الشاي جاي

أغلب الناس لا يصيبون في تقدير أهمية تعلم لغات أجنبية في حياتهم اليومية والمهنية، واكتساب مهارات لغوية وشفوية متنوعة، إذ يظنون أن ذلك مجرد مضيعة للوقت أو ترف لا طائل من ورائه، ماداموا سيعيشون ويعملون في بلدهم الذي يتحدث لغة واحدة، وكذلك لا يصيبون تماما في تعويلهم المبالغ فيه على التكنولوجيا ودورها في كسر حواجز اللغة عندما يسافرون إلى بلدان أجنبية.
لا يمكن نفي أهمية ترجمة غوغل والتطبيقات التكنولوجية المتاحة في كل مكان وزمان، وبكبسة زر واحدة، في التواصل وتجاوز عائق الاختلاف في اللغات وتسهيل عملية الحوار والتفاهم بين الناس، لكن عندما ننظر إلى تعلم اللغات تحديدا، ندرك كم نحن في أمسّ الحاجة إلى ممارسة اللغة مع متحدثين أصليين.
أتيحت لي الفرصة الأسبوع الماضي لزيارة مدينة إسطنبول التركية برفقة زوجي، فاصطحبنا أحد الأصدقاء المقيمين هناك في جولة خاطفة للتعرف على معالم المدينة وتنوعها الثقافي الذي قرّب بين أناس من خلفيات ثقافية ولغوية متعددة.
كنت أعتقد أن هذا التنوع الثقافي سيسهم في وجود بيئة تتوفر فيها فرص أكثر لتحدّث لغات أجنبية، تتماشى مع الاختلافات الثقافية والاجتماعية الموجودة في تركيا، بحيث يكون الناس أكثر اهتماما باللغات الأخرى، لكنني لم ألتمس ذلك في معظم المحلات التي تسوقت منها والمطاعم والمقاهي التي جلست فيها.
وفي فندق من خمسة احتار موظفو الاستقبال في التفاهم مع نزيل لا يتقن غير الفرنسية، كنت مع زوجي نتأمل مشهد الحيرة بين الطرفين في غياب لغة وسطية للتفاهم، فموظفو الاستقبال لا يجيدون غير التركية ومن بعدها الإنجليزية، وعندما طال “سوء الفهم اللغوي” تأفف الفرنسي حائرا، فتبرعت بدور المترجم بين الطرفين بالاعتماد على مهاراتي في اللغة الفرنسية التي تعلمتها أثناء الدراسة. فحظيت بامتنان الفرنسي وشكر موظفي الاستقبال، كما تباهيت بذلك أمام زوجي الذي لا يعرف من الفرنسية غير الترجمات وأسماء كتابها!
إذا كنت قد نجحت في لعب دور المترجم بين النزيل الفرنسي وموظفي الاستقبال في الفندق، فإنني اكتفيت بدور المتأمل المصاب بالدهشة عندما تعلق الأمر باللغة التركية في دعوة عشاء أقامها لنا أحد الاصدقاء الذي يتقن القليل من التركية.
حاول صديقنا أن يطلب لنا المزيد من الملاعق بلغته “التركية المكسرة” لكن نادل المطعم فهم الأمر مختلفا للغاية، فهرول لجلب الشاي بدلا من الملاعق! بينما كنا قد بدأنا للتوّ في تناول طعامنا. لم أجد أي تقارب بين كلمتي الملاعق والشاي بالتركية، لكنها معضلة اللغة التي قد تدخلنا في مفارقات مضحكة أحيانا وأغرب من الغريبة في أغلب الأحيان!