هل منح الدبيبة خصومه هدية بتسليمه لمشتبه به في قضية لوكربي

يضاعف صمت حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا من الشكوك حول دورها في تسليم المشتبه به في قضية لوكربي أبوعجيلة مسعود المريمي إلى الولايات المتحدة، ويخدم هذا الصمت خصوم الحكومة الذين أطلقوا حملة لا تخلو من تخوين ضد رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة.
طرابلس - تواجه حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا، انتقادات شديدة على خلفية اتهامات موجهة إليها بتسليم المواطن الليبي المشتبه بتورطه في قضية لوكربي أبوعجيلة مسعود المريمي إلى الولايات المتحدة.
وأعلنت السلطات الأميركية قبل أيام عن تسلمها للمريمي، دون أن تشير إلى الطرف المسؤول عن عملية تسليمه، فيما أشارت عائلة المحتجز بأصابع الاتهام إلى حكومة الدبيبة. وغذى صمت الحكومة تلك الاتهامات، فيما وجد خصوم الدبيبة، وهم كثيرون على الساحة الليبية، الفرصة سانحة للانقضاض عليه وضرب صورته التي حرص على تلميعها في الداخل.
وقال النائب العام المستشار الصديق الصور الأربعاء إن النيابة باشرت التحقيقات في واقعة تسليم المواطن المريمي دون إجراءات قانونية. وأضاف الصور في مؤتمر صحافي أن شكوى بهذا الخصوص عرضت على النيابة العامة، والأمر محل تحقيق، وسيتم إعلان نتائج التحقيقات في حينها.
وكانت رئاسة مجلس النواب طالبت في وقت سابق النائب العام بتحريك دعوى جنائية ضد المتورطين في عملية تسليم المريمي، كما ندد أعضاء المجلس بالواقعة التي “تخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية والمحلية”، ووصفوها بـ”الجريمة النكراء".
وحمّل المجلس الأعلى للدولة حكومة الدبيبة "المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية باستمرارها في هذا النهج، وتسليم المواطن الليبي أبوعجيلة مسعود إلى الولايات المتحدة الأميركية بشكل مجحف ومخجل". وانضم الأربعاء نحو أربعة وأربعين حزبا إلى إدانة ما وصفوه بعملية “اختطاف لمواطن ليبي"، متهمين حكومة الدبيبة بالوقوف خلف ذلك.
ودعت الأحزاب في بيان مشترك إلى محاكمة المسؤولين عن “عملية الاختطاف”، والاعتصام أمام مقرات الأمم المتحدة وسفارات الولايات المتحدة في الداخل والخارج، تنديدا بما وصفته بـ"الجريمة النكراء".
وأشارت الأحزاب السياسية إلى أنها “استنكرت قبل شهر عملية اختطاف المواطن أبوعجيلة من وسط بيته ومن بين أهله وعائلته في مدينة طرابلس، من طرف عصابة محلية مسلحة واقتياده إلى جهة غير معلومة، تمهيدا لما تم تسريبه وقتها من اعتزام رئيس حكومة الوحدة الوطنية ووزيرة الخارجية على تسليمه إلى الحكومة الأميركية، في صفقة مشبوهة لإرضاء الولايات المتحدة والتودد إليها وكسب دعمها”.
وقالت الأحزاب في بيانها إن “الستار انكشف وأزيح اللثام عن حقيقة ما كان يدبر في الخفاء والظلام، بإعلان وسائل إعلام أميركية وأوروبية عن خبر استلام السلطات الأميركية للمواطن الليبي والزج به في المعتقل وإخضاعه للاستجواب والتحقيق، دون أي تفاصيل عن طريقة التسليم ولا التفاهمات أو الضمانات المتعلقة بحقوقه كمتهم، فهو بريء حتى تثبت إدانته وفق أبسط قواعد ومبادئ حقوق الإنسان”.
وأكدت أن قضية لوكربي دفع الشعب الليبي ثمنها كاملا وتمت تسويتها، وقد أغلق ملفها نهائيا وفقا لاتفاقية قانونية بين الدولتين الليبية والأميركية منذ العام 2008.
وأشارت الأحزاب إلى أن إعادة فتح قضية لوكربي بلا مبرر أو سند قانوني سوف يفتح على ليبيا أبواب الجحيم، ابتزازا للأموال وإخضاعا لها وإنزال العقوبات عليها على كل المستويات.
وحمّلت الأحزاب السياسية رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، المسؤولية كاملة عن كل ما يترتب على إعادة فتح هذه القضية من أضرار مادية ومعنوية، تلحق بالرهينة الليبي وبمصالح الشعب الليبي وسيادته.
ويرى مراقبون أن عميلة تسليم المريمي إلى الولايات المتحدة، ما كانت لتتم دون علم حكومة الوحدة التي تسيطر على العاصمة طرابلس، والتي تستميت في الحفاظ على سلطتها، وقد تكون وافقت على هذه الخطوة في سياق كسب دعم واشنطن.
ويشير المراقبون إلى أن الدبيبة وضع نفسه في موقف جد محرج، كما منح خصومه هدية كبرى لمهاجمته وتضييق الخناق عليه، والأهم ضرب صورته في الداخل، التي كان رئيس الوزراء قد حرص على تلميعها على أمل خلق حزام شعبي داعم لطموحاته للبقاء في الحكم. ودعا كتاب وإعلاميون وأساتذة جامعيون ليبيون في بيان توجهوا به إلى رئاستي مجلسي النواب والدولة إلى تحمل المسؤولية حيال ما حدث.
وطالب هؤلاء في بيانهم بفتح تحقيق ضد كل من تورط في قضية القبض والتسليم، واعتبار ذلك يرقى إلى تهمة الخيانة العظمى، وتكليف محام دولي لمتابعة القضية، وتأكيد بطلان الإجراءات المتخذة ضد أبوعجيلة، وتقديم مذكرة عاجلة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل المنظمات الدولية الأخرى لإدانة هذا العمل، متهمين الولايات المتحدة “باستغلال ضعف وهشاشة” ليبيا، وارتكاب “مخالفة لكل الأعراف والقوانين والشرائع”.
◙ الأحزاب السياسية حمّلت الدبيبة والمنقوش المسؤولية كاملة عن كل ما يترتب على إعادة فتح هذه القضية من أضرار مادية ومعنوية
ودعا البيان حكومة الوحدة وكافة وزاراتها إلى إيضاح موقفها وتحمل مسؤوليتها التاريخية أمام هذا العمل، وشرح ما حدث للرأي العام، ونشر كل نتائج التحقيقات مع المتورطين في هذه الواقعة.
وعقب تسليمه للولايات المتحدة، مثل أبوعجيلة مسعود أمام محكمة اتحادية في العاصمة واشنطن الثلاثاء، في تورطه المزعوم بقضية لوكربي، حيث رفض الحديث أمام قاضي التحقيق الأميركي روبن ميريويذر قبل أن يجتمع بمحاميه، وقال ممثل الادعاء إريك كينرسون للمحكمة إن حكومة الولايات المتحدة لن تطلب معاقبته بالإعدام، وبالتالي فإن الحد الأقصى للعقوبة سيكون السجن مدى الحياة.
ومن المقرر عقد الجلسة الثانية لمحاكمة المريمي في السابع والعشرين من ديسمبر الجاري، والتي يمكن خلالها لوكلاء الدفاع عنه أن يقدموا طلبا لإطلاق سراحه، حسبما ذكرت تقارير إعلامية.
ومنتصف نوفمبر الماضي تحدثت وسائل إعلام ليبية عن اختطاف المريمي من منزله في العاصمة طرابلس، فيما التزمت واشنطن الصمت. يذكر أن المريمي هو الشخص الثالث المتهم بإسقاط رحلة “بان أميركان”، لكنه أول من ظهر في قاعة محكمة أميركية.
وكان القضاء الأميركي وجه له الاتهام غيابيا في الحادي والعشرين من ديسمبر 2020 حين كان الأخير في ليبيا. وتقول الولايات المتحدة إن المريمي هو المسؤول عن صناعة القنبلة المستخدمة في تفجير الطائرة فوق منطقة لوكربي بأسكتلندا.