بريطانيا تخوض معركة استعادة ثقة المستثمرين

أرقام الصناعة المالية تشير إلى أن سوق العمل الضيق والاستثمار التجاري المنخفض والصادرات الضعيفة تعني أن الاقتصاد البريطاني سيتخلف عن أقرانه في العام المقبل.
السبت 2022/12/17
لا دلائل على انتهاء الفوضى في الأسواق

يجمع المحللون على أن كبار المستثمرين يمرون بفترة إعادة تقييم ومراجعة أفكارهم في دعمهم للاقتصاد البريطاني بعد أشهر من الاضطرابات السياسية والشكوك المستمرة بشأن بريكست، خاصة وأن تعافي البلاد من الركود العالمي يبدو بطيئا ومؤلما.

لندن – يكافح المسؤولون في بريطانيا لإعادة بناء المصداقية المالية والسياسية مع المستثمرين بعد رئاسة الوزراء القصيرة والفوضوية لليزا تراس، بينما تعاني الحكومات حول العالم مع ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض النمو.

وتشير أرقام الصناعة المالية إلى أنه حتى مع رحيل تراس، فإن سوق العمل الضيق والاستثمار التجاري المنخفض والصادرات الضعيفة تعني أن الاقتصاد البريطاني سيتخلف عن أقرانه في العام المقبل.

وأدت المخاوف بشأن تعافي النمو إلى قيام بعض المستثمرين بالحد من ممتلكاتهم من الجنيه الإسترليني والديون البريطانية.

وقال فينسينت مورتييه، كبير مسؤولي الاستثمار في أوموندي، أكبر مدير للصناديق في أوروبا، والذي يدير أصولا بقيمة 1.9 تريليون يورو لرويترز “حاليا نعتقد أن المخاطر عالية جدا مقارنة بالمكافآت”.

وينجذب المستثمرون الأجانب تقليديا إلى البلد بفعل القواعد القوية والحوكمة المستقرة وقطاع الخدمات المالية والمهنية المزدهر. لكن الاقتصاد المفتوح يعني أن أي تغيير في الإدراك يمكن أن يكون له تأثير كبير.

فينسينت مورتييه: المخاطر الاستثمارية تبدو عالية جدا مقارنة بالمكافآت
فينسينت مورتييه: المخاطر الاستثمارية تبدو عالية جدا مقارنة بالمكافآت

وأدت حقيقة ما فعلته تراس بزيادة الضغط على بنك إنجلترا المركزي ونشر الفوضى في الأسواق إلى تدقيق شديد في السياسة والشؤون المالية بالبلاد.

وتسبب استبدالها بوزير المالية السابق ريشي سوناك في تهدئة الأصول البريطانية مؤقتا، لكن المستثمرين ما زالوا قلقين بشأن الانهيار الوشيك لصناديق المعاشات التقاعدية ومدى اقتراب بريطانيا من كارثة مالية من صُنعها.

وشهدت صناديق الأسهم بالبلاد ثاني أكبر تدفقات شهرية لها على الإطلاق في نوفمبر الماضي، وفقا لبيانات شبكة الصناديق المالية كلاساتون، وهي إشارة إلى أن المستثمرين لا يزالون حذرين منذ انهيار سبتمبر الماضي.

وظل الإسترليني منخفضا بنسبة 9 في المئة مقابل الدولار الأميركي القوي وانخفض بنسبة 3.5 في المئة مقابل اليورو في أسوأ عام له منذ التصويت على بريكست في 2016.

ومثل الحكومات الأخرى، شهدت بريطانيا التي تخطط لجمع ما يزيد عن 300 مليار إسترليني، معظمها عن طريق بيع السندات في العامين المقبلين، ارتفاعا حادا في تكاليف الاقتراض هذا العام.

وتجاوز عائد السندات القياسي لمدة عشر سنوات الآن 3 في المئة، بزيادة أكثر من 200 نقطة أساس بما يتماشى مع عائدات الولايات المتحدة وألمانيا، ولكنه يجعل 2022 أسوأ عام بالنسبة إلى ديون الحكومة منذ 1994.

وستؤدي مبيعات بنك إنجلترا للسندات من ميزانيته العمومية إلى المزيد من الضغط على أسعار السندات من خلال زيادة العرض.

ومن المتوقع أن تعاني بريطانيا من ركود طويل الأمد، حيث تشير التوقعات الرسمية إلى انكماش بنسبة 1.4 في المئة العام المقبل. وفي مارس الماضي، وقبل الشعور بالتأثير الكامل للحرب الأوكرانية كانت التوقعات تشير إلى نمو بنسبة 1.8 في المئة.

وترى وكالة التصنيف موديز أن الدين الحكومي البريطاني سيظل أعلى من مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لسنوات.

صقر نسيبة: بينما تهتم الحكومة بترميم المشاكل فإنها تفتقد للرؤية
صقر نسيبة: بينما تهتم الحكومة بترميم المشاكل فإنها تفتقد للرؤية

وقال صقر نسيبة، الرئيس التنفيذي لشركة إنترناشيونال في اتحاد هيرمس، التي تدير أصولا بقيمة 669 مليار دولار، إن “خطة تراس الفاشلة لبريطانيا لاقتراض طريقها للخروج من ركود النمو البطيء قد ألحقت أضرارا جسيمة بسمعتها في الخارج”.

لكنه أشار لرويترز إلى أن “تراس تستحق الثناء لاعترافها بشيء جذري يجب أن يحدث لوقف سنوات من ركود النمو”.

وقال نسيبة، داعيا إلى تعزيز العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي تركته بريطانيا في 2020، “بينما تهتم الحكومة بإصلاح المشاكل السابقة، فإن التركيز على الصورة الكبيرة على المدى الطويل مفقود من الخطاب حاليا”.

ويرى الخبير في تي.أس لومبارد داريو بيركنز، الذي يُنسب إليه الفضل في صياغة مصطلح “علاوة معتوهة” لوصف إعادة تسعير الأصول البريطانية في عهد تراس، أن أحدا لا يعرف كيف “ستقوم المملكة المتحدة بالإصلاح اليوم”.

ويعتقد أن معظم المستثمرين يدركون أن بريكست كان نوعا من الكارثة وأن “المركزي لا يستطيع حقا حل المشكلات التي نواجهها”.

وعندما حذر مارك كارني محافظ بنك إنجلترا السابق في 2016 من أن بلاده تعتمد على “لطف الغرباء”، كان الاستثمار الأجنبي المباشر يمثل ما يقرب من نصف صافي تدفقات الأموال من الخارج.

وحتى الربع الثاني من 2022، مثّل الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر من نصف صافي التدفق الخارجي نتيجة للاستثمار القوي للبلاد في الخارج، ولكن الاستثمار الداخلي الضعيف أيضا. وقد تكون البيانات أيضا عرضة للاضطراب المرتبط بالوباء.

وقال فيفيك بول كبير محللي الاستثمار البريطاني بمعهد بلاك روك للاستثمار، وهو أحد مديري أصول تبلغ 10 تريليونات دولار “تبدو المملكة المتحدة وكأنها رهان مختلف للمستثمرين الدوليين عما كانت عليه قبل عشر سنوات”.

وتمول بريطانيا بشكل متزايد عجزها الهائل في الحساب الجاري عن طريق بيع الخدمات المالية والسندات للعالم، بدلا من جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

فيفيك بول: البلاد تبدو وكأنها رهان مختلف عمّا كانت عليه قبل عقد
فيفيك بول: البلاد تبدو وكأنها رهان مختلف عمّا كانت عليه قبل عقد

وثمة أيضا مخاوف بشأن مدى استعداد الشركات في بريطانيا للاستثمار في المعدات والمباني وتدريب الموظفين لتحفيز النمو.

ووفقا لتحليل أجرته رويترز استنادا إلى بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد انخفض أداء الاستثمار في الأعمال التجارية بنسبة 6 في المئة عن مستواه في منتصف 2016 اعتبارا من الربع الثاني من عام 2022.

وهذه الأرقام أقل مقارنة بزيادات قدرها 23 في المئة لفرنسا، ونحو 19 في المئة للولايات المتحدة، وأربعة في المئة لألمانيا.

ويعني هذا الأداء الضعيف على الاستثمار أن الإنتاجية متخلفة، حيث يتوقع اتحاد صناعة الأعمال أن يكون الناتج لكل عامل أقل بنسبة اثنين في المئة من مستويات ما قبل الجائحة بحلول نهاية عام 2024. وحذر من “عقد ضائع من النمو”.

قبل عامين من إجراء الانتخابات العامة، يقول سوناك إن الحكومة تصغي، فبالإضافة إلى رفع الضرائب وتقييد الإنفاق لمعالجة المالية العامة، فقد حشد وزير المالية جيريمي هانت لحماية مكانة لندن كمركز أوروبا للتجارة والمصارف.

وتهدف عملية تجديد القواعد المالية إلى استخدام أفضل لتريليونات الجنيهات التي تنتقل عبر مدينة لندن لدفع النمو والحفاظ على تدفق الإيصالات الضريبية.

وفي الوقت نفسه، يجب أن تساعد الحريات الجديدة التي تمكّن شركات التأمين من الاستثمار في مشاريع القطاع الخاص مثل البنية التحتية، وإصلاحات قواعد الإدراج في تعزيز التكنولوجيا الناشئة والصحة وشركات الطاقة الخضراء.

وقال ستيفن ويلتون الرئيس التنفيذي لشركة بي.جي.أف التي تستثمر في رؤوس الأموال إن “جذب الاستثمارات الأجنبية كان بمثابة رياضة تنافسية عالمية وهي رياضة كانت بريطانيا قد برعت فيها سابقا”.

وأضاف “أنت بحاجة إلى كل المزايا وتحتاج إلى لعب توزيع الورق بشكل جيد ولذا فقد أعقنا أنفسنا في السنوات الأخيرة مع استمرار عدم اليقين وعلينا أن ندرك ذلك”.

10