واشنطن تنخز الجزائر بملف حقوق الإنسان المثقل بالانتهاكات

الجزائر- أشادت السفيرة الأميركية في الجزائر إليزابيث مور أوبين بدور شخصيات وهيئات جزائرية لم تسمها في الدفاع عن حقوق الإنسان، في موقف بدا مثيرا، ويطرح تساؤلات حول ما إذا كان هناك توجه للولايات المتحدة لتسليط الضوء على الملف الحقوقي في الجزائر.
وتشكل وضعية حقوق الإنسان في الجزائر مصدر صداع للسلطات السياسية التي تحرص في كل مرة على تأكيد احترامها للاتفاقيات والتشريعات الدولية، وتنفي وجود معتقلي رأي في السجون، لكن ذلك لا يحول دون تعرضها لانتقادات شديدة آخرها الموقف الصادر عن المجلس الأممي لحقوق الإنسان، الذي توجه بـ300 توصية ينتظر أن ترد عليها الجزائر خلال مارس القادم.
وكثيرا ما تربط الأنظمة السياسية المتهمة بتجاوزات حقوقية القوى الكبرى بتوظيف هذا الملف في لعبة لي ذراع لتحقيق مصالح سياسية، ولإجبار الحكومات على تقديم تنازلات معينة لصالح القوى الكبرى، وهذا ينسحب على رؤية الجزائر لإثارة مثل هذا الملف حيث ترى أن الغاية من ذلك الضغط عليها، لاسيما الآن في ذروة الصراع الغربي – الروسي على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وعبر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن “رفض بلاده للمزيدات وللتدخل في الشؤون الداخلية”، مشددا في تصريحات له على أن “ما يروج له حول معتقلي رأي هو أكذوبة القرن، وكل ما في الأمر تطبيق للقانون وحماية للأفراد والمؤسسات من الكذب والقذف، وصيانة للبلاد من محاولات المساس بوحدتها واستقرارها”.
وذكرت السفيرة الأميركية في الجزائر إليزابيث مور أوبين بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان أنه “بعد عشرة أشهر من عملي كسفيرة في الجزائر، وثلاث سنوات من قبل كنائبة لرئيس البعثة، أشعر باحترام عميق ودائم للعديد من الأشخاص هنا الذين يعملون بلا كلل لتعزيز احترام الحريات الأساسية، وأرى في هؤلاء الأشخاص نفس الأمل والإرادة اللذين أراهما في الشخصيات المحورية عبر تاريخ الولايات المتحدة. بناء على مبادئ الحياة، والحرية، والسعي وراء السعادة”.
وأضافت السفيرة “نشهد أيضا زيادة في استخدام عمليات إغلاق أو تباطؤ الإنترنت، وإساءة استخدام تقنيات المراقبة، بما في ذلك برامج التجسس، وتطبيق قيود مرهقة على منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك إساءة استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لخنق أصوات المجتمع المدني في العديد من المجتمعات”.
وأفادت منظمات غير حكومية بأن أكثر من 300 من المدافعين عن حقوق الإنسان وأكثر من 50 من العاملين في وسائل الإعلام قتلوا وسجن مئات الآخرين ظلما لممارستهم حقوقهم الإنسانية وحرياتهم الأساسية في عام 2021.
وتابعت “لقد كان شرفا لي على مدار ما يقرب من أربع سنوات عشت فيها في الجزائر مقابلة إعلاميين رائعين، وفاعلين في المجتمع المدني، وقادة حكوميين، وشباب من النساء والرجال الجزائريين الذين سيتحملون يوما ما المسؤوليات التي نتحملها اليوم. في يوم حقوق الإنسان هذا، أدعو زملائي أصحاب النوايا الحسنة – الأميركيين والجزائريين والدوليين – إلى التأمل ومساءلة أنفسنا عما إذا كنا نفعل ما يكفي لاحترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع”.
وتشير تلميحات السفيرة الأمريكية إلى ما بات يعرف بـ”البند 87 مكرر” الذي سنته الحكومة الجزائرية العام الماضي، حيث تم بموجبه إعادة صياغة مفهوم الإرهاب والعقوبات المترتبة عليه، بما فيها العمل على تغيير النظام السياسي خارج الأطر الدستورية.
وتجري محاكمة العديد من الناشطين والفاعلين السياسيين المعارضين في الجزائر بموجب القانون الذي أثار موجة من الجدل السياسي والقانون في الدوائر الحقوقية، بما فيها المجلس الأممي لحقوق الإنسان المنعقد مؤخرا في جنيف.
وصدرت بشأن القانون العديد من الملاحظات تتراوح بين الحذف والمراجعة، وكان محل انتقاد شديد من طرف المدافعين عن حقوق الإنسان الذين اتهموا الحكومة الجزائرية بتوظيفه لغلق مجال الحريات، وتعليق المواقف والآراء المناوئة للسلطة على شماعة الإرهاب.
300
معتقل رأي أو أكثر في السجون الجزائرية، وأحكام جنائية ثقيلة تصدر في حق هؤلاء تحت طائلة البند 87 مكرر
وتتحدث تقارير تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي عن وجود أكثر من 300 معتقل رأي في السجون الجزائرية، وعن أحكام جنائية ثقيلة تصدر في حق هؤلاء تحت طائلة البند 87 مكرر، الذي تم بموجبه تصنيف أفراد ومنظمات كإرهابيين وككيانات إرهابية، على غرار حركة استقلال القبائل “ماك” و”رشاد”.
وأفادت تقارير محلية بتعمد المحاكم الجزائرية في الآونة الأخيرة إعادة تكييف التهم الجنائية الموجهة إلى العديد من المتهمين إلى تهم جزائرية، تمهيدا لصدور أحكام مخففة وهو ما لوحظ على العديد من الحالات، مما يوحي بفرضية تراجع تدريجي للسلطة عن مضمون البند المذكور في أعقاب موجة الانتقادات التي وجهت إليها في مختلف المحافل الحقوقية.
ولفتت السفيرة الأميركية إلى “أن جائحة كوفيد -19 أدت إلى تصاعد التحديات التي خلقتها الأنظمة الاستبدادية، حيث أساءت بعض الحكومات استخدام سلطات الطوارئ لتقييد الحريات الأساسية. يستخدم القادة غير الليبراليين النداءات الشعبوية الناتجة عن عدم المساواة في الدخل والقومية لتعزيز سلطتهم. تمكنت المؤسسات الضعيفة من تنفيذ هذه التكتيكات، مدعومة بوسائل حديثة للتضليل”.
وكان للجائحة العالمية ولقرار الإغلاق الشامل الذي قررته الجزائر في العام 2020 دور في إطفاء جذوة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عام 2019 من أجل التغيير الشامل ورحيل النظام القائم، وحتى عودتها في العام الموالي اصطدمت بتعزيز القبضة الأمنية مما أنهى الاحتجاجات من الشارع، الأمر الذي مكن السلطات من استعادة زمام المبادرة والتحكم التام في الوضع الداخلي.