظاهرات تحتفي من خلالها بمكانة اللغة العربية وتأكيد رسالتها المركزية في البناء الحضاري، واستحضارا لدورها الفاعل في ترسيخ التنوع والحوار وإبراز إسهامها المعرفي والفكري والعلمي.

وفي هذا الإطار احتضن فضاء مقر الدار بالمركز الثقافي الداوديات مساء الجمعة السادس عشر من ديسمبر فعاليات الندوة الوطنية حول موضوع “الشعر والكاليغرافيا”، والتي شهدت مشاركة ثلة من النقاد والباحثين والشعراء والفنانين.

وشهد هذا اللقاء العلمي تقديم مداخلات تستقصي تقاطعات الشعري والكاليغرافي، فيما قدم بعض الفنانين والشعراء شهاداتهم حول تجاربهم الخاصة في هذا السياق.

وقدم الفنان الباحث محمد البندوري تأطيرا نظريا عاما حول تجربة الشعر والكاليغرافيا، من خلال عرض نظري وتطبيقي بالصور، توقف خلاله عند تجارب رائدة في الشعر المغربي. بينما قارب الناقد أحمد زنيبر تقاطعات الشعري والكاليغرافي، عبر رصد عام محددا سماته النظرية. فيما استدعت الباحثة آمال عباسي تجربة مغربية رائدة، امتدت بين 1977 و1985 لدواوين مغربية رسخت هذا الأفق الحواري، بين الخط العربي والنسق الشعري، ضمن سياق عمق من البعد البصري للقصيدة المغربية الحديثة.

واستعاد الفنان والخطاط لحسن الفرسيوي تجربته مع مجلة “الغارة الشعرية” (1994 – 2000)، إلى جانب شهادات لخطاطين حضروا فعاليات هذه الندوة الوطنية، بصفته أحد الفنانين الأوائل الذين انفتحوا على هذه التجربة الكاليغرافية، وفي ارتباط بمرحلة سابقة مؤسسة (1977 – 1985) والتي شهدت إصدار بنسالم حميش ديوانه “كناش إيش تقول”، وأحمد بلبداوي “سبحانك يا بلدي”، ومحمد بنيس (مع الخطاط عبدالوهاب بوري) “مواسم الشرق” و”في اتجاه صوتك العمودي..” وعبدالله راجع “سلاما ويشربوا البحار”.

بوكس

كما خصصت دار الشعر بمراكش برنامج ورشات الكتابة الشعرية (للأطفال واليافعين والشباب) لشهر ديسمبر، للاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، سواء بمقر الدار أو بنقط القراءة العمومية. وأشرف الفنان نورالدين بوخير على تأطير ورشات الخط العربي، والمخصصة لفئات الأطفال واليافعين الجمعة، ويواصل هذه الورشة يومي الحادي والعشرين والثاني والعشرين من ديسمبر. كما يحل ضيفا إلى جانب فنانين آخرين، على ورشات الشعر الموجهة للشباب، صباح السبت السابع عشر من ديسمبر.

خطيات أبولينير، وتجسيدات مالارميه، ومجسمات فالستروم، وغيرها شكلت شرارة أولى لعبور القصيدة إلى منحى يعمق من البعد التجسيمي البصري، في استحضار لأثر العديد من المدارس والاتجاهات حينها، والتي قدمت محاولات حثيثة لإعطاء نفس رؤيوي ينفتح على عوالم مجردة ولانهائية ويمزج الأدب بالفنون البصرية.

ولم يخرج الشعر المغربي، مع الإصدارات الشعرية لبنيس وحميش وراجع وبلبداوي، عن هذا المنحى في محاولة لانفتاح النص الشعري المغربي على أشكال بصرية وجمالية. ومنذ إشراقة عبدالكبير الخطيبي في كتابي “الاسم العربي الجريح” و”ديوان الخط العربي”، في تأسيس معرفي مبكر لهذه التقاطعات بين البعد البصري وأهمية الخط و”الوشم” في تشكيل الإبداع عموما.

وقعّد الشعراء محمد بنيس (مع الخطاط عبدالوهاب بوري) وبنسالم حميش (مع مصطفى عياد) وأحمد بلبداوي وعبدالله راجع (1948 – 1990) ومحمد الطوبي ووفاء العمراني وأحمد بلحاج أيت وارهام، مشروعا رؤيويا لبلاغة خطية تستحضر مجازات القصيدة والحرف، وهو ما أضفى على الشعر المغربي بعدا تشكيليا وأمسى الحديث حينها، عن الشكل البصري في القصيدة المغربية الحديثة وعن انتقال لثقافة العين (الشعر الهندسي، التطريز، التشجير) وهو ما أفضى إلى إبدالات جديدة في الشعرية المغربية.

ولعل بروز هذه المزاوجة، في فترة لاحقة في المشهد الثقافي المغربي، بين الإبداع الشعري والتشكيلي، نذكر هنا تجربة بنيس وضياء العزاوي ونجمي والقاسمي وتجربة المومني وتجارب الكراريس والكناشات الشعرية (الغارة الشعرية، مرافئ…)، ضمن مزاوجة بين بنية القصيدة والعمل الفني التشكيلي، أرسى لانشغال عميق للمتن الشعري في علاقته بالإمكانات التعبيرية والجمالية للفنون البصرية، انتقالا إلى التجليات الرقمية والتفاعلية الراهنة اليوم، وهو ما أثر بشكل مباشر على معمارية النص الشعري.

وتسعى ندوة الشعر والكاليغرافيا إلى الوقوف عند سمات هذه القصيدة المغايرة، والتي سعت إلى ترسيخ البعد الجمالي للخط ضمن حوارية مع الفنون، في تجاوز للمنظور التقليدي لقراءة النص الشعري العربي، ضمن مشروع حداثي يسعى إلى انفتاح الشعر على جماليات الشكل الخطي وتعدد الدلالات الجمالية والبصرية، في انتقال واع من البعد السمعي إلى البصري.

وستواصل دار الشعر بمراكش برمجتها الشعرية والثقافية لشهر ديسمبر، للاحتفاء باللغة العربية من خلال تظاهرة “ذاكرة شعرية”، في دورتها الرابعة 2022، والتي تنظم بتنسيق مع كلية اللغة العربية بمراكش وبيت الشعر في المغرب، وخصصت هذه الدورة للاحتفاء بذاكرة الشاعر الراحل أحمد بركات، في إرهاف للذاكرة الشعرية المغربية.

13