اختلاف طرق التربية بين الوالدين يربك الأطفال

دعا خبراء علم الاجتماع إلى ضرورة احترام الشريك للأسلوب الذي يتبعه الآخر في تربية الأبناء، لافتين إلى أن الخلاف بين الوالدين حول أسلوب التربية يؤدي إلى عدم وضوح المعايير أمام الطفل، فيصبح غير قادر على تمييز الصحيح من الخطأ، فيما تعتبر مهمة التنشئة توضيح الصواب والخطأ للطفل.
تونس- يؤكد خبراء علم الاجتماع أن التضارب في أساليب التربية بين الآباء والأمهات من الأخطاء التربوية الشائعة في الكثير من الأسر، ذلك أن بعض الآباء يؤمنون بالصرامة في التعامل مع الأبناء، بينما قد تميل بعض الأمهات إلى اللين والتدليل. أو قد يؤمن أحدهما بطرق التربية الحديثة، بينما يتمسك الآخر بطرق التربية القديمة التقليدية. مما يدفع الأبناء إلى الميل تجاه الطرف الذي يتبع اللين ويُلبي احتياجاتهم. فيحدث تضارب بين الآباء والأمهات في تربية الأبناء، مما يؤثر بالسلب عليهم.
ويرى الخبراء أن التربية الصحيحة تتمثل في اتباع نهج موحد بين الطرفين، وتحقيق التناغم التربوي في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالتربية معًا.
وأشاروا إلى أن تربية الأطفال كفريق واحد تنعكس على الآباء و الأمهات، حيث يُشعرهم ذلك بالسعادة والثقة والرضا تجاه الأبوة والأمومة وحياتهم العائلية ككل، كما يسهّل عليهم الاستمتاع بالوقت الذي يقضونه مع عائلتهم.
وقالت روضة المحرصي (48 عاما) وهي أم لبنتين موظفة بالقطاع الخاص، إن الاختلاف في تربية بنتيهما هو السبب الرئيسي للخلاف بينها وبين زوجها، مشيرة إلى أنه في الكثير من الأحيان يصل هذا الخلاف حد القطيعة بينها لأيام وتفكيرها في المطالبة بالطلاق في أكثر من مرة.
وأشارت المحرصي إلى أن ابنتها الكبرى البالغة من العمر 14 عاما تمر بفترة المراهقة وتتطلب طريقة خاصة في المعاملة تتميز باللين والرفق في حين أن والدها كثير التشنج والغضب في طريقة تعامله معها وهي تخشى عليها من ردة فعله غير متوقعة في الكثير من الأحيان.
وترى سامية الزغيدي (35 عاما) أن زوجها معز لا يحسن التعامل مع ابنه البالغ من العمر 5 سنوات ما يسبب خلافا بينهما حول طريقة تربيته، فالطفل العنيد حسب رأيها لا يجب التعامل معه بقسوة حتى لا يزداد منسوب العناد عنده، وهو ما يجهله والده الذي يصر على عقابه كل ما بدر منه من سلوك غير سوي.
وقالت الزغيدي إن ذلك أثر على نفسية ابنه الذي بدا يشعر بالذنب كلما رآهما يتخاصمان بشأنه، مشيرة إلى أنه رغم صغر سنه، فإنه كان يفهم كل ما يدور بينهما وكان دائما يعدها بأنه لن يكرر فعلته حتى لا تتحمل أمه مسؤولية ما يفعله هو.
ونصحت الزغيدي الآباء بأن يتركوا الفرصة للأمهات بأن يقوموا سلوك أبنائهم ولا يتدخلوا بطريقة فجة تفسد ما حاولن بناءه.
وقالت إن الطريقة التي يتفاعل بها الوالدان مع بعضهما البعض لها تأثير كبير على أطفالهما، خاصة في تطورهم العاطفي. فعندما يرى الأطفال أن الآباء جبهة واحدة، ويمثلون فريقا واحدا في المبادئ والقيم والقواعد يشعرون حينها بالأمان والرضا بل ويتعلمون كيفية بناء علاقات صحية مع الآخرين وكيفية التواصل الجيد معهم.
وترى الخبيرة في العلاقات الأسرية لينا غنيم أنه في أحيان كثيرة في مجتمعنا الشرقي، يغلب الطابع التسلطي على شخصية الآباء، لأسباب تتعلق بسوء فهم معنى الرجولة. وقد تشكو أمهات كثيرات من ظلم الأزواج لهن ولأولادهن وعدم استجابتهم للحوار والتفاهم.
وتخلص غنيم إلى أن التربية لا تقتصر على الأمهات اللواتي لن يستطعن بمفردهن إعطاء الطفل كل ما يحتاجه من التربية، إذ أن شخصية الأب ضرورية ومفيدة في حياة الطفل، والتعامل الحازم والخشن معه يفيده نفسيا في بعض الأحيان.
ومن هنا، لا بد من الاتفاق بين الزوجين على أسلوب تربية الطفل وطريقة التعامل مع أخطائه، إذ عندما يسمع الطفل أن الأم تقول للأب: لا تضربه، ولا تصرخ عليه، فإنه سيشعر بأنه في حماية والدته، ولن يحترم والده وسيعانده، لأن والدته في صفه دائما. كذلك الأمر عندما يرى الطفل أن الأهل في شجار دائم، وأنهما لا يحترمان بعضهما بعضا، فإنه سيُكمل أيضا بعدم احترام الوالدين، وستُطبَع في ذهنه هذه الفكرة وسيكبر عليها، وفق غنيم.
ووصف الاختصاصي في علم الاجتماع، والأستاذ في جامعة الشارقة الدكتور حسين العثمان، مسؤولية الأسرة في تربية الأطفال بأنها مشتركة، قائلا “لا أقول إن كلا من الأم والأب يجب أن يكونا متطابقين تماما في أسلوبهما التربوي، لأن كلا منهما يتمتع بشخصية مختلفة، والاختلاف يؤدي إلى التكامل”.
وأضاف بأن أسباب الخلافات الأسرية غالبا ما تحدث بسبب عدم تفاهم الأم والأب على أسس مشتركة للتربية، لأن هناك أشياء معينة يجب أن تكون مشتركة، فلا يجب أن يضيع الطفل في التناقض الكلي.
ودعا العثمان إلى احترام الشريك للأسلوب الذي يتبعه الآخر، فإن قامت الأم بحرمان الطفل من شيء يجب أن يحترم الأب هذه العقوبة لأن كسرها يؤكد للطفل عدم تفاهم والديه، لافتا إلى أن الخلاف بين الوالدين يؤدي إلى عدم وضوح المعايير أمام الطفل، فيصبح غير قادر على تمييز الصحيح من الخطأ، فيما تعتبر مهمة التنشئة توضيح الصواب والخطأ للطفل.
وأضاف أن الاختلافات بين الأم والأب يغني شخصية الطفل أحيانا، ولكن يجب أن يتفق الأهل على ما يريدون أن يعلموه للطفل، كي لا يصبحوا مصدرا غير سليم لتعليم السلوكيات.
الخلاف بين الوالدين يؤدي إلى عدم وضوح المعايير أمام الطفل، فيصبح غير قادر على تمييز الصحيح من الخطأ
ونوّه الاستشاري في الطب النفسي الدكتور علي الحرجان إلى ضرورة تربية الطفل بناء على أسس وقواعد علمية، بحيث تكون التربية مشتركة ومن الطرفين، مؤكدا أن الاختلاف يسبب حالة من الإرباك لدى الطفل، فلا يصدق الطرفين ولا يلتزم بأقوالهما.
وأوضح الآثار النفسية التي تترتب على الطفل من جراء الخلافات على التربية، إذ يفقد الطفل ثقته بنفسه، بالإضافة إلى أنه يتعرض للإهانة والتجريح على أخطاء لا يتحمل مسؤوليتها، كون ذلك نتج عن التباين بين الأهل حول المسموح والممنوع.
وقال إن الخلافات تسبب نوعاً من القلق والخوف عند الطفل، لأنه يشعر أنه سبب المشكلات في المنزل، فينتابه الشعور بالاكتئاب، والإحباط، خصوصا لدى فئة المراهقين التي تعتبر الأكثر تأثرا بالخلافات والمشكلات الأسرية.
ونصح الحرجان الأهل بالتقيد بالحوار للتوصل إلى نقاط مشتركة لتربية الأولاد، وشدد على “أهمية عدم إتمام المناقشات أمام الأطفال لأنه من حق أي من الطرفين أن يحفظ حقه في تربية الأولاد شرط ألاّ يكون ذلك بالصراخ أو رفع الصوت أمام الأطفال”.